رجل المعجزات Messiah

الرابط المختصر

مسلسل امريكي صورت بعض حلقاته عام 2019 في الأردن بتسهيلات من الهيئة الملكية للأفلام. الهيئة لم تكتشف الأخطاء في التصوير والسيناريو والأفكار إلا بعد عرضها، وكأنها تفتقد لمن يراجع أو يتابع خطى ومراحل التصوير. ما شكل ازمة واحراج للدولة و للهيئة معاً.

 

كيف لم تتنبه الهيئة إلى السيناريو الذي يصور الاردن مكاناً لتفريخ الإرهابيين ؟ وكيف يتم تجسيد ذلك في مساجد المملكة ( مسجد أبو نصير ) كيف يتم خلط الاوراق بحيث يحتار المشاهد بين سيارات أردنية تتواجد في شوارع تل أبيب، وأخرى إسرائيلية في شوارع عمان، بين الأردن الذي يمنع استقبال اللاجئين والذي يستقبلهم، وهل فعلياً تنتج سجونناً ارهاباً، وقادة، أم تراه سيناريو تخيلي خُلق من العدم، أم لأن مشكلة الهيئة تكمن في الجهل لا المعرفة الواجب توفرها في مثل هذه المواقف !

 

 يتكون المسلسل من عشر حلقات، مستمدة من تعاليم الأديان وهى :  

 

من له اذان للسمع، انتفاضة، هذا من عمل الرب، المحاكمة، لأنهم مبصرون لا يبصرون، لا نرقد كلنا، يقول فيكون، قوة قاهرة، الله اكبر، أجرة الخطيئة.

 

 المسلسل من تأليف مايكل بيتروني، وتمثيل ميشيل موناغان ( عميلة FPI ) جون اوريترز “ عميل “ شين بيت “ مهدي ذهبي ( المسيح )

 

“سأكتشف الخطوط بين الدين والإيمان والسياسة يقول مايكل بتروني كاتب المسلسل في عام 2017 "

 

أما مخرج الفيلم فهو جيمس ماكتيغي، بالشراكة مع كيت وودز.

 

بطل المسلسل إيراني مختلط الأصول، اب مسيحي وأم يهودية عاشوا في العراق، ماتت الأم في تفجير شهده أحد شوارع بغداد، تربى في ايران، سجن في الأردن، وخرج منه ليعلن نفسه “ المسيا “ حسب اليهودية، والمهدي الإمام حسب الاسلام ، المسيح المنتظر وفق المسيحية. فهو الإمام، والكلمة، والمسيا، يتحدث العربية والعبرية والانجليزية.

 

جاء ليعلن نهاية التاريخ، والإيمان بالإنسان الذي يمتلك كل الإجابات، فَالأديان انتهت بنهاية التاريخ، الفكرة تطبيق لأطروحة المفكر الأمريكي الياباني فرانسيس فوكوياما، و عودة “ المسايا “ الرسالة التي يجب على الإنسان الإيمان بها، نهاية التاريخ يمثل قوة وحيدة ممثلة بالولايات المتحدة الأمريكية. لمواجهة انظمة تؤمن بنظريات صراع الحضارات التي يمثلها المفكر الأمريكي صامويل هنتنجتون. 

 

تنطلق الدعوة الجديدة من سوريا حيث الدمار، كمكان جيد لنشرها، فمن الأنقاض يخرج الأمل، بين حصار داعش، والجوع الكافر، وظلم النظام، يُبعث رجل يحمل الدعوة، يتبعه الناس الى حدود فلسطين المحتلة، تقف إسرائيل بوجههم، تشتعل أزمة عالمية، يلقى القبض على “ الإمام “ ويودع سجن تابع لجهاز “ شين بيت “ صور كرجل حاد الذكاء، له تأثير غريب، يدعمه الفلسطينيين البسطاء، يرونه مرسل لخلاصهم من إسرائيل، من وجهة نظر تتقبل وجودها لكن بشرط الاعتراف بدولة فلسطين، وكأنما كاتب المسلسل يدعم مشاريع حل الدولتين ويعيدها للأذهان كوسيلة لحل المشكلة الفلسطينية. 

 

يهرب “ المسيا اليهودي ” فيصير الإمام “ المهدي “ على ادراج الأقصى، تنتشر الفوضى، ويسقط طفلاً برصاص جندي اسرائيلي، يتقدم الامام امام العامة، ويخرج الرصاصة من جسده ويعيده للحياة، تحولت الأفكار لتصير حقيقة ومعجزة وقضية عادلة يدافع عنها الناس. في أمريكا يتحول ليكون “ المسيح المنتظر “ هو ثلاثي الأبعاد، متعدد الوجوه، يعتمد معجزات الأنبياء السابقين، يوحى إليه كما القرآن، يكلم الله ويمشي على الماء في واشنطن كما موسى، يتعمد كما يحيى لكن في واشنطن، ويسخر الأعاصير والرياح بأمره كما سليمان، يحى الموتى، يشفي المرضى كما عيسى، هو كل الأنبياء لكنه لا أحد منهم، فكرة تجسدت في الدعوة لإسقاط الأديان، لتوحيدها على يد رئيس أمريكي يجب أن يقود نظام عالمي جديد، فَأميركا أضحت أرضاً وبقرة مقدسة، تخاف أن تتورط بها، فهي تخاف الدعوات الدينية في حال انتشارها في أراضيها.

 

دولة جديدة، تحكمها الأيديولوجيا الدينية لا السياسية، تعاليم الإنسانية منزلة من سماء ما بعد النبوة، دولة لادينية، تنكر الدساتير التي وجدت لحماية الأغنياء، واستعباد الفقراء.

 

جبريل كان تابعاً للإمام، كما مولانا ابن الرومي و الزاهد شمس التبريزي، أنكر كل من عارضه، واتبعه حتى بعد الرحيل، يتخيله ويوحى له. هو حقيقة في مخيلته، لكن صديقة الذي تحول ليصير ارهابياً يراه ساحر يتقن فنونه و قادر على إقناع الجموع، تماماً كما البطل في رواية الأمير الصغير للفرنسي أنطوان دو سانت إكزوبيري.

 

المسلسل يخلق السيناريو وفق هذا المنطق، منطقة تعاني القهر والفقر والجهل، حشود تتبع دون تفكير، تشدها كاريزما “ رجل المعجزات “ و خطابه العاطفي الديني، باعتباره المخلص لمعاناة البشر، تمهيداً لخلق أجواء جديدة لانتاج عالم جديد تقوده أميركا و رئيسها الذي يسعى للتفاهم مع الرجل خصوصاً بعد ارتباك أجهزة المخابرات الدولية والدول طولياً وعرضياً، فالعميل الإسرائيلي أصيب بالدهشة من قوة تأثير الرجل، والعميلة الأمريكية انشرخ ولائها بين جهازها ورغبتها في ايجاد علاج لمرضها، بين مواطن يشك في إخلاصه لدينه، و زوجة تهرب من الواقع، والفتاة تبحث عن ذاتها في الانتحار، و أم تسعى لعلاج لابنتها، بين من يراه ايقونة إعلامية صنعته السوشل ميديا وكاذب ساحر يتقن عمله، بين المحاصر الجائع في سوريا، والمقاوم في فلسطين، بين المتدين في أميركا، و ملحد الفاقد للذاكرة، تتشكل هالة رجل يجمع التناقضات ويتلاعب بها، فهو اليهودي المسيحي، المسلم الصوفي السني الشيعي، البوذي المؤمن بالتناسخ والحلول، هو رجل مادي يستغل طفلة في علاقة غير شرعية، و مؤثر يحمل كاريزما وسطوة على محيطه بأقل الكلمات والوسائل، قادم جديد يصنع انساناً ينتهي ويبدأ التاريخ منه و معه.

 

تنتشر الدعوة، وتنتقل من سوريا الي فلسطين، فالمكسيك وصولاً الى الولايات المتحدة، يتبعه الفقراء، وتشك فيه السلطات وتحاربه ! 

 

السلاح الأبرز الذي أستخدم في الدعوة مثلته وسائل التواصل الاجتماعي، صارت واشنطن كعبة امريكية يطوف فيها وحولها الجميع، جموع آمنت أن التحرر من الظلم والفقر لا يكون إلا بعد معرفة الله، وهذه المعرفة لا تتجلى إلا بالفوضى، وإعادة الترتيب من جديد، نظام يقبل الجميع دون تمييز بين أصيل ودخيل، بين مقيم ولاجئ، نظام يرفض شروط وقوانين الرئيس الامريكي الخاصة بالهجرة، وكأنما المسلسل يوصل رسالة إلى ترامب الذي ضيق الشروط على استقبال اللاجئين بل ومنعهم من دخول اميركا. 

 

أجمل ما في سيناريو المسلسل مثلته “ الفوبيا “ الأمريكية من روسيا بعدما اعتبرت اجهزتها الاستخبارية “ المسيح المنتظر “ مشروعاً روسياً لضرب الفردية الأمريكية، “ المسيح “ مثله إدوارد سنودن عميل المخابرات المركزية الذي هرب الى روسيا عام 2013 بعد تسريبه وثائق مخابراتية مثلت فوضى دولية في حينها لابد من استعادتها، لما كشفته من معلومات حساسة تتعلق بالولايات المتحدة وحلفائها، ما شكل مصدر رعب للولايات المتحدة وحلفائها، وساهم في تعزيز و وتأكيد قوة روسيا، كلاعب جديد، له اذرعه حتى داخل الولايات المتحدة. 

 

في الحلقة الأخيرة، وبعد لقاء الرئيس الأمريكي مع “ المسيح المخلص “ يتم الاتفاق معه على تصوير حلقات مباشرة لحساب أحد الفضائيات الدينية، لكنه قبل أن يطل على جمهور متابعيه يتم اختطافه بواسطة عملاء جهاز “ الشين بيت “ الإسرائيلي، في تضخيم دوره وقدرته على اختراق أجهزة الأمن الأمريكية، يُعاد “ المسيا “ لإسرائيل، في الطريق يتم توجيه صاروخ موجه للطائرة الدبلوماسية التي استقلها بترتيب من أحد موظفي البيت الأبيض، تسقط الطائرة، في حقل من شقائق النعمان - الدحنون - في أراضي أحد دول المغرب العربي.

 

ينجو “ المسيا “من التفجير، يقف علـى رجليه، ويعُيد الحياة لجندي إسرائيلي تتبعه عبر الدول، كما يعيدها لزميله الذي يجسد دوره الممثل المصري خالد أبو النجا، الذي أصيب بالدهشة، جعلت يجثو على ركبتيه ليقبل يد “ المسيا “. 

 

تجدر الإشارة إلى أن اختيار حقل الدحنون - شقائق النعمان - دلالة على العودة من الموت، كقدر لاصحاب المواقف الإعجازية، فالكلمة تعني القائم من الموت واستمرارية الدعوة، لتنطلق مستقبلاً من أفريقيا في جزء الثاني من المسلسل. 

 

في النهاية، يحرق راعي الكنيسة كنيسته، ويلحد من اتبعه، تموت الفتاة المصابة بالسرطان، تمرض ابنة راعي الكنيسة، وتتفسخ الأسرة، يصاب جبريل ورفيقه في التفجير، يستعيد الناس وعيهم ويكشفون “ زيف الالة “ وتظهر الأكاذيب على حقيقتها.

 

لكن، ماذا لو كان المسلسل حقيقة، وجاء نبي منزل، أو صالح يتبع، هل يعارضه الساسة، وتحاربه الأنظمة، هل يتهمونه بالسحر والكذب كما حصل مع الانبياء سابقا ؟