حكايات باب العامود : الحكاية الثامنة : الباب
تعيش مدينة القدس هذه الأيام أسوأ لحظاتها التاريخية، وكحالة مدينتهم يعيش المقدسيون نفس الحالة، لدرجة أنهم أصبحوا يستقون أخبار أحيائهم وحاراتهم من الإشاعات وليس من أي مصدر آخر، وذلك لكثرة الأحداث ولتسارعها ولاختفاء القيادة أو المرجعية، وحتى عندما وجدوا ضالتهم قبل سنوات في فيصل الحسينى اختطفه الموت بصورة أقل ما يقال عنها بأنها مريبة!!! وفي هذه الأيام عندما تفاءل البعض خيرا في بعض شبان المدينة الأصليين خطفتهم المؤامرات التي يشتهر بها بعض النظم وتمتاز بها الصراعات الداخلية ....!
ما علينا !!
إن حكايتنا اليوم هي عن باب العامود أو باب دمشق لأن الخارج منه كان يتجه مباشرة إلى دمشق وهذا الاسم الأكثر ملاءمة للواقع، ولكن يبدو أن هناك من حاول فك العروة بين القدس ودمشق فاخترع قصة العامود، والتي حتى لو كانت حقيقة فإنها لا تعبر عن أهمية هذا الباب، فأيهما أقرب إلينا العامود الروماني أم دمشق العاصمة العربية!!
وفور وصول المحتل تم تغير الاسم إلى شئ يناسب المرحلة الجديدة وأطلقوا عليه اسم باب نابلس وبالعبرية "شعار شخيم" أي أنهم اختصروا المسافة من القس إلى دمشق وأبقوهها حتى نابلس، أي في حدود دولتهم ليعطوا بعدا توراتيا لأعظم باب وأكبر بوابات القدس شأنا ! ألم نقل لكم أننا بحاجة إلى إعادة كتابة التاريخ من الصفحة الأولى ومن المسلمات فهي لم تكن كذلك قبل عقود من الزمن...!
المهم أن الإشاعة الأكثر انتشارا هذه الأيام في القدس هي أن باب العامود لن يعود قريبا لا باب ولا حتى عامود بل سيغلق لمدة ثلاث سنوات بعضهم يقول أربع سنوات، وسارع الخبراء المحللون العباقرة والذين يعرفون كل شئ عن أي شئ، إلى التأكيد على خطورة هذه الخطوة وبدأنا نسمع أسطورة لها أول وليس لها آخر، وصدقونى كل هؤلاء بلا استثناء لم يفحصوا ما يقولون احتراما لأنفسهم وللمواطن...
وسمعنا البعض يقول بأن باب العامود وهو الباب الرئيسي والأهم في أبواب البلدة القديمة سوف ينتهى إلى الأبد، ولكن هذا البعض لو تفحص الصحف القديمة أو حك ذاكرته قليلا لاكتشف أن إسرائيل قامت قبل سنوات بأعمال حفرضخمة للغاية في منطقة باب العامود مرورا بباب خان الزيت وشارع الوادي وصولا إلى حارة اليهود، عندها أتذكر أنهم اكتشفوا على عمق أمتار في منطقة باب العامود مكتبه مليئة بالكتب ، وأنهم أخذوا الكتب إلى جهة ما !!!
وبالقرب من هذا اكتشفوا آثار كنيسة وأرض فيسفاء وتم طم هذه الآثار... ورغم أعمال الحفريات التي استمرت فترة طويلة للغاية لم يتم إغلاق باب العامود واستمرت المحال بمزاولة أعمالها رغم الصعوبات الجمة، ورغم أن الكثير من المواطينين فضلوا الحوانيت في الأحياء والحارات على أسواق البلدة القديمة بسبب التعب وأعمال الحفريات !! إلا أن باب العامود لم يغلق...
اليوم يعود الإسرائيلي إلى نفس الطريقه لأعمال الترميم رغم أنه لم تمض فترة طويلة على أعمال الترميم السابقة، وتفوح من هذا المشروع رائحة عفنه تقول إن هناك غرضا في نفس يعقوب، وليس الهدف مصلحة المقدسين بالتأكيد، بل أنها استمرار لما بدأه الإسرائيليون وشركاؤهم قبل عشرات السنين في البحث عن موضع قدم تاريخي يثبت حقهم في شئ ليس لهم ..
وفي هذا الوقت الذي يغرق الإسرائيليون في خطته الواضحة والتي يسيرون فيها وفق ما وضعوه يغرق المقدسيون في بحر من الإشاعات لا تهدف إلا لكسر الشكيمة وهبوط العزيمة، والوصول إلى مقولة المهزوم " ما في اليد حيلة .." إشاعات أصبحت تأكل كل أخضر في قلوب المقدسين لتحوله إلى يابس ....بينما بقية الأخوة العرب في سبات عميق ..أو أنهم أموات في صورة أحياء، ولكن ما هو مؤكد أن باب العامود، أقصد باب دمشق وليس باب نابلس أي "شعار شخيم"، سيبقى شامخا يحكى حكاية مدينة ضيعها أهلها واحترمها أعداؤهم.. سيبقى شامخا رغم أنه مهلهل أصابه التعب من عوامل الزمن كحال أهل المدينة.....
وحكايات باب العامود وباب دمشق مستمرة...