الشفافية والمحاسبة لمن تسبب ديون بطريركية اللاتين في إقامة جامعة مادبا
منذ فترة ونحن نسمع همسات وإشاعات غير مؤكدة حول المشكلة المالية التي تواجه بطريركية اللاتين في القدس (المسؤولة عن الكنائس والرعية من من طائفة اللاتين في الأردن وفلسطين وإسرائيل). وقيل آنذاك أن سبب الديون المالية هو عمليات مالية خاطئة وصفها البعض بالفساد والبعض الآخر بسوء الإدارة لمشروع الجامعة الأمريكية التي تملكها بطريركية اللاتين. وكانت الأقوال تتركز على دين بحوالي 80 مليون دولار تراكم على الجامعة وأُجبرت البطريركية تحملها كونها المالك للجامعة. وقال مروجو الإشاعة أن الفاتيكان كان قد أرسل فريق للتحقيق في الوضع المالي للجامعة واكتشف وجود دفتري حسابات أحدهما لإعلام البطريركية به وآخر حقيقي يبين الديون الكبيرة.
طبعاً الأمر كان له ثمنٌ غالٍ جداً، فقد تسبب تراجع نية الفاتيكان السماح بإجراء انتخابات لمنصب بطريرك اللاتين بعد تقاعد البطريرك من مادبا فؤاد طوال. وكان طوال ثاني بطريرك عربي في تاريخ بطريركية اللاتين تعين بعد البطريرك المحبوب ابن الناصرة ميشيل صباح. فبدلاً من تعيين بطريرك عربي ثالث بموجب انتخابات داخلية، قامت الفاتيكان بتعيين "مدبر رسولي" بيير باتيستا يتسابانا الإيطالي الجنسية والذي كان قبل ذلك رئيس أخوية الفرنسيسكان المسؤولة عن حراسة الأراضي المقدسة التابعة أيضا للفاتيكان. وقد حاول كاتب هذا المقال الاستفسار والتحقيق في الموضوع إلّا أنه واجه دائما باباً مغلقاً في محاولة لكتمان الموضوع خوفاً من "نشر الغسيل الوسخ" أمام الناس. هل المشكلة هي عبارة عن أخطاء إدارية أم هناك سرقة وفساد؟ هل الموضوع هو سوء تدبير أم هدر أموال؟ ومن هو الشخص أو الأشخاص أو الجهات المسؤولة، وهل تم محاسبتها؟ أوليس من الضروري الإعلان عن نتائج التحقيق للناس لإظهار الحقيقة؟ ما هو دور البطريرك وأقاربه وأصدقائه بما حدث؟ هل أخطاء البطريرك تندرج تحت بند سوء الإدارة أم الفساد؟ كانت هناك محاولة لبحث كل تلك التساؤلات إلّا أنها قوبلت دائما بالرفض والكتمان.
والآن، وفي خضم تساؤلات حول نية البطريركية بيع بعض العقارات في مدينة الناصرة، خرجت البطريركية ببيان جاء في البند الأول منه:
"لا يخفى على أحد أن بطريركية القدس للاتين تواجه في السنوات الأخيرة عجزًا ماليًا كبيرًا يبلغ حوالي ١٠٠ مليون دولار أمريكي، بسبب سوء الإدارة التشغيلية السابقة، الذي يرتبط مباشرة بالجامعة الأمريكية في مادبا. يذكر أن الديون المستحقة تعود لمصارف مختلفة وليس للفاتيكان."
إذن فالمعلومات التي كانت متداولة صحيحة ويبدو أن قيمة العجز أكثر من ال 80 مليون دولار التي تم تداولها؟
يقول بيان البطريركية كما ويكرر مطران اللاتين في عمان وليم الشوملي أن الأمور السابقة تم معالجتها وأن الوضع المالي للجامعة الأمريكية في مادبا جيد. فهل هذا كل ما في الأمر أم أن هناك أمور أخرى سنكتشفها بعد أشهر أو سنوات.
أقيمت الجامعة الأمريكية في مادبا تلبية من الحبر الأعظم لمطالب العديد من أبناء الطائفة والمسيحيين بشكل عام كوسيلة لوقف الهجرة ودعم التعليم في الأردن. إن الشفافية ضرورية بشكل عام ولكنها أكثر ضرورة عندما يتعلق الأمر بالعمل العام. كما ولابد أن هناك مستوى أعلى من الشفافية والمصداقية عندما يتعلق الأمر بمؤسسة تعليمية تابعة لهيئة دينية.
لا شك أن الجامعة الأمريكية في مادبا صرح تعليمي مهم ساهم في إقامته ووضع حجر الأساس له عام 2000 البابا يوحنا بولس الثاني تلبية لرغبات أعضاء الكنيسة وشجعته الإدارات البابوية التي تلته.
البطريرك فؤاد طوال كان أول عربي يشغل منصب رئيس أساقفة تونس للكنيسة الكاثوليكية. ففي تاريخ 21 حزيران/ يونيو2008، سلم البطريرك ميشيل صباح عصا السلطة البطريركية لخلفه فؤاد طوال.
في عام 2006 تم إحالة البطريرك طوال للتعاقد عند بلوغه سن التقاعد المتبع في الكنيسة الكاثوليكية. بعد سنوات طويلة في الخدمة والرعاية لقد حان الوقت لابن مادبا الخروج عن صمته وإعلامنا بجرأة كل ما حدث دون التستر على أحد لأن الحلول لن تحدث قبل أن يكون هناك مصداقية في تشخيص المشكلة أولا.