الصحافة المحلية وتقرير التنمية الإنسانية العربية: تغطية تقليدية متواضعة لتقرير حساس وجدلي

الرابط المختصر

لعل من سوء حظ تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2004 انه أطلق من عمان بالتزامن مع أخبار تشكيل الحكومة الجديدة، فانزوى خبر التقرير الى الصفحات الداخلية مع تغطية غلب عليها الطابع البرتوكولي اذ احتفت اكثر ما احتفت بكلمات المسؤولين المشاركين في حفل اطلاق التقرير.التقرير الذي كان حظي خلال الشهور الاخيرة بمتابعة اخبارية مكثفة قبل اطلاقه بسبب الاعتراضات الاميركية عليه، ما وفر فرصة لهجاء الولايات المتحدة اساسا برغم اعتراضات بعض الدول العربية، ولولا انه اطلق من عمان بعد أن رفضته عواصم عربية ولولا ان انفردت صحيفة "العرب اليوم" (4/4) بنشر فقرات مطولة من التقرير قبل يوم من اطلاقه ثم صحيفة "الغد" الذي خصصت صفحتها "سياسات" (11/4) لكان خبر التقرير مر على الصحافة المحلية دون ذكر تقريبا.

التقرير اطلق في الخامس من الشهر الجاري وفي اليوم التالي نشرت الصحف اليومية تقارير اخبارية تركزت على كلمات المسؤولين الحكوميين والمسؤولين عن التقرير في "الدستور" و"الغد" (6/4) غير أن "الرأي" نشرت ملخصا موسعا لمحتوى التقرير سبق تغطية كلمات المسؤولين.

بعد ذلك توقفت متابعة اطلاق التقرير واقتصرت على لقاء قصير أجرته "الرأي" (6/4) ثم ملحق "الغد" في صفحة "سياسات" (11/4) وكان الملحق شاملا اذ اضافة الى المقالات التي كتبها محمد ابو رمان مشرف الصفحة وسعود قبيلات وغسان معمر وابراهيم غرايبة وسامر خير احمد وبسام البطوش فقد اجرى محرر الصفحة متابعات وافية مع عدد من السياسيين والمثقفين والكتاب وأساتذة الجامعات كما رصدت غادة الكاتب مقتطفات مما قيل وكتب عن التقرير في صحف ووكالات أنباء وإذاعات عالمية.

قلة التغطية لم تمنع ايضا من وقوع بعض الأخطاء مثل ما حدث مع صحيفة "الرأي" في خبر عن برنامج "ينابيع" الذي يقدمه التلفزيون الاردني. ورد في الخبر ان البرنامج سيتناول التقرير الصادر عن "اليونسكو" وبالطبع كان الخبر يحتاج الى تدقيق من قبل المحرر فالتقرير صادر عن منظمة الامم المتحدة للتنمية الاجتماعية وليس "اليونسكو".

تعليقات الكتاب

تقرير التنمية الإنسانية العربية كان دائما مثار جدل في الاوساط العربية الرسمية والشعبية وقد وجد اهتماما كبيرا لدرجة أن مستخدمي الانترنت قاموا بتحميل مليون نسخة من التقرير الاول وكان هذا التقرير وهو الثالث قد اثار قبل صدوره جدلا واكتسب اهتمام الكتاب لسبب واحد هو اعتراض الولايات المتحدة عليه بسبب ما ورد عن احتلالها للعراق الذي زاد الوضع العربي تعقيدا واثر على مسارات الاصلاح والديمقراطية. ويبدو ان اطلاق التقرير اخيرا دون شطب ما اعترضت عليه واشنطن حرم الكثير من الكتاب من فرصة مهاجمة واشنطن وازال اسباب الكتابة عن التقرير نفسه.

تناول التقرير بالتعليق بضعة كتاب لا يزيد عددهم على العشرين ومنهم كتاب من خارج الاردن وآخرين من القراء او من الكتاب الطارئين. وحظي التقرير في نفس فترة المتابعة، بتعليقات اقل كثيرا مما كتب عن وفاة البابا يوحنا بولس الثاني.

وقد اهتم عدد من الكتاب الذي كتبوا عن التقرير باستضافة عمان لحفل اطلاقه وكتب في ذلك مشيدا محمود الريماوي وفهد الفانك في "الرأي" (6 و8/4) وعبدالله القاق، وباسم سكجها في "الدستور" الذي لم يجد في اطلاق التقرير بالتزامن مع التغيير الحكومة مصادفة؟؟.

ووجه بعض الكتاب انتقادات لواشنطن من باب التذكير في اعتراضها وكتب في ذلك عايدة النجار وابراهيم سيف في "الدستور" ورنا صباغ في "الغد" (4/4).

وكتب آخرون في تحليل التقرير مثل ياسر زعاترة وحلمي الاسمر ورشيد حسن في "الدستور" واغلب من كتب في ملحق "سياسات" "الغد" الذين اشرنا اليهم والدكتور سمير قطامي في "الرأي". ونضال العضايلة في "الدستور" (15/4). وتركي علي الربيع وخيرة الطهيري في "الغد" (8 و14/4) وجميل النمري في "العرب اليوم".

ما يمكن ملاحظته ان اكثر الكتاب تمسكا بالافكار القومية والاسلامية او الكتاب "الأيدلوجيين" كانوا الاقل في تناول التقرير.

يرجح الكاتب في "العرب اليوم" فهد الخيطان أن عدم تناول بعض المعلقين للتقرير يعود الى حساسية الموضوع الذي تناوله وهو "الحرية في الوطن العربي". ويقول الخيطان ان بعضهم لم يشأ التعليق بسبب حساسية الموضوع وخشيتهم من تضرر مصالحهم القائمة او المنتظرة مع الحكومة.

وهو يرى ايضا ان التقرير لم يحظ فعلا باهتمام يستحقه في الصحافة المحلية سواء كان ذلك في التغطية الاعلامية التي يصفها بانها كانت تقليدية او في التعليقات. ويضيف الخيطان اسباب اخرى لقلة الاهتمام هذه منها التغيير الحكومي الذي تزامن واطلاق التقرير عدم وجود مطبوعات متخصصة.

الكاتب محمود الريماوي من "الرأي" اذ يتفق مع الخيطان حول المخاوف التي قد يستشعرها الكتاب فيما لو تناولوا التقرير الحساس، يضيف سببا اخر هو "كسل" بعض الكتاب وعدم اطلاعهم وقلة قراءاتهم مما يجعلهم "يستسهلون" الكتابة في قضايا اخرى، وان الكثير من الصحفيين والكتاب لم يذهبوا الى حفل إطلاق التقرير ولم يطلعوا عليه.

اما الكاتب جميل النمري من "العرب اليوم" فهو يرى ايضا ان التقرير لم يحظ بالاهتمام من الصحافة المحلية. ويرى النمري ان الصحافة المحلية "لا تزال بعيدة عن ان تلعب دور الرافعة في تحريك عملية الاصلاح الديمقراطي". ويضيف ان "العرب اليوم" نشرت التقرير قبل يوم واحد من صدوره وانه كان بإمكان الكتاب الاطلاع عليه وقراءته".

وإذ لا يستبعد النمري انشغال الكتاب بالتغيير الحكومي الا انه لا يستبعد كذلك خشية بعض الكتاب من التعليق على التقرير، وهو يرى ان بعض المعلقين يستغلون "زواياهم في الصحف لاغراض خاصة واقامة علاقات عامة وتوجيه رسائل".

وترى صحفية، رفضت ان نذكر اسمها، ان التقرير يستحق ان يتابع يوميا وتعزو سبب قلة اهتمام الكتاب، خاصة القوميين منهم، الى رفضهم للتعددية وتنوع الافكار. كما ترى ان قلة اهتمام بعض الصحف في التقرير او العكس يعود الى سياسة الصحيفة ومدى استقلاليتها.

وإذ كنا ذكرنا أخطاء وقع فيها محررو الصحف في التغطية الاعلامية، نشير ايضا الى أخطاء او سوء فهم وقع فيه بعض الكتاب مثل فهد الفانك في "الرأي" (8/4) في مقاله "تقرير التنمية الانسانية العربية، اذا يقول: "بقيت لدينا مشكلة، وهي صدور التقرير باللغة الانكليزية وكأنه موجه للغرب الذي قد يشمت بنا، ولم يصدر بالعربية ليكون موجها للعرب كعامل ضغط من اجل التغيير". ولا ندري ما يقصد الكاتب هنا فالتقرير صدر باللغة العربية وتم توزيعه ويباع في المكتبات بسعر 7 دنانير، كما يمكن تحميل نسخة منه عبر الانترنت بالعربية عن مواقع الجهات التي اصدرته.

الاسبوعيات

يلخص الكتاب الذين استطلعنا آرائهم كيفية التغطية الاعلامية ككل وحال الصحف الاسبوعية لم يكن بأفضل من اليوميات فباستثناء "السبيل"، المعارضة الاسلامية، التي خصصت الصفحة الثانية من الجزء الثاني للعدد (587 /12 نيسان)، واوجزت فيه بعض فقرات التقرير، فإن الصحف الاخرى وخاصة المعارضة القومية "المجد" و"الوحدة"، فحالها كحال الكتاب القوميين، فقد تجاهلت التقرير تماما ولم تشر اليه بخبر واحد ولم يحظ بتعليقات كتابها.

ونشرت صحيفتي "الهلال" (14/4) و"اللواء" (13/4) تقريرين إخباريين قصيرين عن إطلاق التقرير.

انه امر يثير الاستغراب ان الصحف، وخاصة كتابها المشغولين بهمّ الاصلاح، سواء في الاردن او في العالم العربي، والذين كتبوا في عمليات الاصلاح الكثير توقفوا عن الكتابة عندما صدر تقرير كهذا كان من المفترض ان يشكل فرصة لترسيخ هذا الهم بمعلومات موثقة وجهد كبير. هناك عدة اسباب يمكن الحديث عنها في قلة الاهتمام بالتعليق على التقرير، ولكن قد يبدو اهمها هو ان الكثير من الكتاب في الصحف المحلية هم من اصول أيديولوجية قومية واسلامية وهؤلاء يبدو انهم مكتفون بما امتلكوا من ثقافة سابقة وبما يعرفون عن الوضع العربي حتى لا تراهم بحاجة لمعرفة كل جديد حتى لو جاء مدعما لأفكارهم.


أضف تعليقك