الرَّمزيـّـة في مجموعة أنا البطريرك القصصيّة لفخري قعوار

الرابط المختصر

فخري قعوار كاتبًا وقاصًا

ولدَ فخري أنيس قعوار سنة 1945م، في الرّويشد، مدينةٌ في أقصى شرق الأردن، وتتبعُ إداريًّا محافظة المفرق، قاصٌ وروائيٌّ أردنيٌّ، وعضوٌ مؤسسٌ لرابطةِ الكُتّابِ الأردنيين 1991م.

حصلَ على شهادةِ البكالوريوسِ في اللغةِ العربيّةِ وآدابِها من جامعةِ بيروت، سنة 1971م، وعملَ موظفًا في دائرةِ العلاقاتِ العامّةِ بجامعةِ اليرموك، ومدرّسًا، وصحفيًّا. 

انتُخِبَ أَمينًا عامًا للاتّحادِ العامِّ للأدباءِ والكُتّابِ العربِ 1992م، ونائبًا في البرلمانِ الأردنيِّ 1989م. حوّلتْ بعضُ كتاباتِه إلى مسلسلاتٍ تلفزيونيّة، كما حظيتْ أعمالُه الأدبيّة لا سيّما القصصيّةُ باهتمامِ الباحثينَ، والدّارسين، والأكاديميين.

من أعمالِه الأدبيّة: ثلاثة أصوات 1972م، وممنوع لعب الشّطرنج 1975م، أنا البطريرك 1981م، والبرميل 1982م، والخيل والليل 2009م، وغيرها من الأعمالِ القصصيّة، وله روايةٌ عنوانُها عنبر الطّرشان 1996م(1).

نحاولُ في المقالِ معاينةَ الرّمزِ في مجموعةِ "أنا البطريــرك" للقاصِّ الأردنيّ فخري قعوار، ومن ثَمّ استكناه المضمرَ الثّاوي في ما وراء المعنى الظَّاهر.

ليس من مهامِ الأدبِ ووظيفته نقلُ الحالةِ الشّعوريّةِ والنّفسيّةِ إلى القارئِ نقلاً حرفيًّا مباشرًا، فالأدب يلمّح ولا يصرّح. بالمقابلِ، لا يعني أن يكون الأدبُ شعرًا كان أم نثرًا غامضًا ومبهمًا، بحيث تعجزُ المخيّلةُ عن إدراكِ أهدافهِ، ومراميه، وغاياته. من هنا، تكمنُ مقدرةُ الأديبِ في نقلِ واقعَ تجربتِه إلى لغةِ الرّمزِ والإيحاءِ، وكون الإيحاءِ إحدى سماتِ الأدبِ الفنّيّةِ، فإنّهُ غالبًا ما يتطلّبُ قارئًا على قدرٍ كبيرٍ من الوعــي، والذّكاء، والفطنةِ، والمعرفة.

 

الرّمزيّـــــة

ظهرتْ الرّمزيّةُ كمذهبٍ فنّيّ ونقديٍّ في النّصفِ الثّانيِّ من القرنِ التّاسعِ عشرِ، وتُعرف بأنّها اتّجاهٌ باطنيٌ، تسعى إلى اكتشافِ العالمِ الباطنيّ، وعالم اللاوعي(2). 

 

إنَّ استخدامَ الرّمزِ كتعبيرٍ عن حالةٍ نفسيّةٍ عميقةٍ لا يستطيعُ العقلِ الواعي إدراكها، وبــهذا، فإنّ الرّمزَ لا يقعُ في الاعتباطيّةِ والمجانيّة والعشوائيّة، إلّا إذا أراد الأديبُ أنْ يكونَ نصَّهُ الأدبيِّ ضربًا من التّهويمِ والتّلغيز والتّعويم.

 

أنا البطريــــرك

 

صدرتْ المجموعةُ القصصيّةُ الموسومةُ بعنوانَ "أنا البطريرك" لفخري قعوار في عمّانَ، سنةَ 1981م، عن منشوراتِ رابطةِ الكُتّابِ الأردنيين، مصممةً من غلافٍ ورسوماتٍ داخليّةٍ للفنانِ والنّاقدِ التّشكيليِّ عبد الرّؤوف شمعون، وتتوزّع على مئةٍ وإحدى عشرةَ صفحةً، وتتضمّنُ إهداءً وستَ عشرةَ قصّةً، مذيّلةً بتاريخٍ يشيرُ إلى زمانِ كتابتها(3).

 

يتراوحُ السّردُ في قصّةِ "المطاردةِ" بين الضّميرينِ: المتكلِّم والغائب، وتـأويليًّا، لو تأمَّلنا عنوانَ القصّةِ، لتكشَّف لنا ما وراء الكلمة الظّاهرة، فـالمطاردة تعبيرٌ عن حالةٍ نفسيّةٍ مضطربةٍ، قلقةٍ، خائفةٍ، غير مستقرّة، فالذَّات السَّاردة لم تعبِّر عن حالتها الشّعوريّة تعبيرًا مباشرًا، وإنّما لجأتْ عبرَ تطويعِ الصّورةِ الخياليّةِ الرّامزةِ الموحيّةِ بحالتها النَّفسيّة. 

يمثّلُ الجبلُ في قصّةِ "الصّعودِ إلى الجبلِ" رمزًا للخلاصِ، والحرّيةِ، والتّحدِّي، والإصرار .

وفي سخريةٍ مبطّنةٍ، تجسّدُ قصّةُ "بائعةِ الحليبِ" خللَ منظومةِ العدالةِ القضائيّةِ والقانونيّةِ من إجراءات التّقاضي إلى القضاء.

كما تمثّلُ الأمُّ في قصّةِ "الأمِّ" رمزًا مضادًا ومناقضًا للمثلِ العربيِّ القديمِ، بأنَّ الحُرّةَ تجوعُ ولا تأكل بثدييها. وامتدادًا لقصّةِ الأمِّ، تجسّدُ المرأةُ في قصّةِ "الشّرفِ" ضحيّةَ الأعرافِ الاجتماعيّةِ الجامدةِ، والعقليّةِ المتخلّفة؛ إذْ أُريق دمُها في سبيلِ الحفاظِ على شرفِ العائلة.

وقصّة "القندلفتْ" خادمُ الكنيسةِ، تجسّدُ مثالاً على طبقيّةِ المؤسسةِ الدّينيّةِ، بحيث ظهرتْ الطّبقيّة بين طبقةٍ متعلّمةٍ غنيّة ومهمّشة فقيرة، فالكاهن الجديد ظهرَ في القصّةِ كشخصيّةٍ سلطويّةٍ قامعةٍ ومتعالية ونرجسيّة، بالمقابلِ، ظهرَ الخادمُ عبئًا على المؤسسةِ الدّينيّةِ كونه أُميًّا وفقيرًا. 

جاءَ الرّمزُ في قصّةِ "رجلٍ في القاعةِ" على شكلِ سخريةٍ وتهكّمٍ، في إطارِ نقدِ رأسِ هرمِ السّلطةِ السّياسيّةِ، المتمثِّلِ في القصّةِ بالرّجلِ المهيبِ في طريقةِ اختيارِ وزرائه وعزلهم، وتوزيع المناصب العشوائيّة بصورةٍ ساخرةٍ ومضحكةٍ.

 

و"المفاجأة" قصّةٌ رمزيّةٌ عن حقيقةِ الحياةِ وانقضاءِ أجلِ الإنسانِ غير المحدودِ، ورمزيّة القصّة تكمنُ في أنّها قائمةٌ على موتِ الشّخصيّةِ المفاجئةِ دونَ تحقيقِ ما تصبو إليه.

 

وقصّة "الحصان" تشيرُ إلى رجلٍ أشهرَ مسدسَهُ بغضبٍ على أبنائِهِ طالبًا أن ينتبهوا ويعتنوا بصحّةِ الحصانِ وطعامه، وبطبيعةِ الحالِ، فإنَّ الحصانَ رمزٌ من رموزِ الجَمالِ، والقوّةِ، والعنفوانِ، والسّلطةِ، والحرّيةِ، كما يرمز إلى الهُويّةِ، والكرامةِ، والعِرضِ، والشّرفِ، وبهذا، فإنّ بقاءَ الأبناءِ على قيدِ الحياةِ مرهونٌ بالحصانِ وسلامته، من هنا، يصبحُ الحصانُ في القصّةِ معادلاً للإنسانِ، والوطنِ، والحياةِ.

ويرمزُ الجملُ في قصّةِ "الثّأرِ" إلى القوّةِ، والصّبرِ، والكبريـاءِ.

 

جاءَ الرّمزُ في قصّةِ "المطرقةِ والسّندان" على طريقةِ الإسقاطِ، بحيث تمثّلُ المطرقةُ الجانبَ المتسلِّط، والسّندان الجانبَ الخاضِع.

 

في النّهايةِ، نستطيعُ أنْ نقولَ بشكلٍ ما: إنّ الرّمزَ في المجموعةِ القصصيّةِ الموسومةِ بعنوانَ "أنا البطريرك" لفخري قعوار، يحملُ في طيّاتِهِ أنساقًا ثقافيّةً مضمرةً، سياسيةً، واجتماعيّةً، ودينيّةً.

 

• باحث وناقد، حاصل على درجة الدّكتوراه في الأدب والنّقد الحديث

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

إحــــالات

(1) انظر، معجم الأدباء الأردنيين في العصر الحديث، منشورات وزارة الثّقافة، ط1 ـ 2014م، ص 221 ـ 222.

(2) انظر، الأدب ومذاهبه: محمّد مندور، دار نهضة مصر للطّبع والنّشر، ص 108 ـ 111ـ 112.

(3) انظر، أنا البطريرك: فخري قعوار، منشورات رابطة الكتّاب الأردنيين، ط1 ـ 1981م.

أحمد البزور، مواليد الزّرقاء، سنة ١٩٩٠، حاصلٌ على درجة الدّكتوراه في الأدب والنّقد الحديث من الجامعة الأردنيّة، وعضو في الاتّحاد الدّولي للغة العربيّة، ولديه العديد من الأبحاث المنشورة في مجّلات محليّة وعربيّة محكّمة، وكتب عددًا من المقالات والمراجعات عن الأدب والنّقد في الصّحف والمواقع الإلكترونيّة المتخصصة.