صور صادمة للإصابات في غزة تطارد طبيبا أردنيا في كل لحظة من حياته

الرابط المختصر

-لم يكن هناك وقت للراحة أو النوم.. فالمستشفى يستقبل كما هائلا من الجرحى والحالات الإنسانية الطارئة

-اضطررنا في بعض الحالات استخدام الأكياس البلاستيكية لتغطية الجراح العميقة

-من أصعب الأمور " المفاضلة بين الجرحى"، ما بين من يحصل على العلاج ومن يترك بدونه

-حالات تظل متروكة في قسم الطوارئ دون هوية معروفة

-فتاة تعرضت لإصابة بالرصاص في الرقبة، مما أدى إلى شلل رباعي، تنتظر الشفاء لتحضير كعكة عيد ميلادها

-الوضع في القطاع، لا يمكن وصفه بالكلمات العادية..

- شعب غزة جبار لا يحتاجون إلا دعمنا وتضامننا في هذه الأوقات الصعبة

 

"أسوء شيء لدى الطبيب بأنه قادر يعمل شيء للمصابين بس مش قادر يعالجه بسبب نقص الأدوية الطبية"، هذا من أبسط الأمور التي يقولها أحد الأطباء الأردنيين الذي كان متواجدا في إحدى المستشفيات في قطاع غزة، لمعالجة الإصابات الناتجة عن أشد الحروب قسوة في العالم، افتعلها الاحتلال الإسرائيلي على مدار ما يزيد عن 5 أشهر الماضية.
 

"تركنا كل شبر من غزة جريح وراءنا" يقول استشاري جراحة عامة الدكتور عبدالرحمن شاهر، بعدما قضى أسبوعين في المستشفى الأوروبي، معبرا عن الأثر العميق، الناتج عن مشاهد الألم والمعاناة التي شهدها هناك، حيث أصبحت الصور الصادمة للإصابات تطارده في كل لحظة من حياته، سواء أثناء تناوله للطعام، أو عند احتضانه طفله، أو حتى أثناء نومه، مما جعله يتغير كثيرا، على حد وصفه.


 

رحلة الوصول إلى غزة

غادر الدكتور عبدالرحمن ضمن بعثة طبية تطوعية إلى القطاع، كانت تضم عددا من الأطباء الأردنيين والأجانب من مختلف التخصصات الطبية، بالإضافة إلى ممرضين وفني تخدير، حاملين معهم المعدات الطبية الأساسية لتقديم العلاجات المناسبة  في ظل الظروف الصعبة التي تعاني منها المستشفيات في القطاع.

وصل الدكتور عبدالرحمن إلى القطاع بعد محاولات عدة  كانت فاشلة كانت في بداية الحرب في شهر تشرين الأول الماضي، وذلك عن طريق منظمة أجنبية، استطاع الفريق الطبي في الوصول إلى مصر لمدة يوم واحد، ثم انتقلوا إلى معبر رفح في 23 من شهر كانون الثاني الماضي، وظلوا هناك حتى 5 من شهر شباط الحالي.

تبلغ المسافة بين القاهرة ورفح حوالي  400 كيلومتر، واستغرقت رحلة الطبيب عبدالرحمن ما يقارب 13 ساعة،  لحظة دخوله إلى معبر رفح، كان من المفترض أن يتجه إلى مستشفى ناصر، ولكن بسبب تعرضه لخطر كبير جراء محاصرة الاحتلال للمنطقة، وخروجه عن الخدمة، اضطر  الذهاب إلى المستشفى الأوروبي  الذي يقع شرق خان يونس، وهو أحد  أكبر المستشفيات في رفح.

 

قصص ممزوجة بالمتناقضات

المشاعر ممزوجة ما بين الخوف والفرح مليئة بالتناقضات لحظة دخولنا إلى القطاع، يصفها الدكتور عبدالرحمن " حيث كان الترحيب كبيرا بنا نظرا لكوننا الفريق الوحيد من الأردن، بينما كانت هناك وجوه أجنبية أخرى في المكان.

في البداية، اعتقدوا أننا من الخارج وتحدثوا معنا بالإنجليزية، ولكننا بابتسامتنا وكلماتنا أخبرناهم بأننا من الأردن، مما أدى إلى شعورهم بالفرح العارم بسبب الروابط القوية بين الشعبين.

لم يكن هناك وقت للراحة أو النوم، يوضح الدكتور عبدالرحمن، حيث كان المستشفى الأوروبي يعمل على مدار الساعة بشكل متواصل نظرا للكم الهائل من الجرحى والحالات الإنسانية الطارئة الناجمة عن العدوان الإسرائيلي على القطاع. 

المستشفى كان يستقبل جميع أنواع الإصابات، سواء كانت للأطفال أو الكبار، وكان الفريق الطبي يتعامل معها بكل احترافية، بما في ذلك إزالة الشظايا من العين، والإصابات في الرأس، والبتر في الأطراف، والكسور في مختلف أنحاء الجسم، والجروح الباطنية التي اضطررنا في بعض الحالات استخدام الرقع بالأكياس البلاستيكية، لعدم وجود الأدوات الطبية اللازمة.

من بين التحديات التي يواجهها الأطباء، هي حالات العودة المفاجئة للمرضى بعد خروجهم من المستشفى، حيث يعانون من أعراض التهابات شديدة، يصعب على الأطباء تفسير أسباب هذه الحالات الطبية المعقدة، خاصة بعد إجراء لهم عمليات جراحية ومعالجة إصاباتهم.

العديد من القصص والحالات لا تزال عالقة في ذهن الدكتور عبدالرحمن، ومن بين أصعبها "مسألة المفاضلة بين الجرحى"، حيث يتوجب عليهم اتخاذ قرارات صعبة بشأن من يحصل على العلاج ومن يترك بدونه، بسبب نقص الموارد الطبية، مما يعتبر حكما بالموت بطريقة أخرى،  هذه الظروف تعد من بين أصعب التحديات التي يواجهها الأطباء، حيث لا توجد حلول أو خيارات تتيح إنقاذ جميع المرضى.


 

مرضى توفوا لأسباب بسيطة

مرضى فقدوا حياتهم بسبب مشاكل يمكن حلها بسهولة، فمثلا، توفي مريض بسبب نقص جرعة الإنسولين، وتوفي طفل رضيع بسبب البرد، وكان بإمكان إنقاذه لو كانت هناك بطانية دافئة، أما مرضى الغسيل الكلوي والسرطان، فتوفوا بسبب عدم توفر العلاج المناسب لهم.

تحدث الدكتور عبدالرحمن عن العمليات الكبرى التي يتم إجراؤها بسبب مشاكل بسيطة، مثل إجراء عملية لمبتوري الأقدام باستخدام كميات صغيرة من المخدر، نتيجة لنقص الإمدادات الطبية في المستشفى.

ومن بين القصص التي يشير الطبيب إليها، قصة فتاة تعرضت لإصابة بالرصاص في الرقبة، مما أدى إلى شلل رباعي، ولكنها تعبر بلغة بريئة عن رغبتها في الشفاء لتحضير كعكة في عيد ميلادها لكل طبيب قام بمعالجتها .

في ظل هذه الظروف الصعبة، تظهر مشاهد النازحين الذين يتواجدون في محيط المستشفى وداخله، حيث يواجهون خطر القصف والحروب، ويجدون الدعم والرعاية الطبية في ظل الظروف القاسية التي يعيشونها.

في آخر يوم لي في المستشفى، هز صاروخ جدارها من الجهة الخارجية، وقد أحسست بالخوف والرعب يتسللان إلى قلبي يقول الدكتور عبدالرحمن،  ومع ذلك، لاحظت أن الأطباء الغزيين بدوا أكثر ثباتا، مستمرين في حديثهم ونقاشاتهم كما لو أن الأمر عاديا.

ويستذكر ما كان يتحدث به الأطباء الأجانب الذين شاركوا في العلاج، بأنهم لم يروا في العالم حروبا تشابه هذه الحرب في غزة، ولم يشهدوا إصابات بنفس الوحشية التي ترافق هذه الصراعات.


 

 الأوضاع يصعب وصفها

"الوضع في القطاع، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، لا يمكن وصفه بالكلمات العادية"، بهذه العبارة يصف الدكتور عبدالرحمن ما شهدناه وعشناه في الأيام الأخيرة. فالمأساة التي تجتاح القطاع لا يستطيع الإعلام نقلها بكفاءة، لأن الكوارث الإنسانية التي نتجت عنها جعلت كل إصابة تصل إلى المستشفى حالة خطيرة، سواء كانت في البطن أو الأطراف أو الرأس، وكل شخص في القطاع يحمل معه قصة مأساوية؛ إما إصابة أو تدمير للمنزل أو فقدان أحد أفراد عائلته.

ومن الواضح أن الوضع في المستشفيات يتدهور بشكل خطير بسبب نقص المعدات الطبية والعلاجات الأساسية للجرحى والمصابين، مما يجعل الأطباء يعملون تحت ضغط هائل، حيث يتطوعون بدون استلام أي أجر نظير خدماتهم خلال هذه الأوقات الصعبة، ولكن حتى العمليات الطبية تواجه صعوبات بسبب نقص المخدر والمساعدين الفنيين والممرضين، الذين فقدوا أيضا جراء النزوح أو الاستشهاد.

وتزداد الضغوط النفسية على الأطباء بسبب مشاهدتهم الحالات البشعة التي تصل إليهم، مثل الحالات التي تظل متروكة في قسم الطوارئ دون هوية معروفة، وكل هذه الظروف الصعبة و المأساوية تجعل الوضع يبدو يائسا ومرهقا للجميع.

ولكن على الرغم من كل هذه التحديات، فإن الدكتور عبدالرحمن يعبر عن استعداده للعودة مرة أخرى إلى القطاع، لأنه يؤمن بأنه يستطيع تقديم الدعم الذي يحتاجه الشعب الفلسطيني في هذه اللحظات الصعبة.

 على الرغم من أن الناس في غزة يشعرون بالعزلة، إلا أنهم يستمرون في متابعة كل الأحداث ويعرفون ما يحدث في العالم، ولكنهم يتمنون المزيد من الدعم والتضامن من جانب المجتمع العربي والدولي.

في النهاية، يجب علينا جميعًا أن ندرك أن شعب غزة شعب جبار يتحمل الصعاب بكل شجاعة وصمود، وهم يحتاجون إلى دعمنا وتضامننا في هذه الأوقات الصعبة.