من الصعب التعامل مع أحداث الثالث من نيسان بدون معلومات موثقة وبدون فرصة لسماع رأي المتهمين كون القضية لا تزال تحت التحقيق والقانون الأردني واضح (مع او بدون قرار منع النشر) بأنه يمنع نشر محاضر التحقيقات. ولكن قيام أحد الصحفيين المقربين لصناع القرار في الدولة كونه رئيس مجلس إدارة تلفزيون المملكة أحد أجهزة الدولة الرسمية بالنشر يوفر فرصة للنقاش هادئ وبدون الاتهام او التطاول على الكاتب او من وفر له المعلومة.
يوفر الكاتب خمس أمور اسماها حقائق وللحقيقة فبعض منها تحليلات واستنتاجات واماني أكثر من أن تكون حقائق. قد يكون من الصعب على إعلامي يتعامل مع أمر شديد الحساسية بالبوح ما لديه من معلومات ولذلك فإنه من الضرورة أن لا نتعامل مع تلك التلميحات كحقائق ولكن في نفس الوقت يمكن أن يتم مناقشتها وتقديم رؤية مختلفة قد تلتقي في بعض النقاط وقد تختلف مع أخرى .
قبل التعامل مع "الحقائق" لا بد من الإشارة أن استخدام عبارات مثل "ساعة الصفر" و "وقت التحرك" وغيرها من العبارات المثيرة لها هدف وهو إعطاء الانطباع أننا نتعامل مع محاولة انقلاب رغم أنه لم ترد تلك التوصيف لا في اللقاء المثير للرئيس الجيش أو في أي من التصريحات الرسمية والتي كان آخرها رسالة جلالة الملك. طبعا غياب أي اعتقالات من عسكريين حاليين يفند التلميح ان ما حدث له علاقة لا من بعيد أو قريب في موضوع انقلاب أو غيره.
وبدل من تناول "الحقائق" بالترتيب الذي تم عرضه سأبدأ بما تم الاشارة لها أن الحقيقة الخامسة والتي هي أقرب الى الأمنية من الحقيقة واعتقد ان العديد من المؤمنين بالديمقراطية والإصلاح في الأردن يشاركون الكاتب فيها. يقول فهد الخيطان إن الأحداث الأخيرة كشفت "عن حاجة لا تقبل التأجيل مراجعة شاملة للسياسات والأدوات وإدارة شؤون البلاد، والتحرك السريع لإطلاق عمليات إصلاح واسعة وعميقة، تعيد للدولة بريقها والمؤسسات هيبتها، ولرجال الدولة مصداقيته"
أوردت الحقيقة الخامسة لان في مضمونها اعتراف بالحاجة للإصلاح ولكن الأهم فيما يخص هذه الحقائق ان الكاتب يقر بغياب المصداقية من رجال الدولة الأردنية. فاذا أسلمنا بغياب المصداقية فإن ذلك يضع باقي "الحقائق" في خانه الشك لأنها تحاول ان تنقل او تدافع عن قرارت أقر الكاتب أنها قد لا تتسم بالمصداقية.
أشار الكاتب أنه من المتوقع ان يتم توضيح الأمور عندما يتم اختتام التحقيق ويتعرف الناس على "الاعترافات الغزيرة". فهد الخيطان يقوم بسرد بعض منها ولكن ما ينقله غير مقنع. فمثلا يسرد الكاتب "لقد بلغ الوهم حدا جنونيا عندما اشترط الأمير تولي قيادة الجيش والإشراف على الأجهزة الأمنية ليتوقف عن نشاطاته المناوئة للحكم،" الأمر نفسه مذكور في صحيفة النيويورك تايمز والتي اعتمدت على ثلاث مصادر ولكنها أشارت أن ذلك تم "في فترة سابقة" وليس الفترة الحالية كما ولم يتم نشر إن كان ذلك رغبة للأمير ام اشتراط "بوقف النشاط المناوئ للحكم" علما أن رئيس الأركان نفى ذاك عندما سأله الامير كما علمنا في الحوار المسرب. اما الامر الاخر الذي ذكره الكاتب هو الإشارة الى أن وزير البلاط السابق باسم عوض الله “ انخرط قبل ذلك في نشاط سياسي خارجي لإضعاف موقف الأردن في مواجهة الضغوط القبول بصفقة القرن ومخرجاتها الكارثية".
صحيح ان مخرجات صفقة القرن كانت ستكون كارثية ولكن ربط موضوع سياسي فيه اراء مختلفة مع اتهامات بمحاولة "انقلاب" وزعزعة أمن" و"فتنة" يبدو بعيد المنال. علما أن موضوع صفقة القرن مر على دحرها ما يقرب العام فما العلاقة الحالية بتلك الأمور التي تم تجاوزها؟ والأهم من ذلك فإن الكاتب لا يحاول ربط عوض الله بالأمير وهو من أهم الأسئلة التي يسألها الجميع.
أما "الحقيقة الثالثة" التي يوردها الكاتب وتتعلق بقيام الأمير ببث لقائه مع رئيس هيئة الأركان من خلال صديق سعودي مقيم في لندن. ليس من المنطق تحميل رسالة تمت بعد التقييد على حركة الأمير كحقيقة أن الأمير منغمس في "مؤامرة خارجية"
الكاتب المقرب من صناع القرار الأردني يقول في "الحقيقة الرابعة" الادعاء أن "القضية مفبركة برمتها لتصفية الحساب، لا يعد تشكيكا بمؤسساتنا الأمنية والعسكرية فحسب، بل استخفافا بموقف دول كبرى وقادتها ما كانوا ليقبلوا إطلاق حملة تضامن ودعم مع الأردن لو لم تتوفر بين أيديهم معلومات موثقة ومصادق عليها من قبل أجهزتهم."
صحيح ان دول عديدة بل معظم الدول ذات علاقة أو المحبة والحرص على الاردن أعلنت تأييد لجلالة الملك وأعلنت دعمها للأردن ومنهم الرئيس الأمريكي. ولكن الدعم للأردن وجلالة الملك لا يعني بالضرورة أن هناك بعض من شكك في الرواية كما جاء في صحيفة "وول ستريت جورنال" التي قالت "إن عدداً من الدبلوماسيين الغربيين والعرب شككوا في اتهامات الحكومة الأردنية بحق الأمير حمزة بن الحسين، وقللوا من شأن ما وصفوه بـ"شائعات" عن محاولة الإطاحة بالملك عبد الله الثاني."
خلاصة الموضوع ان هناك حاجة ماسة الى التعامل بأكثر شفافية مع المواطن الأردني لما يحدث ومن الضروري احترام عقل المتابع للأمور. فالحقائق التي وردت في مقال مهم للكاتب مقرب من المطبخ السياسي الأردني لن تكفي لإشباع رغبة المواطن بالمعرفة. بل من الضروري ان يتم التوضيح بما لا يترك مجال للشك ولا بد من سماع رأي الأمير وباقي المتهمين وتمحيص كافة الأقوال من مؤيد ومعارض قبل أن يتم الاستقرار على ما هي الحقائق وما هي غير ذلك.