سيناريوهات ما بعد تخلي الأمير حمزة

كان الاعتقاد السائد في الشارع الأردني أن رسالة اعتذار الأمير حمزة للعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني قبل شهر، ونشرها الديوان الملكي مؤشر على طيّ صفحة الخلاف والأزمة داخل العائلة الهاشمية، وستُسهم في إغلاق ملف ما سُميّ "قضية الفتنة"، وستُعجل في مسار المصالحة بين الملك وأخيه الأمير.

 

هذه التكهنات والرهانات سقطت بعد نشر الأمير حمزة على صفحته على "تويتر" رسالة للرأي العام قبل أيام يُعلن فيها تخليه عن لقب الأمير، ويواصل في ذكرى مرور عام على قضية الفتنة توجيه انتقادات غير مسبوقة لإدارة الحكم في البلاد.

 

في الرسالة التي أعادت نشرها الملكة نور، والدة الأمير حمزة، اعتراض ورفض عبّر عنه بالقول: "فإني وبعد الذي لمست وشاهدت خلال الأعوام الأخيرة، قد توصلت إلى خلاصة بأن قناعاتي الشخصية التي غرسها والدي فيّ، والتي حاولت جاهدا في حياتي التمسك بها لا تتماشى مع النهج، والتوجهات، والأساليب الحديثة لمؤسساتنا".

 

يتابع الأمير قوله: "فمن باب الأمانة لله، والضمير، لا أرى سوى الترفع والتخلي عن لقب الأمير"، وبهذه الرسالة يسعى حمزة إلى مغازلة الشارع، واستحضار صورة الراحل الملك الحسين، والقفز صراحة من مركب العائلة الهاشمية، وترسيخ صورته الزاهدة في المواقع، والمنافع، وترسيخ الاعتقاد أن شرط الضمير، والأمانة يتقدم عنده على ما سواه.

 

يحاول الأمير حمزة أن يُظهر في كلماته "وأفوض أمري إلى الله" أن ما يُقدم عليه سيُرتب استحقاقات عليه، وهو أمر لا تُعرف حدوده، وإن كان سيحدث أساسا، مع ضرورة استذكار أن الأمير لم يُلاحق في قضية الفتنة، حين قرر الملك معالجتها داخل العائلة، وكانت سببا في تعرض رئيس الديوان الملكي الأسبق، باسم عوض الله، والشريف حسن بن زيد للحبس 15 عاما.

 

حتى الآن ينتظر الأردنيون بقلق موقف الديوان الملكي، والحكومة من رسالة الأمير التي لم تجد طريقها للنشر في غالبية وسائل الإعلام المحلية، في حين شغلت منصات التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام الإقليمية والدولية.

 

قبل رسالة الأمير كانت التوقعات ترسم سيناريوهات لحلول ممكنة لمحو قضية الفتنة من الذاكرة، واستعادة صورة العائلة الهاشمية موحدة، كما فعلت الدولة حين نشرت صورة الملك، والأمير حمزة، والأمراء الأخوة، بمناسبة مئوية الدولة في شهر نيسان من العام الماضي مع بعضهم.

 

أول السيناريوهات التي انتهت إلى غير رجعة كانت باحتواء الأمير حمزة بتكليفه بمهمة "استشارية" محددة تُنهي، وتضع حدا لشكوى "المظلومية" بالإقصاء، والتهميش.

 

السيناريو الأكثر رواجا، وما زال قابلا للتطبيق قبل الرسالة وبعدها أن يُسمح للأمير، والذي يشكو الحصار و "الإقامة الجبرية"، بالسفر خارج الأردن، وربما الالتحاق بوالدته الملكة، وهذا حتى يتحقق يحتاج إلى ضمانات من الأمير أن يلتزم الصمت، وأن لا يدخل في مناكفات مع النظام السياسي، وأن لا يحاول إحراجه بأي شكل من الأشكال.

 

الأكثر اهتماما على المستوى السياسي الخارجي كان الاعتقاد أن "رسالة الاعتذار" ستُسرع في إجراءات العفو عن رئيس الديوان الملكي الأسبق باسم عوض الله، والشريف حسن بن زيد، وزاد من هذا التوقع مباشرة البرلمان البحث في إعداد مشروع قانون للعفو العام.

 

قصة عوض الله أخذت أبعادا تتجاوز الحدود الأردنية، وسمحت بتوجيه الاتهام لدول في الإقليم بالتورط بتهديد استقرار الأردن، ورُبط السياق باستحقاقات "صفقة القرن" التي كان يقودها ويُشرف عليها جاريد كوشنير في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.

 

ضاعف الهواجس، وخلط الأوراق أن عوض الله كان مستشارا لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ومُقربا بذات الوقت من القيادة الإماراتية، وراجت معلومات أن السعودية ضغطت على الأردن لإغلاق القضية، وتأمين الإفراج عن عوض الله، وهو ما لم يحدث، وقيل إن ذلك تسبب في جفاء، وتوتر في العلاقات الأردنية السعودية.

 

بعد رسالة الأمير حمزة بالتخلي عن لقبه، واللغة التصعيدية في المكاسرة مع النظام، لا يُعرف إن كانت "صفقة" العفو عن عوض الله، والشريف حسن بن زيد قائمة، وستحدث، أم أنها ليست سوى شائعات، ووهم، وسراب.

 

الأهم، ماذا بعد قرار الأمير بالتخلي عن لقبه طوعا، ما هي التداعيات السياسية؟ والأثر القانوني؟ هذا ما يحاول استشرافه السياسيون والناشطون في عمّان، وأول نقطة تستوقفهم نص دستوري صريح يؤكد أن الملك هو من يمنح الألقاب، ويستردها.

 

والنقطة الثانية الأكثر تفصيلا محددة بقانون الأسرة المالكة منذ عام 1937، حيث تنص إحدى مواده "على أنه لا يحق لأي من أعضاء الأسرة التخلي عن لقبه دون تنسيب من مجلس الأسرة الذي يؤلف من عضو من الأسرة يختاره الملك، ورئيس الوزراء، ووزير يختاره من حكومته، وقاضي القضاة، ورئيس المجلس القضائي، وأن للملك الحق المطلق بالموافقة على القرار أو رفضه".

 

بالاستناد إلى هذه النصوص الدستورية، والقانونية يبدو قرار الأمير بالتخلي عن لقبه مُنعدما، ولا أثر قانوني له، ولا يمكن تحليله إلا في ظل قراءة سياسية، لإعادة قضيته إلى واجهة المشهد، وقد ينصرف الذهن إلى أن الأمير يُريد أن يُقدم نفسه كمواطن أردني فقط، والسؤال: هل يمكن أن يتحمل كلفة هذا القرار سياسيا وقانونيا؟ وهل يمكن لـ "العرش" والدولة القبول بمخاطرة التعامل مع ابن الملك حسين، وولي عهد سابق خارج البروتوكول، والعائلة، خاصة أنه لا سوابق وقعت بتخلي أي من أعضاء العائلة الهاشمية عن لقبه منذ تأسيس الدولة قبل 100 عام.

 

السيناريو الأكثر قسوة أن يُقرر العاهل الأردني أن الأمير حمزة ارتكب مخالفات جسيمة، فيُقرر تجريده من لقبه سندا للمادة (13) التي تنص "إذا ارتكب أحد أعضاء الأسرة المالكة ذكراً كان أم أنثى، أموراً خطيرة تخل بكرامة رتبته الملوكية فيحق للملك، أن يصدر بعد أخذ رأي المجلس أمراً بإخراج ذلك العضو من الأسرة المالكة لعدم جدارته بالانتساب إليها".

 

تخلي الأمير عن لقبه جدد الأزمة وأشعلها، وقبل أن يرد الديوان الملكي فإن مسارات التعامل مع القضية لن تتضح، والأغلب أن القصر لن يقف مكتوف الأيدي أمام كرة الثلج التي تتدحرج، وتكبُر في ظل ظروف سياسية، واقتصادية حرجة يمر بها الأردن.

 

يحظى الأمير حمزة بشعبية لا يُنكرها النظام، ومنصات التواصل الاجتماعي كاشفة لذلك، وخطوته بالتخلي عن لقبه يُضيفها لرصيده الشعبي ليس أكثر، فهو يعرف ويُدرك أنه أصبح خارج اللعبة السياسية، ودستوريا لقبه "الأمير" رمزي لا يعطيه أو يخوله بأي صلاحيات، ودستوريا الصلاحيات للملك وحده.

 

ما فعله الأمير حمزة، فعله أمراء في ملكيات دستورية، كما في بريطانيا، واليابان، والاختلاف المهم أن العائلة المالكة هناك لا تحكم مثلما هو الحال في الأردن.

*موقع الحرة

 

أضف تعليقك