تمكين: اتهاماتٌ كيديّة بالجملة لعاملات المنازل

 

*هذه القصة من ملفات مركز تمكين  للمساعدة القانونية

 

بلا دليل

 

سافرت ابيجال من غانا إلى الأردن في تموز عام 2016، للعمل عاملة منزلٍ لدى إحدى الأسر، ظنَّت أن بإمكانها تحقيق أحلامها من خلال جمع المال والعودةِ لموطنها لمساعدة أُسرتها، ولم تضع في الحُسبانِ أن أحلام كثيرٍ من العاملات تنهار في هذا المكان.

 

كان صاحب المنزل الذي تعمل فيه منهمكًا في توضيب أغراضه حين ناداها ولم تجبه قبل خروجه متوجهًا للمطار، في حين انشغلت بترتيب المطبخ، لم يلتفت لها، وإنما تابع خطاه إلى أن وصلَ لوجهته في البلاد المنويِّ السفر إليها، واكتشف بعد وصوله وجهته فقدانه لجزءٍ من أمواله؛ ما دفعه للاتصال بابنه الذي اصطحب حبيبة للمركز الأمنيّ بتهمة السرقة من دون أي دليل، مستبعدًا إمكانيّة فقدانه للنقود في المطار أو سيارة الأجرة التي استقلها للفندق، إذ قام المركز الأمنيّ بأخذ إفادة الطرفين بوجود مترجم، ليجري تحويلهم بعد ذلك إلى المدعي العام، الذي قام بتوقيفها لاحقا بناءً على الشكوى المُقدمة ضدها وموضوعها السرقة .

 

 

المدعي العام 

مَثلت ابيجال أمام المدعي العام في السادس عشر من تموز عام 2017 بحضور المترجم، الذي استمع إلى تأكيدات المشتكي – ابن صاحب العمل- بأنها سارقة، ورغمَ نفيِّ العاملة التهمةَ مراتٍ عدة بقولها "أنا غير مذنبة.. أنا لست سارقة" قرر المدعي العام اعتبار الابن شاهدًا للحق العام وأن ما أقدمت عليه من أفعالٍ يُشكِّلُ سائر أركان وعناصر الجرم المسندِ إليها، وهو جنحة السرقة الموصوفة خلافًا لأحكام المادة 406/3 من قانون العقوبات، إذ جرى توقيفها في مركز إصلاح وتأهيل النساء وإحالة القضيّة إلى محكمة بداية جزاء عمان.

 

المحاكمة 

على الرغم من أن المادة (230) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (9) لسنة 1961 تنص على " إذا كان المتهم أو الشاهد أبكم أصم ولا يعرف الكتابة وإذا كان لا يحسن التكلم باللغة العربية يعين الرئيس للترجمة بينه وبين المحكمة من اعتاد مخاطبته أو مخاطبة أمثاله بالإشارة أو بالوسائل الفنية الأخرى"، وتنص كذلك المادة 14 الفقرة (د) من العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية والذي صادق عليه الأردن على "أنه من حق أي متهم لا يفهم اللغة المستخدمة في المحكمة أن يزود بمترجمان". الا أن ابيجال قضت خلف القضبان خمسة أشهرٍ بواقع سبع جلساتٍ؛ لغياب المشتكي عن الجلسات برُغم تأكيد القاضي على استدعائه في كل مرة ورفضه تكفيل العاملة، ولعدم حضور المترجم الا في الجلسة السابعة حيث جرى الاستماع لحبيبة وموكلها ومناقشة صاحب العمل "المشتكي" الذي أشار إلى أنه لم يشاهدها هو أو أي من أفراد عائلته أثناء السرقة.

واستند الأب في إفادته أمام المحكمة، أنه اتهم العاملة لكونه ناداها مرتين ولم تجبه، وشاهدها في حالة ارتباكٍ تقفُ أمام النافذة.

 

الحكم على ابيجال

في الحادي والثلاثين من كانون الأول عام 2017 قررت المحكمة إعلان براءة ابيجال عن الجرم لعدم قيام الدليل القانوني بحقها، عملًا بأحكام المادة (178) من قانون أصول المحاكمات الجزائية.

 

لم تكن الوحيدة

ابيجال ليست وحدها التي عانت من توجيه الاتهامات الكيديّة لها أو مدة التوقيف، فالغالبيّة العظمى من العمال المهاجرين مرت وتمر بنفس الظروف، لذا فالسؤال الوارد بما يتعلق بالتوقيف، هل عالج المشرع الأردني من خلال تعديل المادة (١١٤) من قانون أصول المحاكمات الجزائية أمر التوقيف؟ لا إجابة محددة، لأن الأمر لايزال معقدًا، وبالرجوع إلى نص المادة نجد أنه "لا يجوز أن يتم تمديد التوقيف في الجنح لمدة تزيد عن شهر واحد" وأن التوقيف بالأصل هو تدبير استثنائي، غير أن ما يحصل للعمال المهاجرين – بشكلٍ خاص- هو توقيفهم إداريًا بعد انقضاء الشهر، ما يعد التفافًا على القانون، ولا تحتسب مدة التوقيف الإداريّ من مدة الحكم في حال صدور قرارٍ بالإدانة.

 

في حين أن فئة كبيرة من العمال المهاجرين يتعرضون للاتهامات الكيديّة؛ من باب الانتقام، أو التخلص من دفع مستحقاتهم المالية، أو عقابهم؛ لأسباب عدة منها رغبتهم بالعودة لأوطانهم.

 

إضافةً لمواجهة العديد من العمال مشاكل سببها عدم وجود المترجم، أبقتّهم في الزنزانة لفتراتٍ طويلة؛ إذ يعد حلقة الوصل بين المحكمة والمتهم، الذي تبطل إجراءات محاكمته بدونه.

 

 

ما الذي يحدث في المحكمة؟

 

يُجلب الأظناء(المشكتى عليهم) مقيدي الأرجل أو الأيدي أو كلاهما لقاعة المحكمة، بمواعيد جلساتٍ محددةٍ تُنَسَق عن طريق مخاطبة السجون "مراكز الإصلاح والتأهيل" قبل حضور الأظناء (المشتكى عليهم) ، غير أنَّ ما يحصل على أرض الواقع مختلف، فجميع الموقوفين في مركز الإصلاح ولتأهيل الواحد عادة ما ينقلون بسيارة واحدة تقوم بالمرور على جميع المحاكم؛ ما يستغرق الكثير من الوقت للوصول لقاعة المحكمة، بخاصةً مع وجود ازدحامات مشروع الباص السريع، لتقوم بعض المحاكم بمباشرة الجلسة قبل وصول الموقوف؛ ما يؤدي إلى تأجيلها وإطالة مدة التقاضي.

 

وهذا ما حصل مع ابيجال، إذ كانت في بعض جلسات المحاكمة تبقى مُقيّدة الأيدي والأرجل، وأحيانًا لا يجري إحضارها إلى المحكمة، في حين تتأخر في أوقاتٍ أُخرى عن موعد الجلسة المحدد من قِبل المحكمة.

 

ما يجعل كلما ذكر سابقًا في كفة، وتقييد الموقوفين داخل المحاكم في كفةٍ أُخرى،  إذ أنه في محاكم الصلح والبداية ونظرًا لصغر حجم قاعات المحاكمة وعدم وجود أماكن مخصصة لوضع الموقوفين فيها غالبا، لا يجري فك القيود عنهم؛ مما يعد مخالفًا للقانون الذي ينص في المادة (٢١٢) من قانون  أصول المحاكمات الجزائية رقم 9 لسنة 1961 التي شددت على أن "يمثل المتهم أمام المحكمة طليقا بغير قيود ولا أغلال وإنما تجري عليه الحراسة اللازمة، ولا يجوز إبعاده عن الجلسة أثناء نظر الدعوى إلا إذا وقع منه تشويش يستدعي ذلك وفي هذه الحالة تستمر الإجراءات إلى أن يمكن السير فيها بحضوره، وعلى المحكمة أن توقفه على ما تم في غيبته من الإجراءات".

 

مكافأة

5 أشهرٍ قضتها ابيجال في السجن بدل حصولها على مكافأة نهاية الخدمة، عاشت خلالها على أمل الحصول على تعويضاتٍ بدل ما ألَّمَ بها، غيرَ أنَّ خروجها من السجن وتوجهها للطائرةِ مُباشرةً مبعدةً لبلدها كان كل ما حصلت عليه بعد انتهاء هذه القضية.

 

أضف تعليقك