خطورة التمسك بنظرية النجاعة العسكرية

نجح الوزراء المعنيون بمتابعة أزمة الكورونا والناطقون باسم الحكومة تقديم نموذج مهني جيد في كيفية التعامل الميداني والتواصل مع الشعب. وقد شكل نجاح المسؤولين الذين طبقوا الأسلوب العسكري في التعامل مع الأزمة شعبية كبيرة خاصة لوزيري الصحة سعد جابر وشؤون الإعلام أمجد العضايلة.

 

ويتساءل الناس: لماذا لا نحظى خلال الأيام العادية بمسؤولين في مثل هذا المستوى من القدرة على إدارة الشؤون اليومية ونقل المعلومات؟ وقد يجيب البعض أن الأزمة خلقت حالة خاصة ساعدت أصحاب القرار بتجاوز الأطر التقليدية المدنية وذلك من خلال صدور أوامر الدفاع مما حول الوضع من إدارة مدنية إلى إدارة شبه عسكرية، رغم أن أوامر الدفاع لم تعطل الدستور أو الحياة الديمقراطية المدنية.

 

أوامر الدفاع زادت من صلاحيات القائد العام للقوات المسلحة، ووفرت له آلية لتطبيق قرارات صعبة لم يكن من الممكن تطبيقها في الأوضاع العادية. في حين تكون مرجعية السلطات المدنية في الأوقات العادية لمجلس الأمة والذي كان مهمشا في الوضع الحالي، ويعتقد العديد أنه غير فعال أصلا، حتى في الأوضاع الطبيعية.

الشعب وافق على الالتزام بأوامر الدفاع إلى حدّ كبير كما ووافق على التراجع النسبي لحقوق الإنسان لقناعته بأن حق الحياة والصحة يعدّ أسمى من الحقوق الأخرى.

ويبقى السؤال: هل سيقبل الناس العودة للنظام السابق والذي تغيب فيه أطر المحاسبة الجادة، ويعمل الوزراء والمسؤولون دون وجود حسيب أو رقيب في المتابعة وضمان مستوى من إدارة الحكم المهنية والتي تلامس حاجات الناس، وليس الاهتمام فقط بما تريده طبقة معينة من المستفيدين والمتسلقين؟

 

إن ازمة كورونا أثبتت أن من الممكن إدارة شؤون الدولة بمهنية ونجاعة عالية ولكن المحك الحقيقي هو أن تستمر تلك المهنية بعد عودة الجيش إلى ثكناته.

 

 فقد كان واضحا أن العمل المقيت عن "المحاصصة"  عند تشكيل الحكومات قد انتهى في فترة الكورونا، حيث قام صاحب القرار باختيار المسؤولين ذوي الكفاءة لإدارة الأمور وتم تحييد من لم تكن لديهم قدرة، دون الاهتمام بالأصول أو المحاصصة الجغرافية.

لقد رفعت الأزمة الحالية من وعي الشعب، ومن المتوقع أن يكون مصرا الآن على وجود أطر جادة وفعالة للمحاسبة والرقابة، ولعل الانتخابات التشريعية القادمة بغض النظر متى ستجرى، ستكون المحك الحقيقي لكي يترجم الشعب مطالبه سلطة رقابية فعالة من خلال صندوق الانتخاب. فهل سيختار الشعب ممثلين قادرين على تحمّل تلك المهمة، أم سينجح المشككون بذلك وتعود المطالبة للحكم المعتمد على الجهاز الأمني العسكري فقط لأنه ناجع؟

 

أضف تعليقك