ديوان الأرواح الحائرة للشاعر نسيب عريضة

يُعدُّ نسيب أسعد عريضة واحدًا من الأدباء المهجريين، وهو شاعرٌ وقاصٌ سوري، ولد بحمصَ 1887م، وتوفّي 1946م في مدينةِ بروكلين إحدى مدنِ الولاياتِ المتحدة الأمريكيّة. أصدرَ مجلّةَ الفنونِ سنة 1913م، ويعدُّ أحدَ مؤسسي الرّابطةِ القلميّةِ1920م. كانَ خجولاً، ونبيلاً، متفوقًا في دراستِهِ، واسعَ الاطّلاعِ، وشغوفًا بالقراءةِ، خصوصًا الأدبَ(1).

والجدير بالذّكرِ أنّ لنسيب عريضة روايةً مترجمةً عنوانُها: أسرارُ البلاطِ الرّوسيّ، وقصّتين تاريخيتين، هما: الصّمصامة، وديك الجنّ الحمصيّ(2).

صدرَ ديوانُ الأرواح الحائرة والوحيد بعد وفاته بأربعةِ أيّامٍ عن مطبعةِ جريدةِ الأخلاقِ عامَ 1946م بـ نيويوركَ، وقد أعادتْ دارُ الغزو بعمّانَ طباعته سنةَ 1992م، ويضمُّ الدّيوانُ بين دفّتيه اثنتين وتسعين قصيدةً(3)، وإنّ المتتبعَ للقصائد يجدُ بأنّها كُتبت ما بين عامي 1912 ـ 1938م، وهذا بالضّبط ما يمكن ملاحظته في تذييل القصائد كلٍّ على حدةٍ، على أنّ الذي يجدرُ التّنويه إليه هنا، هو أنّ الدّيوانَ لا يحتوي على كلِّ شِعْرِ نسيب، وهذا تمامًا ما تفطّنَ إليه عيسى النّاعوري(4).

استحوذتْ الحيرةُ على شعرِ نسيب عريضة، "مما جعلهُ شاعرَ الحيرةِ الأكبرِ بين زملائه المَهْجريين وسائر شعراء العرب"(5)، ومثال على ذلك ما نجدهُ في قوله:

جــــزنا بـحارَ رمــــالٍ

آفــــاقها مِن سَــــرابْ

لكننا مـا اهْـتـديــــــنا

إلى طَرِيــقِ الصّـوابْ

ونحن عَطشى حَيَارى

ولا رَوى فِي الوطَــابْ

تستحضرُ المرأة في وعي الشّاعر بصورةِ الطّهرِ والعفّة ممزوجة بالحيرة والخجل، لينتهي به الحال إلى قلقٍ وعذابٍ نفسي دائم، حيثُ يقول في قصيدة المتجرّدة:

وَقَفَتْ تعذّبنِـي بِجَاذبِ جسمها

والطّهر يكفيــها مغبّــة إثمــــها

فَتستّرتْ لمّا رأتني حائـــــــــرًا

في وصفها أو رسمها أو ضمّها

إنّ المتتبع لشعر نسيب عريضة يجد الذّات الشّاعرة تجنح إلى التّأمل، والتّفكير العميق، وتسوده نغمة الحزن، واللوعة، والحنين، والكآبة، والتّشاؤم، والاغتراب، وهذا من شأنه أن يخلق عذابًا نفسيًّا وروحيًّا، حيثُ يقول:

يُعَاودنِــي الحُلمُ حينًا فحينِ

فأقضِي نَهَارِي كَثِيرَ الحَنِينِ

وَأشتاقُ ليلِي إلى أنْ يَحِيــنِ

فأخشى كأنّ في دُجاهُ كَمِينِ

يسيطر الحزنُ على الذّات الشّاعرة في قصيدة "حجّة إلى قبر"، عبر حشد الصّور التي تجسّد لحظات الفقد والغياب:

فَسَجَدتُ فوق ترابِهِ أشكو لصاحبِهِ التّجافِي

طَارحتُهُ شَوقًا فَلَمْ يأبه بِهَمْسِي أو هُتَافِـــي

وَبَكيتُهُ شِعْرًا فَمَا هَزّتْ مَسامعهُ القَوَافِـــي

اتّسمت نصوص نسيب عريضة الشّعريّة بالطّابع الرّومانسيّ، من خلال الأسلوب السّهل، ورهافة الحسّ، والرّقة في الألفاظ، ووضوح معانيها:

هَا الفجر أشرقَ يهدي إلى طريق الغروبْ

وما الغروب لعمري سوى شروقٍ جديـــدْ

من الأهميّةِ بمكانٍ، الإشارة إلى أنّ الحنين إلى الوطن وشوق الشّاعر إلى أحبابه دائم الحضور وظاهرة بادية للعيان في شعره، يقول في قصيدة المهاجر:

أنا المهاجرُ لا أنســـى الوداع وما

جرى من الدّمع في أجفانِ غزلانِ

ولوعة في حشا الأحبابِ ما بردتْ

عللتها بلقـــــاءِ رهــــــنِ أزمـــانِ

في الختامِ، يُمكن الارتياح إلى نتيجةٍ تتضمن الإقرار من خلال قراءةِ ديوانِ الأرواحِ الحائرة للشّاعرِ نسيب عريضة بغلبةِ النّزعةِ الرّومانسيّة، كسمة طاغية ومهيمنة في نصوصهِ الشّعريّةِ، فإذا كان من دليلٍ يوضّح رومانسيّة الشّاعر لا نجده إلّا في مفردات وموضوعات ومدلولات الرّومانسيّة شكلاً ومضمونًا كالحزن، والتشاؤم، والحبّ، والشّوق، والحنين. كما يلاحظ أنّ الشّاعر يستقي مواد صوره من الطّبيعة بكل ما تحمله من جمال وبهاء، إلى جانب لغة الشّاعر التي جاءت عذبة ورقيقة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) انظر، أدب المهجر: عيسى النّاعوري، 2012م، وزارة الثقافة الأردنيّة، عمّان، ص 403 ـ 407.

(2) انظر، تاريخ الشّعر العربي الحديث: أحمد قبّش، دار الجيل، بيروت، ص 289.

(3) الأرواح الحائرة: نسيب عريضة، ط2 ـ 1992م، دار الغزو للنّشر والتّوزيع، عمّان.

(4) انظر، أدب المهجر، ص 408.

(3) أدب المهجر: عيسى النّاعوري، ص 403

أضف تعليقك
أحمد البزور، مواليد الزّرقاء، سنة ١٩٩٠، حاصلٌ على درجة الدّكتوراه في الأدب والنّقد الحديث من الجامعة الأردنيّة، وعضو في الاتّحاد الدّولي للغة العربيّة، ولديه العديد من الأبحاث المنشورة في مجّلات محليّة وعربيّة محكّمة، وكتب عددًا من المقالات والمراجعات عن الأدب والنّقد في الصّحف والمواقع الإلكترونيّة المتخصصة.