النواب الإسلاميون ..أقلية معارضة في المجلس العشرين
منذ إعلان النتائج النهائية لانتخابات مجلس النواب سرت في الأردن موجة كالنار في الهشيم تحذر من تداعيات فوز حزب جبهة العمل الاسلامي بــ 31 مقعدا في القائمتين المحلية والعامة من أصل 138 مقعدا، وذهب الخائفون والمرعوبون إلى تصوير هذا الفوز امام الجمهور الأردني وكأنه كارثة على البلاد والعباد، وبدت مواقع التواصل الاجتماعي وكأنها ساحة حرب تحمل من النذير أضعاف ما تحمله من البشرى والتفاؤل، وكأن هذا الفوز الانتخابي نذير خوف وشؤم.
غاب العقل والتعقل هنا تماما، بينما الأمر كله لا يحتاج لحالة الفزع هذه، ولو نظر كل ذي بصيرة لهذا الفوز بموضوعية، وقرأه بعين العاقل فلن يرى فيه ما يدعو لكل هذا الفزع الذي بدا في معظمه مجرد تباكي مفرغ من مضمونه تماما ولا يستحق كل دموع التماسيح تلك.
ولعل مجرد نظرة هادئة لتفاصيل النتائج الانتخابية ومعطيات ارقامها سترى ان القوة التصويتية والتأثيرية للاسلاميين داخل المجلس تصل الى 22,6 % من القوة التصويتية الكلية للمجلس بينما الأحزاب التسعة الأخرى الفائزة فقد حصلت بمجموع مرشحيها في القائمتين المحلية والعامة على 95 مقعدا وبنسبة 68,8 % ، وهي القوة التصويتية الأكبر والأقوى تأثيرا.
ووفقا للمعادلات الرقمية فان 5 نواب فقط لم يدخلوا في حسابات حصص الأحزاب وبنسبة متواضعة جدا وبدون أية قوة تصويتية بلغت 3,6 % ، وفي حال افترضنا جدلا أنهم سيتحالفون مع الاسلاميين قلبا وقالبا فان قوة الاسلامين مع تحالفهم المفترض ستصبح 36 صوتا فقط وبنسبة إجمالية تبلغ 26.2 % وهي نسبة ضئيلة لن تؤثر على قرارات المجلس التصويتية، وستبقى قوة معارضة تكتفي باستخدام أقصى أسلحة تأثيرها الصوتية وتصديرها للحكومة داخل القبة وللجمهور الواسع خارجها.
ووفقا للتضاريس السياسية للآحزاب صاحبة المقاعد تحت القبة ( 9 أحزاب ) فإنها جميعها تحمل مسميات مختلفة لكنها في جوهرها تنطلق من منبع سياسي واحد وهو منبع الموالاة للسياسات الحكومية، وليس وفي اقصى الإحتمالات أن يجرؤ أي من هذه الأحزاب التسعة على ممارسة دور المعارضة أو حتى بناء تحالف سياسي مع الإسلاميين مما يبقي تلك الأحزاب الحليف الأكثر قوة وتأثيرا للسياسات الحكومية التي لن تجد تحت القبة ما يعرقل سياساتها ومشاريعها في ظل وجود هذه القوة المهيمنة.
تتمتع الأحزاب التسعة ( الميثاق، ارادة، عزم، الاتحاد الوطني، تقدم، الوطني الاسلامي، العمال، الارض المباركة، تحالف نماء والعمل) بخطاب سياسي وسطي معتدل كما تصف نفسها في ادبياتها، لكن مفهوم "الاعتدال " عندها لا يقودها أو يقود أي باحث منصف لاعتبار هذا الاعتدال خارج منظومة الولاء الحكومي، وهو ما يجعلها حكما في الخندق الحكومي الموالي، مما يدفعها لتكون واقي صدمات صلب لأية معارضة نيابية تحت القبة يقودها الاسلاميون ضد سياسات حكومية بعينها.
ومن المؤكد أن تلك الأحزاب التسعة لن تسمح لأعضائها بالخروج عن خطها السياسي وموقفها، مما سيسمح بتقديم أداء موحد لأعضاء كل حزب بدل الفوضى في المواقف إبان كانت الكتل النيابية تعمل كبديل سيء للأحزاب، وسنرى ــ وهذا ما نأمله ــ أداء تشريعيا ورقابيا أفضل بكثير مما شهدناه في مجالس سابقة ، ومن المؤكد أن هذه الأحزاب التسعة مجتمعة ستشكل تحالفات فيما بينها في القضايا الهامة على نحو التصويت على الثقة بالحكومة، او التصويت على الموازنة العامة، والقضايا الأخرى الطارئة.
وبالنتيجة علينا الإعتراف بأننا سنجلس على دكة الإنتظار لمراقبة أداء المجلس الجديد بشغف، ولمعرفة الى أين ستقودنا هذه التجربة، لكن ما أؤكده هنا أن المعارضة النيابية الإسلامية ستعود للقيام بذات الدور السابق، وهو ما سيدفع بها لانتهاج سياسات جديدة في معارضتها البرلمانية، فعدد أصواتها ارتفع مما سيرهق المجلس في الوقت الذي عليها أن تدرك فيه أنها تواجه صدا منيعا وصلبا من القوة التصويتية الأكبر والأكثر تأثيرا، وهي بحاجة لايصال صوتها الى خارج القبة، لتكثيف حالة المؤازرة الشعبية لمواقفها.