العُرس الأردني.. مرآة الأردنيين وتقاليد يتوارثها الأجيال
مالشعوب إلا تاريخ يروى وواقع يعاش، وحظي الأردن بنصيب الجمل من كلاهما، للعرس تقاليد كتبها الجدود ونقلها الأباء وهانحن نسردها على أطفالنا.
وإنك إذا أردت أن تتعرف على ثقافة ما، فقط قم بحضور حفل زفاف.
وفي الأردن من شمالها إلى جنوبها تجد نفسك محاطاَ بالعادات والتقاليد وقاعدة واحدة يتفق عليها الجميع باختلاف الأسلوب، ففي العُرس الأردني تجد نفسك قد تعرفت على عادات الأردنيين، تراثهم وطبيعة حياتهم، لذة القهوة وعبقها، وحكاية اللبن المطبوخ واللحم الهش فوق سدر المنسف الأكثر شهرة بالبلاد، تستشعر الأمان والأصالة في بيت الشعر التي عاش بها الأردنيون القدماء، وتراويد الغناء وصفوف الدحية، لن تشعر بل سترى قيمة الضيف هناك، سترى الجميع بالثوب التقليدي كأن الجميع عرسان.
الحُب على الغدير
صورة من مشهد تمثيلي لأحد المسلسلات البدوية، ظهر فيه جانب قصص الحب على الغدير.
"يا غزيّل البر وش جابك
وش جابك من القنية
صارت لي هوشه على أسبابك
كن اهلي عزّروا بيّا"
الاختلاط بين الجنسين شائع جداَ لدى الأردنيين الأوائل، فالمرأة تشارك الرجل في الأعمال الموسمية من جلب الماء، وجمع الحطب وحلب الاغنام وغمارة الزرع.
وأكثر القصص شيوعاً هي من كانت تقام على عيون الماء أو ما يسمى "بالغدير"، فيلتقي الشاب بالفتاة، ويطلب منها أن تسقيه الماء قائلاً: " اسقيني ماء يا بنت الأجاويد "، فتقوم الفتاة بتقديم الماء له من "القربة" وهي حافظة الماء، وتقول له: " ابشر ".
ويقول في هذا الموضوع الباحث الأردني محمود الزيودي إن هذا الفضاء المفتوح أثمر كثيراَ من قصص الحب العذرية بين الرجل والمرأة وأن الكثير من العشاق كانوا يلتقون في طقس يسمى "التعليلة" يتم في بيت الفتاة التي لا يمكن أن تغادر بيت ذويها في الليل. أما الشاب فيبحث عن رفيق له، ليس للحماية فقط بل لإثبات التعفف خلال التعليلة، فالرفيق يجلس للمراقبة. والعاشقان خلف رفة المحرم (جناح النساء) من الخارج. والتعليلة في الغالب هي قول الأشعار وتبادلها بين العاشقين.
"ولد عمها يطيحها عن الفرس"
بالرغم من حضور الحب، إلا أن العرف السائد قديماَ أن ابن عم الفتاة قد يقرر الزواج منها حتى وإن كانت في طريقها لبيت العريس، ويقال في ذلك " ولد عمها يطيحها عن الفرس" أي أنها مجبرة على طاعة هذا الأمر. وتعرف هذه العادة قديماَ لتقدير ابن العم وأنه هو الأولى بها. لكن كل ذلك اندثر وأصبح المجتمع أكثر انفتاحاَ على بعضه، يكمل الزيودي.
النار أم البطاقات
تذكر الحاجة يامنة العجارمة أن الدعوة قديماَ كانت عن طريق وضع النار داخل البيوت، فيستدل الناس عند خروج الدخنة على وجود عرس لدى تلك القبيلة وتضيف: " ما كنا نعرف الكروت" وفي هذا إشارة منها على أن الدعوة في هذه الأيام تكون من خلال بطاقات الدعوة لحفل الزفاف.
صورة لكرت العرس حديثاَ، والذي يستخدم في الوقت الحاضر كوسيلة للدعوة
قهوتكم مشروبه
صورة لإحدى الجاهات في الأردن
قال الشيخ أبو خلدون النعيمات، وهو من كبار وجهاء العشائر في الأردن، إن الجاهة أولاَ تكون بإتفاق مسبق بين طرفي أهل العريس والعروس، ويتم تكليف أحد لطلب العروس وغالباً ما يكون هذا الشخص من خارج العشيرة وهو صاحب شأن ومكانة، ويعتبر ذلك نوعاَ من الوجاهة لهم وتقديراَ له كضيف قادم مع أهل العريس. يرحب الشخص المُكلف بطلب العروس بالحضور ويضع فنجان القهوة أمامه ويشكر أهل العريس على أنهم سمحوا له بطلب العروس ويبدأ قائلاً: " أتينا لنطلب منكم ابنتكم فلانة لابننا فلان على سنة الله ورسوله "، ويجلس مكملاَ كلامه بمقولة شهيرة: " أتمنى ان لا تبرد قهوتنا" وفي هذا دلالة على الرغبة بموافقة أهل العروس.
على ذات السياق، أكمل أبو خلدون عن أهل العروس إن من يعطي، أي يوافق على طلب الفتاة منهم فهو غالباً والدها أو عمها أو جدها، مرحبا بالضيوف ومستشهداَ بآية قرآنية أو حديث نبوي وينهي خطابه ب " ابشروا بالذي جئتوا من أجله".
السياق " المهر "
"كعرف بدأ المهر بدينار أردني، يكتب مقبوضاَ"، يؤكد أبو خلدون.
الشرّة
صورة لأحد بيوت الشعر الذي يقام فيه حفل الزفاف
" السهرات قديماَ كانت تمتد لثلاثين يوماً"، هكذا وصفت الحاجة يامنة العجارمة الأفراح في الحقبة الماضي، وبررت ذلك بأن الناس في الماضي كانوا يعتبرون حفل الزفاف مناسبة مهمة ومصدر للفرح، فلم يكن لديهم أي وسيلة ترفيه أخرى. وتضيف أن الأمر اليوم اختلف ليقل عدد الأيام إلى 7 وحالياً قد تصل إلى 3 أيام.
تروي الحاجة يامنة قصة زواجها قبل 68 عاماً، فتقول إن العرس بدأ بيوم يسمى الشرة وهو الذي يقيمون فيه بناء بيوت الشعر، ويتساعد في ذلك الأقارب والقبيلة، فيتم جمع السجاد والفرش وبيوت الشعر، وتزيين بيوت الشعر بالصوف والرايات البيضاء كإشارة على وجود عرس لدى القبيلة.
وفي نفس السياق تقول راية (30 عاماَ)، وهي حفيدة الحاجة يامنة، إن حفل الزفاف حديثاَ يبدأ بالشرة أيضا، لكن الاختلاف هو أن الخيام تبدلت بالهندية أو الألمانية البيضاء مؤكدة أنه لا يزال جزء من الأردنيين يقيمون بيوت الشعر أيضاَ، وأن الفرش استبدل بالكراسي والصوف بالإضاءة والرايات البيضاء بأعلام الأردن، وكل ذلك يكون استئجاراَ من محال تجارية مخصصة. والبعض أصبح يقيم الحفل بصالات الأفراح أو الفنادق.
حمام العريس وحنته
صورة لطقوس حمام العريس حديثاَ
"يا نويعمة الريّانة يا نويعمة الريّانة “فلان” عريس وميمته فرحانة
قولولها لام العريس قولولها ترى العريس بالحمام عريان"
تقول بلقيس العبادي وهي منسقة حفلات حنة، إن حنة العريس تأتي في واحدة من أيام السهرات، وفي هذه الليلة تقوم أم العريس بعجن الحنا ووضعها على طبق تزينه بالورود والشمع، ويرسم أحد افراد عائلته على يده بالحنا وغالبا تكون الرسمة هي الحرف الأول من اسم العروس.
كان الأردنيون في السابق يأخذون العريس إلى أحد عيون الماء، للقيام بطقوس حمام العريس وإلباسه ملابس جديدة، ولم يستغن الناس عن هذه العادة فما يزال طقس حمام العريس قائماَ، حسب قول العبادي.
التعاليل
صورة تظهر جانباَ من سهرات العريس " التعاليل"
تشتهر الأعراس الأردنية التقليدية بالسهرات التي تقام قبل حفل الزفاف والتي تمتد إلى 30 يوماَ، لكن في معدل وسطي كانت السهرات تستمر لمدة أسبوع. وتحي هذه السهرات رقصات منها: السحجة والدحية والسامر. وحالياَ تحيي السهرات فرق موسيقية تتخللها الرقصات التقليدية ، كما ذكر الباحث محمود الزيودي.
الفاردة من الجمال إلى السيارات
صورة لفاردة بالسيارات
"يا بي ولد كثر الله خيركوا.. حمنا البوادي ما لقينا غيركوا
ياما مشينا من الصبح للعصر ياما خذينا طيبات الأصل"
يشير الزيودي إلى أنه قديماَ كان البدو يستخدمون الإبل كوسيلة للتنقل، فلقد استخدموها في المسير للتوجه لبيت العروس لإحضارها، وتركب العروس على "الهودج" وهو محمل يوضع أعلى ظهر الجمل، فتسير الفاردة ويردد الناس خلالها التراويد.
اليوم يجتمع الأهل عند بيت أهل العريس ومن ثم التوجه بالسيارات الى بيت العروس، تنزل النساء عند أهل العروس، لتلبيسها الذهب، ويتم استقبال أهل العريس وترتدي العروس "عباة العم أو الخال "
على رأسها. ويقوم بإيصالها والدها الى سيارة العريس، ولا يرافقها سوى النساء إلى الزفاف، كما يقول الزيودي.
تفاصيل خاصة بالعروس..
صورة لصندوق العروس قديماَ.
"لمّي يا لمّي وحوشيلي مخدّاتي
طلعت من البيت وما ودعت خيّاتي
لمّي يا لمّي وحوشيلي قراميلي
طلعت من البيت وما ودّعت أنا جيلي"
كانت الحنا في الماضي هي ليلة تنم عن الحزن لوداع العروس ويقال فيها التراويد والأهازيج الحزينة، أما في الوقت الحاضر فسهرة العروس يجتمع فيها أقارب العروس وصديقاتها اللواتي يضعن الحنا في كفها وفي أكف المدعوات للتعبير عن البركة والفرح. بحسب بلقيس العبادي.
ذكرت العبادي أن حنا العروس تختلف من منطقة لمنطقة في الأردن، والاختلاف يكون بمن يأتي بالحنا، فأهل العريس في عدد من المناطق يأتوا بالحنا والأطباق ويذهبوا بها لأهل العروس والعكس
وتقول العبادي في تفاصيل العروس إن أسرة العروس تقوم عادة بتجهيز الأثاث والذي يتكون من فرشات ولحف ومخدات وملابس كذلك العطور والكحل والصابون، توضع فيما يسمى "صندوق العروس" وهو صندوق خشبي كبير مزخرف بالصدف.
زينة العروس
صورة لفتاة بالزي التقليدي الأردني، والتي كانت ترتديه النساء يوم الزفاف
تحدثت لنا العبادي عن بساطة العروس قديماَ، حيث تقول : " العروس قبل يمشطن شعرها ويظفرنه، تحط شوية كحلة، وتتعطر، وتلبس مدرقتها "، وتكمل أن اليوم اختلف ذلك تماماَ فالعروس تذهب إلى الصالونات وتضع مستحضرات التجميل وترتدي الفستان الأبيض.
الجرّا..
صورة ليوم الجرا "غذاء العُرس" قديماَ -إرث الأردن
بحسب الحاجة يامنة العجارمة تقول "الجرا" هو يوم الغذاء والذي يعقب يوم الزفاف، ويكون في يوم الجمعة، يُحضر للجرّا قبل بيوم، فعند عودة العروسان إلى بيتهما، يبدأ الرجال من أقارب العريس بغسل اللحم وتقطيعه وتحضيره لليوم الثاني. ويبقى طبق المنسف سيد الاحتفالات في الأردن والطبق الرئيسي والوحيد في حفل الزفاف.
دفتر " النقوط"
صورة لأحد دفاتر النقوط، 2013
في ذات يوم الجرّا يقدم المعازيم للعريس " النقوط " وهو المال أو الهدايا التي تهدى للعروسين بمناسبة زواجهما. فقديما كان النقوط عبارة عن شوال قمح ، أو سكر، أو سمن وجميد وغيره من احتياجات العروسين، أما في الوقت الحالي تقدم النقود.
والملفت في موضوع النقوط هو وجود دفتر خاص تحتفظ به العائلات، ليوثق من خلاله أسماء من قاموا بتقديم النقوط. وهي ظاهرة قديمة لكنها ما تزال قائمة لدى الأغلبية. وذلك بحسب الحاجة العجارمة.
من الغدير حيث قصص حب الأجداد مروراً بالشرّة والفاردة والتعاليل إلى الجرا، عناوين عريضة فيها الكثير من تفاصيل الأردن والأردنيين بما تحويه من فوارق بالتطبيق ،دثر بعضها ويكافح ما تبقى، إلا أن العرس بين الماضي والحاضر ما زال إرثاَ مهماَ ومعبراَ لدى الأردنيين.