المسيرات سلاح رخيص يقلق الحدود الأردنية..ما مسؤولية النظام السوري؟‎

الرابط المختصر

تثير عمليات تهريب المخدرات في الأردن من الحدود الشمالية قلقاً شديداً، ما دفع بجيشه لإعلان "حرب مفتوحة" عليها، وضد حركة المسيرات التي تحمل الحبوب الخطيرة التي من أبرزها "مخدر الكريستال" الذي صار يوصف بـ"الطائر" بسبب نقله عبر المسيرات لا سيما الـ"كوادكوبتر". 

منذ بداية عام 2023، استطاع الجيش الأردني إسقاط ما يقارب 9 طائرات مسيّرة قادمة من الجنوب السوري محمّلة بالمخدرات، إحداها كانت محمّلة بالمتفجرات من نوع مادة (TNT) كما أعلنت القوات المسلحة في بيان صحفي لها.

كان آخر هذه الطائرات الإثنين الماضي 4 سبتمبر/أيلول 2023، وتظهر الصور التي نشرتها القوات المسلحة الأردنية الطائرة وقد ربطت بها مواد مخدرة من نوع "الكريستال".

وتصاعدت وتيرة استخدام الطائرات المسيرة من المهربين في سوريا عقب تغيير الأردن لقواعد الاشتباك عقب في 17 مايو/أيار 2022 على خلفية مقتل جندي وإصابة آخرين في اشتباك مع مهربين، لتعلن المملكة "حرباً مفتوحة" على المخدرات في الأردن بدأت بقتل 27 من مهربي المخدرات الذين حاولوا التسلل عبر الحدود مع سوريا بعد أيام من مقتل الضابط الأردني.

بحسب ناشطين على الحدود الأردنية السورية، فإن السلطات الأردنية نقلت الحرب على المخدرات في الأردن إلى الداخل السوري دون الاعتراف بذلك رسمياً، إذ نفذت طائرات مجهولة ضربات جوية داخل الأراضي السورية لمصنع مخدرات في مايو/أيار 2023، نتج عنها مقتل أشهر مهرب للمخدرات ويدعى "مرعي الرميثان".

مسيّرات كوادكوبتر رخيصة التكلفة

تتبع "عربي بوست" الصور التي نشرتها القوات المسلحة الأردنية للطائرات التي جرى إسقاطها، وتبين أن أغلب الطائرات تحمل شعار (DJI) وهي سلسلة من المركبات الجوية بدون طيار (UAVs)، يطلق عليها "كوادكوبتر".

طورت مسيرات "كوادكوبتر" شركة التكنولوجيا الصينية "DJI"، وتم إصدار أنواع منها مثل DJI Phantom بين عامي 2013 و2019.

تباع الطائرة بمتاجر إلكترونية عدة، يبلغ سعرها ما يقارب الألف دولار، وتستطيع التحليق لمسافة من 3 إلى 5 كيلومترات، وهي مزودة بكاميرا عالية الدقة يتم التحكم بها من خلال ريموت أرضي.

المخدرات في الأردن تصفها السلطات بالخط الأحمر وأنه يجب وقف تهريبها من سوريا عبر المسيرات - رويترز

المخدرات في الأردن تصفها السلطات بالخط الأحمر وأنه يجب وقف تهريبها من سوريا عبر المسيرات – رويترز

الخبير العسكري، اللواء الطيار المتقاعد مأمون أبو نوار، قال لـ"عربي بوست"، إن "هذه الطائرات يطلق عليها لقب مسيرات كوادكوبتر وهي طائرات رخيصة وخطرة في الوقت ذاته، إذ أغلقت بعض الدول مثل أمريكا وروسيا حركة الطائرات في مطارات رئيسية بسبب تحليق هذه الطائرات في محيط حركة الطيران".

وأضاف: "رغم أن نسبة إسقاط هذه المسيرات كبيرة، والتعامل معها بكفاءة من قبل الجيش الأردني، إلا أن هذه الطائرات تبقى تمثل تهديداً للأردن من سوريا؛ إذ من المحتمل أن تحمّل هذه الطائرات بمتفجرات لضرب أهداف معينة".

ويعتقد الخبير العسكري أن ما يحدث في الجنوب السوري من انتفاضة وأحداث "سيشجع على المزيد من عمليات التهريب أكثر، في ظل حاجة النظام وميليشياته إلى الأموال"، وفق قوله.

يشير أبو نوار من خلال ذلك إلى الاتهامات للنظام السوري، بأنه مسؤول عن عمليات التهريب، والمتاجرة بالمخدرات لا سيما الكبتاغون.

وقال إن "المبادرة الأردنية للحل السلمي في سوريا فشلت في الحد من عمليات تهريب المخدرات، في ظل عدم إيمان نظام الأسد بتلك المبادرة، وسيطرة إيران وميليشياتها على مناطق في الجنوب السوري".

وأكد أن الأردن يملك "سوراً ذكياً" حصل عليه من الولايات المتحدة الأمريكية، ويستطيع كشف هذه الطائرات وحركات التهريب.

النظام السوري ومبادرة "خطوة مقابل خطوة"

أعلنت المملكة الأردنية نهاية عام 2022 عن مبادرة لإيجاد حل سياسي في سوريا، وعاد نظام الأسد من خلالها إلى أحضان الجامعة العربية، مقابل تعهده بأمور عدة، من بينها مكافحة تهريب المخدرات التي أغرقت الخليج العربي ودول المنطقة.

أستاذ العلوم السياسية الخبير الاستراتيجي، عامر السبايلة، رأى في حديثه لـ"عربي بوست"، أن "بقاء ظاهرة تهريب المخدرات في الأردن من سوريا يدفع المملكة للتفكير بحلول فردية، بعيداً عن مبادرة خطوة مقابل خطوة، وعدم انتظار الجانب السوري".

وتابع بأن ذلك يأتي "بعد اعتراف من قبل النظام بأن مناطق التهريب خارجة عن نفوذه".

وقال: "في مقابلة تلفزيونية لبشار الأسد تبرّأ من كل ظاهرة تهريب المخدرات، واعتبر أنها تهدد سوريا أيضاً، وهذا يشير إلى أن على كل فريق أن يفكر بنفسه من خلال الخلاص الفردي في مواجهة المخدرات، ما سيدفع إلى ارتفاع عدد هذه الطائرات المسيرة بسبب ذلك".

وأشار إلى أن ذلك مرتبط أيضاً "بعودة الجماعات المسلحة للظهور في سوريا والعراق، لذلك سيقوم الأردن باتخاذ إجراءات مباشرة، وعدم ربطها بمبادرة خطوة مقابل خطوة".

حرب المخدرات في الأردن تتصاعد إثر تزايد عمليات تهريبها عبر المسيرات - رويترز

حرب المخدرات في الأردن تتصاعد إثر تزايد عمليات تهريبها عبر المسيرات – رويترز

الأردن يدرس التدخل المباشر

يحاول الأردن الوصول للعمق السوري في ظل عجز النظام عن السيطرة على مناطق تخضع لحكم عناصره من الفرقة الرابعة، والميليشيات الموالية له التي تربطها علاقات مع إيران، إذ نقلت مواقع محلية سورية في أيار/مايو 2023 وصول رسائل نصية إلى أرقام عدد من المتهمين بتجارة وتهريب المخدرات، في محافظتي درعا والسويداء جنوب سوريا، تدعوهم لتسليم أنفسهم لحرس الحدود الأردني.

نصّت الرسالة على أنه: "نعلم من أنتم. تحركاتكم مرصودة، واجتماعاتكم مخترقة. تساهمون في تخريب عقول أبناء شعبنا، ولأجلهم لن نرحم أي شخص منكم. نشامى الأردن ستحلق كالنسور ليتم اصطيادكم مجرماً تلو الآخر. مرعي الرمثان كان الأول وليس الأخير".

يؤكد عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الأعيان، الوزير السابق، محمد المومني أن "الأردن في حرب مفتوحة في الحدود الشمالية والشمالية الشرقية بسبب استمرار تهريب المخدرات والسلاح، وعندما دخلت الطائرات المسيرة على خط العمل الإجرامي، أخذت الموضوع إلى مستوى أكثر خطورة".

وقال لـ"عربي بوست": "هذا تأثير مباشر على الأمن الوطني الأردني، وفي هذا الوقت سيكون الأردن مستعداً لاستخدام قدراته العسكرية والأمنية والسياسية كافة لوقف هذا التهريب، فوجود هذه الطائرات المسيرة يعني وجود جهة منظمة ورسمية تقف خلفهم، وهذا يعني تهديداً مباشراً للأمن والاستقرار في الإقليم، وخروجاً عن الخطوط الحمراء كلها".

لا تعتبر السلطات المخدرات في الأردن ظاهرة وتعمل على محاربتها بشتى الطرق - رويترز

لا تعتبر السلطات المخدرات في الأردن ظاهرة وتعمل على محاربتها بشتى الطرق – رويترز

يتفق معه الخبير العسكري أبو نوار في أن "المملكة تمزج بين الحلول الدبلوماسية والقوة في التعامل مع تهريب المخدرات في الأردن، من خلال ضربات جوية سابقة، وقد تلحقها ضربات أخرى مستقبلية لأوكار المخدرات لتأمين الحدود كي لا تكون بوابة لتهريب المخدرات في الخليج".

وأضاف أن "الأردن يملك عيوناً داخل سوريا، ويعرف أماكن تصنيع المخدرات، لكن نحن بحاجة لدعم دول الخليج لوقف عمليات التهريب".

يُشار إلى أن الأردن يُعدّ من أكثر الدول التي تأثرت بالحرب في سوريا، إذ يرتبط البلدان بأطول حدود مشتركة تمتد لأكثر من 375 كيلومتراً. 

ويستضيف الأردن نحو 1.3 مليون سوري، نصفهم تقريباً مسجلين بصفة "لاجئ" في سجلات مفوضية الأمم المتحدة للاجئين.