المحاسبة ضرورية ولكن العدالة تزيد من قوتها
داود كتاب
أثلجت صدورنا تصريحات ديوان المحاسبة بأنه تم استرجع نحو مئة مليون دينار من المال العام إلى خزينة الدولة الأردنية. كما كان مناسباً قيام رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز بزيارة للديوان وتشجيع القائمين عليه في مسعاهم وحمايتهم من التهجم الذي قد يطالهم دون وجه حق.
ولكن كنت أتمنى وأنا أراقب رئيس الوزراء على شاشة التلفزيون وأتابعه عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، أن نسمع ولو كلمة واحدة لمن تمت متابعتهم من قبل ديوان المحاسبة دون وجه حق، والذين تمت تبرئتهم من قبل المحاكم على كافة مستوياتها.
وكان المهندس فاتشي داكسيان على سبيل المثال لا الحصر قد أبلغ متابعيه عبر موقع تويتر بأن القضية التي رفعتها ضده وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بطلب واصرار من ديوان المحاسبة، قد انتهت لصالحه بعد معاناة في المحاكم والتحكيم على كافة مستوياتها لمدة 11 عاما.
يقول المهندس فاتشي داكسيان في تغريدته في 11-7 والتي تناقلها الكثيرون:
"مشاركة سريعة لتجربتي الشخصية مع القضاء الاردني في قضية رفعتها ضدي وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بدأت عام ٢٠٠٩ واستمرت ١١ عاما. الوزارة خسرت القضية في محكمة البداية ومحكمة الاستئناف ومحكمة التمييز. وبعدها قررت الوزارة اللجوء الى التحكيم. وخسرت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات التحكيم، وطعنت بقرار هيئة التحكيم لدى محكمة الاستئناف وخسرت، وطعنت بقرار محكمة الاستئناف أمام محكمة التمييز وصدر حكم محكمة التمييز القطعي لصالحي الأسبوع الماضي. شكرا للقضاء الاردني النزيه."
منذ أن نشر هذه التغريدة انهالت على رجل الأعمال مكالمات وتغريدات ورسائل الاستفسار والمباركة. ولكن لم تتواصل معه أي من الجهات الرسمية التي سببت له تلك المعاناة. لا بد أن تكون الحكومة على علم بهذه القضية، ولكنها لم تنبس بأي كلمة.
من الواضح أن رجل الأعمال عانى الكثير بسبب التوجه الخاطئ ضده بقضية من الواضح أنها كانت خاسرة. وقد علمت أن القضية كانت متمحورة حول عقد سنوي وقعه مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات, وعندما جرى تعديل وزاري قررت الوزارة انذاك إنهاء العقد السنوي من جانب واحد رغم مرور بضعة أشهر فقط على سريانه. وبعد مفاوضات ووساطات وافق رجل الأعمال داكسيان على حل توافقي وتم التوقيع على تلك المخالصة المنطقية . إلا أن بعض المتحمسين أكثر من اللزوم - ديوان المحاسبة مثلا - قرروا أن المخالصة أضاعت على الدولة بعض المال، وتمت متابعة القضية قضائياً.
الملاحقة القانونية وبعد ذلك اللجوء الى التحكيم تم باصرار من ديوان المحاسبة واستمر لمدة أحد عشر عاما. صدر قرار قضائي قطعي من محكمة التمييز في شهر حزيران الماضي برد الطعن الأخير المقدم من قبل الوزارة وتأييد القرار الذي توصلت إليه هيئة التحكيم، ، حيث ألزمت الوزارة بتعويض رجل الأعمال عن كافة الرسوم والمصاريف وأتعاب المحاماة واتعاب هيئة التحكيم ، وقيمتها الاجمالية للعلم اكبر من المبلغ الذي كان مستهدفا من تحريك القضية من قبل الوزارة.
والمفارقة العجيبة ان لغايات تحصيل المبالغ من الوزارة تنفيذا للحكم القطعي، تشترط الدولة الحصول على موافقة رئيس الوزراء قبل تنفيذ أي حكم قطعي على اي وزارة او دائرة حكومية وهذا يتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات.
كنت آمل أن يؤكد رئيس الوزراء والوزير المختص عن سيادة القانون، وأن الجميع متساوون أمام القانون، وأن ديوان المحاسبة قد يكون مخطئا في بعض الاستنتاجات والملاحظات الواردة في تقاريره.
كنت أحلم أن يتخذ رئيس الوزراء قرار جريء ويزور رجل الأعمال المتضرر حاملاً معه شيك بالمبلغ الذي أمرت به محكمة التمييز.
لو تم ذلك لزادت قناعة المواطنين بأن ديوان المحاسبة ليس ذراعا انتقاميا للدولة، وأن المتابعات والإجراءات التي يتخذها عادلة وليست كيدية , وان رئيس الوزراء يعي بالظلم ويعالجه.
صحيح أننا نمر في فترة صعبة مالياً ولكن معالجة كهذه لن تكلف الدولة شيئا إلا ما أقرت المحاكم ولكنها ستثبت أن الدولة لا تبحث فقط عن الجباية.
العدالة ستقوي دور موظفي الدولة من ديوان المحاسبة الى رئاسة الوزراء وهي أن مهمة الدولة في خدمة الشعب هو الحكم العادل. فهل من مجيب؟