حكايات باب العامود: ورحلت مكتبة الحلبي

حكايات باب العامود: ورحلت مكتبة الحلبي
الرابط المختصر

كم احزني بصورة كبيرة وكأن عزيزا فقدته فجاة ، عندما صدمت باختفاء يافطة تعتبر من اقدم اليافطات في البلدة القديمة فعمرها يزيد عن المئة عام بقليل، كانت هذه اليافطة تزين مدخل مكتبه الحلبي التي تعتبر اقدم مكتبه في القدس بعد مكتبه الاندلس التي اختفت هي ايضا قبل سنوات وليحل محلها حانوت لبيع الالعاب ومشابك الشعر للبنات .

لم اعرف ماذا افعل ؟! فمكتبه الحلبي لها الكثير من الذكريات الجميلة في قلب كل مقدسي ، لم اتذكر انى رايت ابوابها قد اغلقت ذات يوم ولا حتى ايام الجمع ولا حتى في اقسى الايام التي مرت على القدس منذ الانتفاضة الاولى...!

لا اعتقد انه يوجد طفل او طالب لم يقم بشراء شئ من مكتبه الحلبي ، كم من الاجيال مرت عبر مكتبه الحلبي ، وكم منهم يحتفظ بقلم او دفتر او مجلد او كتاب او علبة الالوان... اشتراها من تلك المكتبة التي كان البعض يعتبرها بانها مكتبه ليست لعامة الشعب ، ولكنها كانت لكل المقدسين.

لم استطع حتى الاقتراب من ذلك الباب المغلق حتى اسأل عن سبب الاغلاق ، ولكن صديقي العزيز الاستاذ ابراهيم من محل الجبشة التاريخي المعروف ايضا المقابل ، همس بان ابو شريف صاحب مكتبه الحلبي لم يعد يتحمل البقاء... صمت للحظة قبل ان يكمل الحديث : لقد استيقظت ذات يوم على رجال ينزلون اليافطة فانقبض قلبي وسالت ، فقال ابو شريف انه اصبح كبيرا على العمل واولادي لا وقت لهم .. واضاف الصديق ابراهيم ان ما لا يعرفه الكثيرون

ان التواجد في البلدة القديمة لا علاقة له بالربح والخسارة بل هو رسالة قومية ودينية من الدرجة الاولى ، فهذه المكتبة تعتبر معلما من معالم البلدة القديمة وبدونها لن تكون القدس كما كانت ، فنحن لا نبحث عن الربح ، فتخلينا عن حانوتنا الذي ورثته ابا عن جدا عن جد يعنى التخلى عن روحنا ولا اعتقد ان الانسان يستطيع ان يتخلى عن روحه ، لانه بعدها سيكون مجرد جسد ينتظر الموت ... فلا معنى للحياة بعد ذلك!!!.

قالها الصديق بحزن كبير حتى شعرت ان الصوته يكاد يختنق في محاولته منع نفسه من البكاء فهناك ارتباط لا مثيل له في العالم بين المقدسي وحانوته، واقصد هنا بالمقدسي من العائلات العتيقة في المدينة ، هناك علاقة لا يمكن ان تنفك بين المقدسي وبين مدينته وحجارتها حجرا حجر وحاراتها حارة حارة وحوانيت وشوارعها.

ان باب خان الزيت لن يعود كما كان وقد اختفت منه اضواء مكتبه الحلبي التي كانت النور الذي يضي القنطرة قبل طريق الالم ، كانت النور الذي بعث الامل في نفوس الالاف من الاطفال المقدسين .

اختفت مكتبه الحلبي كما اختفت قبلها العديد من الحوانيت التاريخيه ليحل محلها حوانيت تغير شكلها كل بضعه ايام، حتى انك لتشعر ان هذه البلدة اصبحت غريبة عليك ، وكل الحانوت التي شكلت الذاكرة المقدسية بدات تختفى حانوتا تلو الاخر ,,, ان اختفاء هذه الحوانيت هو مؤشرا لما يحدث في البلدة القديمة التي اصبحت مهجورة بكل ما في الكلمة من معنى فاصحابها تخلو عنها وفضلوا الاستقرار في الخارج، ولتشعر ان هناك يد خفيه تقودهم الى الخارج لتبقى البلدة القديمة خالية من اهلها ليسهل السيطرة عليها لتصبح لهم ذات يوم ...!

واصبح من النادر ان تجد مقدسي يتجول في البلدة القديمة ، بل اصبح من المالوف ان تجد اليهود المتدينين والسائح الاجنبي يتجول في ازقة البلدة .

ان هناك الكثير من الاشياء التي تحدث بهدوء في البلدة القديمة بدون ان يراها احد لا القيادة الفلسطينية ولا غيرها وذات يوم سوف نستيقظ جميعا على واقع جديد لا يمكن ان نفعل امامه اي شئ .. هذا الواقع سيكون فيه الفلسطيني العربي سائحا في البلدة القديمة ......

ورحلت مكتبه الحلبي .. يا للخسارة !!!

وحديثنا المقدسي له بقية

أضف تعليقك