الواقعية السياسية للنواب تحول دون مواجهة سياسات التسعير الحكومية
يجد مجلس النواب نفسه هذا الاوان محكوما لما يمكن ان يوصف بــ"الواقعية السياسية "، وهي الواقعية نفسها التي أبقته بعيدا عن أي تفاعل مؤثر تجاه مواجهة قرارات الحكومة برفع اسعار المحروقات وما قاله وزير الداخلية عن الرفع المتتالي لأربع مرات مقبلات لأسعار المحروقات، فضلا عن رفع اسعار الكهرباء وبلها موجة الغلاء التي طالت مواد أساسية أثرت كثرا على القدرة الشرائية للمواطنين في ظل عدم أي تغيير على الرواتب والمداخيل.
وبالرغم من ان المجلس دخل في إجازة تشريعية منذ الخامس عشر من شهر أيار الماضي، فلم يبادر لعقد اجتماع غير رسمي ــ على الاقل ــ للبحث في سياسات التسعير الحكومية، مؤثرا استمرار الصمت دون ان يكون له أي حضور مؤثر.
يعتقد نواب ان مجلس النواب لا يمكن له مواجهة الواقعية السياسية والمالية والاقتصادية التي تدفع الحكومة مجبرة على انتهاج سياسة رفع الاسعار للتعويض على مدخلات الموازنة المتآكلة جراء الغلاء وارتفاع الاسعار على مستوى العالم وليس على مستوى الاردن فقط، بما في ذلك أجور النقل التي تضاعفت بشكل حاد وغير مسبوق.
دعاة الواقعية من النواب يؤكدون انهم لا يقفون في صف الحكومة للدفاع عنها وعن سياساتها، بقدر وقوفهم الى جانب الوطن الذي يمر بازمة اقتصادية جراء الواقع الدولي والصراع الروسي الاوكراني وتأثيراتها على أسواق السلع الاستراتيجية العالمية كالزيوت النباتية، والقمح، ومدى تأثيراتها على الأردن الذيتأثر بشكل كبير ومباشر جراء ذلك الصراع، والذي أدى بالنتيجة الى ارتفاع اسعار النفط على المستوى العالمي.
يشير هؤلاء في الوقت نفسه إلى أن أمام مجلس النواب فرصا عديدة لاكتساب الشعبوية من خلال مواجهة الحكومة وسياساتها ونقدها، وصولا الى تهديدها بحجب الثقة عنها في حال لم تستجب للمطالب النيابية بالتراجع عن قراراتها برفع الأسعار.
ويستدرك هؤلاء بالقول"كان أمامنا فرصة لتحقيق خطاب شعبوي يرضي الجمهور، لكنه سيكون بأثر كارثي على خزينة الدولة وموازنتها، وفي حال نجحنا في ذلك الأمر، فإن وضعنا الاقتصادي سيكون اكثر سوءا مما هو عليه الان، فنحن ندرك مخاطر وسيئات السياسة الحكومة برفع الاسعار لكن لا بدائل أمام الحكومة غير ما تقره من سياسات لا نرضى ها ولا نقبلها، لكنها الواقع الذي يتوجب علينا النظر اليه بجدية بعيدا عن الخطابات الشعبوية.
في المقابل فان طرفا نيابيا يعترف بان لا قدرة لديه لتحقيق أي تقدم باتجاه إلزام الحكومة بالكف عن سياساتها الجبائية باللجوء الى جيب المواطن لتعويض خسائر الموازنة جراء الارتفاع العالمي في الاسعار والنقل.
ويعترف هؤلاء النواب بأن أي إجتماع غير رسمي او حتى في إجتماع رسمي تحت القبة فان سلطة النواب تعتمد فقط على تقديم النصائح والمقترحات وهي بمجملها غير ملزمة للحكومة، وبدون ان يتفق المجلس على موقف واحد يستند الى سلطات النواب الدستورية بالاعلان عن حجب الثقة عن الحكومة في حال لم تلتزم بتلك التوجهات فان كل عمل خارج هذا السياق هو مجرد عمل شعبوي في الحد الأعلى ولن يؤثر بالمطلق على قرارات الحكومة.
خارطة المجلس اليوم الذي يستعد للانعقاد في دورة استثنائية بعد منتصف شهر تموز المقبل يتنازعها دعاة الواقعية البرلمانية بالقبول وعلى مضض بقرارات وسياسات الحكومة، ودعاة عدم الجدوى الذين يرون أن المجلس لا يملك القدرة على إلزام الحكومة بالتراجع عن سياساتها وتحت تهديدهم بالحق الدستوري الذي يملكونه بموجب الدستور.
وبالنتيجة فإن الحكومة في أعلى مراتب ارتياحها من مجلس النواب الذي لا يمارس عليها أي دور ضاغط رافض لسياساتها وقراراتها، وهذا ما تسعى للابقاء على هذه الحالة التي تتنازع مجلس النواب بين دعاة الواقعية السياسية، وبين من يتبنون فكرة عدم الجدوى..