حكايات باب العامود : الحكاية 12 "المنبوذ"
إن المنبوذ المقصود في العنوان هو كل مقدسي يعيش في المدينة، فكل ما يجري حوله يشعره أنه منبوذ، فهو منبوذ في مدينتة وهو منبوذ في وطنه وهو منبوذ في العالم العربي ... هذا الشعور عبر عنه مقدسي عقب صلاة الجمعة، حيث قال إن السلطة الوطنية لا تطيق أي مقدسي، وخير دليل ما جرى معه قبل يومين في رام الله.
فلقد حاول الوقوف قبالة الحسبة وسط المدينة لشراء بعض الحاجيات ووجد مكان بين سيارتين جزء من صف طويل جيمعها تحمل لوحات أرقام فلسطينية وأضاف هذا الشخص ما أن توقفت حتى سارع شرطي إلي يطلب المغاردة فورا، فقلت له ولكن لماذا سمحت للسيارات الأخرى بالوقوف فكان رد هذا الشرطي صادما للمقدسي عما قال له انتو يا أهل القدس لا يجب أن تقفوا هنا انتو أولاد التأمين ارحلوا من هنا..!
عندها حلف المقدسي أغلظ الأيمان أن لا يعود إلى رام الله مهما كان السبب!! وهنا تدخل شخص آخر في الحوار وقال إن الشعور هو أن أهلنا في الضفة لا يحبونا ويعتبروننا خونة !!!
هذا شعور سائد منذ زمن عبرت عنه المقدسية اليز اغازريان في مقالة لها بعنوان "الجسد والمكان في الفضاء المقدسي" هذه المقالة تعتبر صورة حية وتعبيرا عن الواقع بعينه قمنا باقتباس هاتين الفقرتين " .....يتراشق التبجيل بـ "زهرة المدائن" ومساحة القدس العامة من قبل القيادات العربية المحرومة من المدينة وسباق المناصرين الدوليين المتكدسين فيها.
وفي زاوية أخرى كانت حتى وقت قريب امتداداً للمدينة نفسها، ينهمك البعض بخطاباتهم المتكررة حول جماليات القدس القديمة المتخيلة، ونقيضها المقدسي "الخائن"، الذي "يحظى" بالوجود في المدينة، صاحب الجسد "المدنس" بـ “المخدرات والإسقاط والدعارة”، حامل بطاقة "افتحي يا سماء" والمتحدث باللكنة التي أخذت النكات خارج الأسوار بوضعها في قوالب مخصية من رجولتها. يقف "الابن العاق" المعترض لأجساد الاخوة من حملة البطاقات ذات اللون الأرضي في طوابير التنميط الكولونيالية.
يتجرع "ابن التأمين" صبّار الوجود في المدينة. يرى من غرفه الصغيرة وعبر الصحون المركبة على القبب جماليات مدينته بينما يتعرض أرضه وصوته للاغتصاب وجسده للتنميط والهيمنة" ".... مكان المقدسي محدود. تحدد السلطات الاستعمارية نسله وامتداده الجغرافي والديمغرافي والبيولوجي، فيحترف حيل الامتداد والتسلل والتكاثر.
يتنافس الجيران على المربعات والمثلثات والدوائر والحواكير أمام شح الموارد والتراخيص. المكان المفتت يبتلع الزمان. يعيش المقدسي في حالة ترقب. فكيانه ووجوده في المدينة معرضان للتهديد الهلامي، وفي أي لحظة قد ينقض المستعمرون على مكانه الضيّق أو قد يتم ترحيله أو اعتقاله أو هدم منزله.
تريده الأيديولوجية الصهيونية أن يرحل بعيداً أو أن يبقى في نفس البقعة دون توسع سكاني أو انتشار إلى المناطق المكرسة "لليهود فقط" ودون خصوبة سكانية تهدد الإحصائيات. أما إسهام القيادات فغالباً ما ينتهي بصور لرجال في بدلات رسمية في إطار حداثوي لامع لفنادق فخمة، بينما تستمر سياسة التطهير العرقي على أرض الواقع.
فالمقدسي الذي عهد أن ينتقل إلى نفس الامتداد الجغرافي الذي أخذ يدعى بـ "الضفة الغربية" يضطر المرور من سرطان طوابير التفتيش، وإذا حدث أن مل من الحدود المفرضة وتحركت قدماه إلى الجانب "اليهودي" من المدينة تعرض جسده لجهنم الرقابة والفحص العنصري أو تكفير وطنيته من أبناء شعبه.
يعيش المقدسي في حيرة وجودية. يسكر البعض على المزاج الاستهلاكي الهروبي مشككين بماهية المقاومة في أجواء تغيب فيها حرية التعبير وفي وقت تنصلت عنهم القيادات الفلسطينية..."
أليس هذا الواقع الذي يعيشه المقدسي والذي لا يعرف إلى أين يتجه وأين يسير وماذا يفعل ...! والكل يتغنى بالقدس الحجر والتاريخ وأما البشر فليذهبوا إلى الجحيم ....
وحديث باب العامود له بقية