على النواب تحمل النقد الإعلامي لا قمعه ومحاولة إسكاته

على النواب  تحمل النقد الإعلامي لا قمعه ومحاولة إسكاته
الرابط المختصر

يخطئ العديد من المتابعين أو المشاركين في الشأن العام باعتبار الحصانة القانونية التي يمنحها الدستور للنواب والوزراء تشمل موضوع النقد أو التعليق أو الاختلاف العلني معهم، والواقع أن القانون والعرف العالمي يأتي بعكس تلك الأفكار، فقوانين القذف والتشهير بالأساس تحمي المواطن العادي الذي لا حول ولا قوة له.

أما المسؤول الذي اختار أن يعمل في الشأن العام فإن القانون لا يحميه ما دام النقد والحديث مرتكزا على مواضيع متعلقة بالشأن العام وليس نقدا بشأن النائب أو الوزير الخاص أو لعائلته/ـها، وكما قال الصحفي فهد الخيطان من العرب اليوم في حديثة على برنامج "عين على الإعلام" عبر راديو البلد  "إن بعض النواب الجدد لا يعرفون أن النائب هو شخصية عامة وليست لديه حصانة من النقد".

من المفترض أن يمتلك أي مواطن يسعى للوصول إلى موقع نيابي أو حكومي أو رسمي معرفة بأبجدية العمل الديمقراطي وهي أنه سيكون معرضا للنقد والتعليق بغض النظر على المواقف التي سيأخذها وكم بالحري عندما يقول شيئا في كلمته العلنية أو يفعل شيئا من خلال أعماله.

رئيس مجلس النواب معالي فيصل الفايز أدرك هذا التفصيل، فعند لقائه الأحد مع الصحفيين العاملين في مجلس النواب بدأ حديثه بالتأكيد على احترامه واحترام المجلس للنقد واضعا خطا فاصلا بين النقد والإساءة.

 إذن..فلنبحث عن هذا الفارق بين الإساءة والنقد، ومن يحق له أن يقرر بين الأمرين.

لقد أثبتت المحاكم الأردنية وسع صدرها بتحليل فضفاض لتعريف الانتقادات التي يتم توجيهها لمجلس الأمة، فدراسة سريعة لما تم نشره في الأيام الأخيرة ضد مجلس النواب يأتي ضمن توجيه النقد لمواقف النواب من موضوع الثقة وليس من باب الإساءة للجهاز التشريعي أو التنفيذي.

ومن الواضح أن مجلس النواب يتجاوز بصورة كبيرة لحقوقه إذ اعتبر أن نقد الإعلاميين والمعلقين لعملهم بأنه "ذم"، فكما أن دور السلطة التشريعية هو متابعة عمل السلطة التنفيذية فمن بديهيات دور الإعلام و المعتبر "السلطة الرابعة" يتمثل بمتابعة عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية.

صحيح أن قانون العقوبات الأردني جرم أي ذم للمؤسسات الرسمية ومنها مجلس الأمة ومن خلال البند 191 وبهذا يكون قد خالف معظم العهود الدولية والتي وقع الأردن عليها ومنها البند التاسع عشر للإعلان الدولي لحقوق الإنسان، إلا أنه حتى في هذا الموضوع فإن هناك عدم متابعة أو محاولة لتجاهل البند التالي  لقانون العقوبات والذي يبرئ أي نقد أو حتى الذم إذا ما كان مبنيا على الحقيقة، حيث ينص البند 192 بعد تأكيد حق الدفاع عن النفس أنه "إذا كان الذم يتعلق بواجبات الوظيفة فقط وثبتت صحته فيبرأ الذام".

 وكل ما تم نشره في الإعلام عبارة عن تعليقات مبنية على حقائق مثبته في مجريات مجلس النواب وخاصة أقوال غالبية النواب في مجال مناقشة برنامج حكومة سمير الرفاعي الثانية، ولا يوجد أي خلاف حول الحقائق التي بنيت عليها التعليقات مما يبرئها من موضوع الذم.

ومن جهة أخرى فإن التعليقات الإعلامية المشار إليها تأتي ضمن مادة الدستور الأردني الخامسة عشر والتي تضمن حق التعبير كما وتأتي في مجال الرؤية الملكية لدور الإعلام والتي دعا جلالته إلى أن يكون سقفها السماء، فإذا كان التعليق على أقوال وأفعال النواب المكفول في القانون ممنوعا فكيف لنا أن نتوقع من الإعلام المستقل والحر أن يتجرأ على نقد الحكومات والتي –بعكس السلطة التشريعية- لها سلطات تنفيذية من السهولة استعمالها بصورة تعسفية ضد الإعلاميين.

لذلك فإن المحاولة بالمس بحق الإعلاميين والمواطنين بحظر التعليق على أقوال أو نشاطات النواب العلنية فإن ذلك سيندرج تحت بند الإرهاب الفكري وسيشكل مادة جديدة تزيد من عمليات الرقابة الذاتية التي تحد من الحريات بدلا من الدفاع عنها وهو ما يتوقعه المواطن من ممثله في البرلمان.

لقد ناضل الإعلاميون لسنوات طويلة للحد من تعسف السلطة التنفيذية من خلال موقف مبدئي لجلالة الملك بمنع حبس الصحفيين حول أمور متعلقة بحرية الرأي و التعبير، فهل سيكون هناك حاجة للصحفيين للخوض بنضال جديد ضد تعسف السلطة التشريعية؟

يستغرب العديد من مراقبي الحراك السياسي في الأردن وجود خلاف حاد بين السلطة التشريعية والإعلام علما أن التعاون بين ممثلي الشعب المنتخبين وممثلي الشعب من الإعلاميين هي علاقة مصالح مشتركة وليس علاقة خلافية، ففي غالب الدول يعتبر الإعلام صديقا للمشرعين والنواب ومناصرهم ضد بطش السلطة التشريعية، ولكن غياب الخبرة والتقاليد البرلمانية وعدم وجود نظرة طويلة الأمد للدور التكاملي بين الإعلاميين والنواب خلق هذا الوضع النشاز وغير الطبيعي.

فبدلا من إمضاء النواب جل وقتهم وجهدهم بمحاولة الدفاع عن النفس من نقد الإعلام عليهم التفكير جليا بمواقفهم والنظر إذا ما كان عليهم التعاون مع الإعلاميين رغم ذلك النقد البناء بدلا من محاولة قمع وإسكات صوتهم المدافع كما هو موقف النواب عن الحق العام.

*مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي التي تدير راديو البلد وموقع عمان نت الإخباري

أضف تعليقك