على طريقتها الخاصة
"لقد أسمعت لو ناديت حيا؛ ولكن لا حياة لمن تنادي، ولو نار نفخت بها أضاءت؛ ولكن أنت تنفخ في رماد".
لقد بلغ اليأس بالشاعر عمرو بن معدي بن ربيعة الزبيدي مداه من قومٍ ما حينما نظم هذه الأبيات من الشعر التي وجد فيها كثير من فحول الشعر العربي المتأخرين والمتقدمين منفساً للتعبير عن إياسهم ممن يحيطون بهم، فاقتبسوا هذه الأبيات في مناسبات عدة وضمنوها قصائدهم لتعبر عن لسان حالهم المُحبَط.
طبيعة الأمور تقتضي أن يكون اليوم العالمي للإعاقة مناسبةً احتفاليةً تلهم المرء عبارات الفرح والحبور بالحاضر، واستشراف سبيل الفرج والنور للمستقبل. وكانت طبيعة الأمور ومنطقيتها تقتضي أن تتبارى مؤسسات الدولة والجهات غير الحكومية لإبراز منجزاتها وقصص نجاحها في تعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة كل في مجال عمله وولايته. ولما كان كل مفترض ليس بحاصل حتما، أبت بعض مؤسساتنا إلا وأن تحتفل بهذا اليوم على طريقتها الخاصة، فكان آخر ما قرأته عشية اليوم العالمي للإعاقة كتاب رسمي صادر عن دائرة حكومية تصرح فيه جهاراً نهاراً عن حقها في رفض منح أحد الأشخاص المكفوفين لحقه في التوظيف، لأن هذه الدائرة قطعت وحكمت بأن هذا الشخص "غير لائق لشغل وظيفة مدقق ضريبي"!.
واستشهدت الدائرة في قرارها غير المنصف هذا بتقرير طبي بائس ذيله من كتبه بعبارة "غير لائق"، وبطبيعة الحال، لم ينهض الطبيب أو الطبيبة التي كتبت هذه العبارة عن مقعدها في غرفتها باهتة الألوان عتيقة الجدران، لتعرف ما هي طبيعة الوظيفة وما هي إمكانيات ومؤهلات الرجل وما هي الترتيبات التي لو أتيحت له لجعلته متمكناً من أداء العمل على وجه التمام والكمال. ولكن مهلا، لماذا يبذل أطباؤنا هذا العناء ولديهم نظام اللجان الطبية الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه بجداوله المشؤومة التي تقول بأن كل من كان لديه إعاقة فهو فاقد لشرط اللياقة، بغض النظر عن الوظيفة أو البيئة المحيطة أو إمكانيات ومؤهلات الشخص.
لقد شرفت أيما شرف بنيل الثقة الملكية السامية ثلاث مرات في عمري المهني، مرةً حينما شرفني جلالة الملك المعظم بتعيني عضواً في مجلس أمناء المركز الوطني لحقوق الإنسان منذ أكثر من 10 سنوات، ومرةً حينما أعاد جلالته تشريفي وتكريمي بأن عينني عضواً في مجلس الأعيان، ومنذ سنتين أفاض علي جلالته شرفاً وتكريماً حينما وشح بإرادته السامية قرار تعييني أمينا عاما للمجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. في المرات الثلاث شرفت بأن أكون أول شخص لديه إعاقة يشغل هذه المواقع القيادية في وطننا الأعز. لم تكن الثقة الملكية السامية الغالية مجرد شعارات تسطع في مناسبات معينة ثم تخفت بل كانت وما تزال عنواناً على إيمان جلالته المطلق بالتنوع وحق الأشخاص ذوي الإعاقة في التمكين والمشاركة وتكافؤ الفرص. هكذا يعزز سيد البلاد حقوق وقضايا الأشخاص ذوي الإعاقة على منهجه السديد ومذهبه الحميد، فعلاً لا قولاً، وعملاً لا طول أمل.
في المقابل، تطل علينا مؤسسات وطنية يفترض فيها الشفافية وتحقيق العدالة والمساواة بوجه قديم وصوت نشاز غير رخيم، لتقول لنا: يا قوم، هلموا فشدوا الرحال عن ديارنا، فما لكم عندنا دار مقام، فأنتم ولو نلتم من العلوم أرفعها ومن الخبرة اوفرها؛ غير لائقين، وبيننا وبينكم ما ألفينا عليه آباءنا والتقارير الطبية سيءة الذكر.
لقد قلنا وما نزال ولن نبرح المقال، إنّ ما يحدث عندنا يشكل مسرحية عبثية أبطالها أشباح من الماضي، ومداد قصتها دم وعرق من ناضلوا وكافحوا وقاوموا المعيقات كافة من الأشخاص ذوي الإعاقة الذين عليهم أن يكونوا محاربين ومقاتلين ولديهم احتمال يفوق طاقة البشر؛ ليحصلوا على أبسط الحقوق التي يتمتع بها نظرائهم دونما عناء أو مشقة تذكر.
للأشخاص ذوي الإعاقة في يومهم المشهود نقول: كل عام وأنتم قائمون على جبهات حقوقنا يذودون ويدافعون، ولكل مؤسسة أو دائرة أو وزارة ترفض تمكين أي مواطن من حقه في العمل بسبب إعاقته نقول: كل عام وأنتم للأسف كما أنتم، فمتى تحين الساعة وتكسد عندكم تلك البضاعة، متى سترتقون لمستوى قائد البلاد وسيدها في الفهم والتنوير والإنصاف؟
إننا بدعم ومساندة جلالة القائد، وإلهام الأب الرائد؛ صاحب السمو الملكي الأمير رعد بن زيد، وبإيمان ومكافحة خلفه صاحب العصر المشرق الواعد؛ صاحب السمو الأمير مرعد بن رعد بن زيد؛ ماضون في طريق تحرير العقول وإقناع صانع القرار والمسؤول بحقنا المكفول. وسنظل ننادي حتى نُسِمعَ من مات أو يرحل من استمرأ التنميط والتمييز والافتئات.