حل الدولتين.. الأردن وأكاذيب بايدن

لم يسبق في تاريخ الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ان حظي اقتراح "حل الدولتين "بمثل ما حظي به هذا الاوان من دعوات دولية أثناء العدوان الصهيوني على غزة، بالرغم من بقائه حاضرا في الخطاب الأردني ، حتى أصبح اللازمة الأساسية في كل خطابات الملك عبد الله الثاني المتعلقة بحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ، في الوقت الذي أدار العالم ظهره له.
وبالرغم من أن الرؤية الأردنية الثابتة والمتواصلة لـ " حل الدولتين " ظلت الصوت الوحيد الصادح في جحيم هذا الصراع ، فقد أكد الخطاب الأردني أن هذا الحل لا يعني الفلسطينيين وحدهم وإنما يمثل الحل الوحيد لأمن المنطقة والإقليم والعالم، إلا أن هذا الخطاب وبالرغم من تلقيه دعما من قوى دولية إلا أنه ظل صوتا بلا صدى بسبب التعنت الاسرائيلي واعتماده قاعدة " لا يوجد شريك " وهي القاعدة التي اقرها شيمون بيريز.
اليوم ونحن على حواف التغير الجذري في المواقف الدولية تجاه "حل الدولتين " الذي أصبح حاضرا اكثر من اي وقت مضى بسبب الجرائم الاسرائيلية ضد غزة، فإننا نرى الراعي الاول لجرائم الابادة الجماعية للمدنيين الفلسطينيين في غزة الرئيس الأمريكي جو بايدن يعلن انه يدعم "حل الدولتين".
ومن المؤكد أن هذا الرئيس يكذب، بل من المؤكد أنه يكذب، ولو أحصينا ــ على سبيل المثال ــ ما قاله وتعهد به إبان حملته الانتخابية وما قاله بعد فوزه على سلفه دونالد ترامب فيما يتعلق بــ "حل الدوتلين " لتبين لنا حجم أكاذيبه، ففي حملته الانتخابية قال بايدن إنه" يتطلع للعمل مع الملك عبد الله الثاني عن كثب على جميع الاصعدة التي تهم البلدين، بما فيها دعم قرار حل الدولتين بما يتعلق بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي".
وفي ذروة الدعاية الانتخابية تعهد بايدن بالعمل "مع حليفتنا إسرائيل لضمان قدرتها الدائمة على الدفاع عن نفسها والسعي لتحقيق السلام الدائم عن طريق حل الدولتين”، وبأنه سيعمل على توسيع دائرة السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين، لكنه لاحقا لتعميق التطبيع بين اسرائيل ودول عربية، وملتزما بأمن اسرائيل وتفوقها الامني والعسكري.
ومنذ انتخاب بايدن راهن الاردن عليه باعتباره الرئيس النقيض لسلفه ترامب، وعلق الاردن والفلسطينيون الكثير من الامال على سياسته التي وصفها بايدن نفسه"بأنه سيقلب سياسة ترامب بما يتعلق بالفلسطينيين"، لا أن كل هذه الوعود والتعهدات بدت مجرد فقاعات هواء ما لبثت أن تبخرت في جريان الرياح.
وبايدن اليوم هو الرئيس الاسرائيلي لأمريكا بما أعلنه من انحياز لجرائم الابادة الجماعية والتطهير العرقي الذي مارسه الاحتلال الاسرائيلي ضد الفلسطينيين في غزة، وكأنه كان يشعر بالراحة الشديدة وهو يرى جثث ودماء الآطفال والنساء والتدمير الممنهج للبشر والشجر والحجر في غزة.
والسؤال المطروح اليوم : هل يمكن الوثوق بكل ما يقوله الرئيس الكاذب في الوقت الذي بدا العالم فيه أكثر وقوفا ودعما لحل الدولتين من اي وقت مضى وهو ما عبر عنه حلفاؤه في جرائم الابادة الجماعية ضد الانسانية في غزة.
من الواضح حتى اللحظة أننا لا نملك أية دوافع او مبررات يمكنها مساعدتنا في تصديق السياسة الامريكية تجاه الفلسطينيين، فقد تعودنا على السيد بايدن وأكاذيبه، وليس في الافق ما يجعل السيد بايدن ان يصدق هذه المرة وهو المقبل على عام انتخابي ولن يكون بمقدوره المغامرة بالصوت اليهودي الأمريكي،بالرغم من انقسام حزبه عليه بسبب موقفه وسياسته المنحازة للعدوان الاسرائيلي على غزة.
ان الحديث عن "حل الدولتين" متشعب وطويل، وقد وضعت بواكيره منذ توصيات لجنة وليام بيل البريطانية سنة ١٩٣٧ أثناء الثورة الفلسطينية الكبرى سنة 1936  حين اوصت تلك اللجنة في تقريرها الذي عرف بــ " تقرير بيل" بتوزيع الاراضي بين الفلسطينيين واليهود لكون التعايش بين الفلسطينيين والاسرائيلين مستحيل بينهما ورفض الفلسطينيون والعرب ذلك الاقتراح، لتعود الامم المتحدة لاقتراح خطة تقسيم جديدة سنة ١٩٤٧ الا ان العرب والفلسطينيون رفضوا هذا القرار ايضا  والذي عرف لاحقا بــ " خطة التقسيم".
ولست هنا في معرض استعراض تاريخ وتطور هذا المقترح، لكن يكفيني التأشير إلى أن حل الدولتين هو الحل الأكثر حضورا هذا الأوان في المناخ الاقليمي والدولي، وهو الحل الذي يترقبه الفلسطينيون والأردن بالدرجة الاولى، وهو يمثل بالنسبة للاردن مصلحة استراتيجية عليا ستنهي فكرة" الخيار الأردني " كوطن بديل للفلسطينيين، وهو ما عبر عنه الأردن بوضوح في بواكير العدوان الاسرائيلي على غزة واعتباره اي تهجير للفلسطينيين من الضفة العربية الى الاردن هو بمثابة اعلان حرب على الاردن.
ويبقى التأشير الى عقدة القضية كلها وهو "يهودية الدولة الصهيونية " وهي عقدة تنبني على الدولة اليهودية الدينية الخالصة، بما تمثله من مشاريع تهجير ظهرت واضحة في محاولتها لتهجير اهالي غزة الى سيناء، وهذا ما يفسر حجم التدمير الذي احدثته في شمال غزة وإجبار اهلها للنزوح جنوبا، وهي ذات الاستراتيجية التي استخدمتها سنة 1948 ،ولكن شتان بين الأمس واليوم.

أضف تعليقك