النّعومة المقدسية.. تعيد الحنين إلى الزمن الغابر

 النّعومة المقدسية.. تعيد الحنين إلى الزمن الغابر
الرابط المختصر

كل شيء في القدس له نكهته ومذاقه، فالمدينة تتمسك بخيوط عاداتها وتقاليدها، للحفاظ على التراث الفلسطيني، في وجه هجمة الاحتلال الشرسة لتهويدها.

فبين الأمس واليوم ذكريات من الأجداد، تختزنها العقول وتحتضنها القلوب، لتغذي حاضر الشباب بحكايات أصيلة قديمة، تنهض من ماضيهم لتنير حاضرهم كلما جد الحنين واستثيرت العواطف، فرمضان قديما احتل مساحة واسعة في أذهان القدماء بمفارقاته واختلافاته، وخاصة حلوى النّعومة " القضامة المطحونة"، والتي كانت من أشهر الحلويات وأحبها إلى النفوس في الشهر الفضيل.

وتعود صناعة النعومة إلى نحو مئة عام. فقال إسحاق الترعاني بائعها منذ سنوات طويلة، أنه ورث المهنة عن أبيه، وهي عبارة عن قضامة صفراء، تطحن بواسطة الهاون، و مؤخرا ياستخدام مطحنة القهوة، ويضاف عليها الكزبرة والسكر الناعم، لتصبح جاهزة للاكل، كحلوى رمضانية مقدسية بامتياز.

وأضاف الترعاني، "أن النّعومة تلاقي إقبالا من جميع الأعمار، وبالأخص كبار السن حيث تعيدهم الى ذكريات الطفولة".

وأشارت عواطف الضيّ (50 عاما)، إلى أن والدتها كانت تحضّرها في البيت، بطحن القضامة، وإضافة القرفة والسكر الناعم إليها، فيجتمع افراد العائلة على صحن واحد. مسترسلة، "في بعض الأحيان كنا نشتريها بمصروفنا الشخصي من الباعة المتجولين، أما هذا الجيل فيعتمد على المنتوجات الصناعية كالشيبس والحلويات المصبوغة".

وأوضح عماد أبو غوش (61 عاما)، أن فصل الصيف كان موسم النّعومة ، "كنا نتجمع في صغرنا حول بائعها في أزقة البلدة القديمة في القدس، ليتسنى لنا الاستمتاع بالمذاق الطيب لهذه الحلوى، فعلى الرغم من طعمها الحلو الا أنها تعتبر صحية، ولا تحتوي على أية مواد مصنعة، كما هو الحال في معظم المنتوجات التي يبتاعها الأطفال".

وقال أبو غوش، إنه ينتظر كل سنة قدوم رمضان لشراء النّعومة، ليعرف أحفاده بأحب الحلويات إلى قلبه.

من جهتها، قالت الحاجة أم علي الشوا (80 عاما)، إلى أنها تطحن حبوب القضامة الصفراء على المطحنة اليدوية حتى اليوم ، خاصة يوم اجتماع العائلة، لتقص عليهم ذكرياتها الطفولية، "بالرغم منأان معظم أحفادي لا يستسيغون طعمها بسبب وجود بدائل كثيرة طعمها أفضل وألذ، إلا أنني لن أتوقف عن طحنها، متمسكة ومحافظة على تراثنا المقدسي.

وابتكر الأتراك حلوى النعومة الشعبية البسيطة قبل مئات السنين، ونقلها الشاميون في الفترة العثمانية، وكانت تعتبر حتى سنوات قليلة ماضية من أكثر الحلويات شيوعا وانتشارا في دمشق والمدن السورية. كما انتشرت أنواع القضامة المغلفة بالقطر، وأطلق عليها القضامة السكرية، لتقدم كضيافة في المناسبات السعيدة.

والقضامة في الأساس عبارة عن حبات الحمص المتحولة إلى مكسرات، وحلوى بسيطة اشتهرت بتصنيعها عائلات دمشقية منذ عشرات السنين، حتى أخذ بعضها لقب القضماني.

فالنّعومة لا زالت محتفظة بوصفتها السحرية، المتناقلة من جيل إلى جيل على أمل تحلية آهات زماننا بها بعيدا عن مرارة الحياة، فلمذاقها سحر خاص، وعبق التاريخ فيها يروي حكايات القدس العتيقة.

هنا القدس

أضف تعليقك