زيارة البابا... أمل في عراق جديد

جاء الزعيم الكاثوليكي للتضامن مع المسيحيين، الذي سجّلوا دوراً تاريخياً فاعلاً في العراق، أما الآن فتتراجع أعدادهم بصورة ملحوظة. وكان قائد مسلم معروف قال قبل عقود: "إن الأمة العربية حديقة جميلة والمسيحيون العرب أجمل ورودها". لكن اليوم تشهد هذه الورود حالة ذبول. فمن مليون ونصف مسيحي عراقي قبل الغزو الأمريكي، أصبح عدد المسيحيين اليوم أقل من 300 ألف. إن زيارة البابا لن تعيد من هاجروا العراق منهم، لكنها قد تنجح في دعم من تبقوا في العراق من أجل أن يعاودوا بناء مجتمعهم المحطم. وفي خطوة رمزية، قام الزعيم الروحي للكاثوليك بالصلاة في كنيسة كانت هدفاً لكراهية داعش، حيث تم قتل 57 مُصلٍّ بريئاً فيها.

 

وعلى الرغم من أن الزيارة استهدفت في أساسها مسيحيي العراق، إلا أنها نجحت في منح الأمل لجميع العراقيين. فمنذ وصوله مطار بغداد، نبذ الحبر الأعظم العنف والتطرف ودعا إلى السلام. ثمّ التقى بقيادات الشيعة في مدينة النجف، وزار تجمّعات في شمال العراق. تجدر الإشارة إلى أن دعوات السلام والتآخي شملت اليزيديين الذين تمت محاولة محوهم عن المعمورة في تلك الأيام المظلمة، ضمن خطابات حافلة بالكراهية تحت عنوان "إعادة الخلافة". هكذا، ولمدة أربعة أيام، شهد العراق الجديد إصراراً على أن يكون جزءاً من المجتمع الدولي. ذلك أن الظلمة السابقة التي عاشها العراق تم السيطرة عليها، ولو مؤقتاً، وخرج البلد بصورة تعكس عمقه التاريخي والحضاري.

 

يستحق زائر العراق الاهتمام الذي حصل عليه. فبابا الفاتيكان غامر لصالح العراق، وقد تمت ملاقاة شجاعته بترحاب منقطع النظير. تنقّل الحبر الأعظم فرانسيس في العراق رغم الصعوبة التي يواجهها في المشي، إلا أنه تجاوز الآلام الجسدية عبر قوة إصراره. كما لاحظ البعض أن هذه الزيارة لم تكن مثل زيارة بعض المسؤولين القادمين من الغرب للعراق. فقد كان هؤلاء يأتون دون إعلان ويقضون اقل وقت ممكن قبل المغادرة، ثم يعلنون أنهم زاروا العراق. أما البابا، فأعلن قبل مدة عن نيته للزيارة وتابع البرنامج المعد مسبقاً لمدة أربعة أيام دون أي تغيير. وفي النتيجة، استطاع العالم، من خلال البابا، رؤية العراق الجديد متعدد العقائد والمجموعات الإثنية.

 

لا شك بأن العراق يعتبر من أكثر الدول العربية ثراءً، فثرواته ليست محصورة في المياه والنفط فحسب، بل في شعبها المثقف والمتنوع وموقعها الاستراتيجي والتاريخي في الشرق الاوسط. وقد انعكست هذه القيمة التاريخية في زيارة البابا، فقد زار منطقة أور؛ مسقط رأس أبينا إبراهيم، النبي في ثلاث ديانات سماوية. إن زيارة أور التاريخية كانت زيارة صادقة في مجال التآخي بين الأديان، في حين أن "المعاهدة الإبراهيمية" كانت عبارة عن طعن في الخلف وجائزة ترضية لمغتصب مستمر في الاحتلال والاستيطان الاستعماري للشعب الفلسطيني. وفيما تعهد البابا بتحويل السيوف إلى المناجل، كان المشروع الأسبق يهدف إلى تطبيع غير شعبي مقابل طائرات حربية وصور مع محتل متهم بالفساد والعلاقة مع رئيس غوغائي.

 

لقد عرضت دولة العراق أفضل ما لديها على مدار أربعة أيام. كل شيء بدا على أنه يعمل بإتقان. فتم توفير الأمن لزيارة البابا والتعامل معها بمهنية عالية. التحدي الآن كامن في كيفية البناء على هذه الزيارة الناجحة من خلال حكم رشيد خال من الفساد، وفي كيفية العناية ببذرة السلام والمحبة ونبذ العنف الذي قد تنتج عنه ثمار الازدهار والتعايش والحياة المشتركة.

 

على الإقليم والعالم قبول فكرة عودة العراق. لا يزال العراق الجديد ضعيف ومعرض للخطر. وعليه، يتوجب استثمار الإصرار والوحدة التي حضرت في استقبال الضيف الخاص من روما في زيارات أخرى من زعماء يوفرون نفس دعوات السلام والمصالحة. على العراق أن يكون جزءًا من المجتمع الدولي ومن الواضح أن الباب مفتوح أمامه.

 

لن ينسى أحد ما حدث للعراق. بعضه غير عادل والبعض الآخر حدث نتيجة لعدم قبول الآخر من العراقيين أنفسهم. صفحة جديدة فُتحت. والعراقيون يريدون أن يعرف العالم أن بلادهم آمنة ومنفتحة على التجارة والتبادل الحضاري. هنيئاً للعراق الأمن والنجاح. وتحية للبابا فرنسيس لأنه منح للعراقيين الأمل وساعدنا في العودة إلى دولة كنا قد بدأنا ننساها.

 

 

 

عن موقع رصيف 22

 

أضف تعليقك