الحركة النسوية الأردنية والعربية: التحديات موجودة وكذلك الأمل والإلهام
مرّ آذار هذا العام باحتفالاته المتنوعة وتذكيره لنا بيوم المرأة العالمي، في وقت تمتلئ فيه المنطقة العربية بالحروب والأزمات وما تبعها من ظروف سياسية واقتصادية سيئة، أثرت بشكل كبير على كل ملفات حماية وتمكين المرأة، وجعلت التقارير تتوالى عن العنف الممنهج ضد النساء والفتيات كنتيجة لهذه الأوضاع.
فيما اكتفت معالم ردود الفعل النسوي بالاحتفالات وعقد المؤتمرات الاعتيادية، واللقاءات، والندوات المشابهة والتي تعد بالمئات، وتتويج المرأة لقيادة مؤسسات رسمية ومدنية شكلياً أكثر منه فعلياً في معظم الحالات، غاب دور الحركة النسائية الأردنية والعربية في القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية الكبيرة؛ وحيد صوتها عن طاولة صنع القرار في العديد من المواقف التي تتعلق بالمنطقة وأزماتها، رغم محاولة جلالة الملكة رانيا العبدالله بنفسها إيصال الرسائل للأمم المتحدة حول المعايير المزدوجة، وتقديم الدعم المعنوي والمالي لغزة، ووقوفها في أوائل الصفوف للمطالبة بالحقوق والمساءلة عن بعض المواقف اتجاه منطقتنا، إلا أنه وبحسب العديد من المراقبين والتقارير الدورية الحالية التي تصدر عن مختلف الجهات الرسمية وغير الرسمية، هناك عن تراجع تأثير الحركة النسوية الأردنية والعربية بشكل عام بالرغم من الجهود الكبيرة التي تقدر للبعض، مما يدق اليوم جرس الإنذار حول أسباب هذا التراجع والانسحاب من المشهد العام، ومحاولة البحث عن سبل تصويب أوضاعها وتعزيز دور المؤسسات المعنية بذلك.
هنا؛ طرحت عضوات شبكة نساء النهضة، إحدى شبكات منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، في حوارها الشهري (نقش)، مواضيع وآراء متباينة بشأن تكييف وضع الحركة النسوية، وكيفية بث الأمل والإلهام للأجيال الجديدة، وإيجاد الزخم الذي يفترض أن يقوم بالإسهام في المجتمع بمشاركة نسائية فاعلة، والاستمرار بالعمل على القضايا المتعلقة بالمرأة الشائكة على الصعيدين الوطني والإقليمي.
ووفقاً للعضوات اللواتي أكدن على أن هناك تراجعاً في الخطاب النسوي، وابتعاده عن المشاركة الحقيقية في الحياة السياسية، وهو تقهقر أكثر منه تراجع، خصوصاً مع تصاعد التيار الذي ينحصر في مطالب تنموية في المستوى الأساسي، أو استجابة لمشاريع ومبادرات مجتمعية بسيطة تطرحها المؤسسات الأجنبية، مما يحدث فوضى وضجيج كبيرين، لكن دون فائدة أو أثر على المجتمع، أو حتى زيادة في الوعي بقضايا المرأة.
فيما عزت بعض العضوات تراجع الحركة النسوية حقوقياً وسياسياً ضمن إطار تراجع كل القطاعات الأخرى، وأنه لم يعد هناك تركيزاً في العالم على حقوق المرأة وتمكينها لصالح التركيز على حقوق المستضعفين ككل يجمع بينهما.
أما أردنياً فنبهن إلى وجود تحديات كبيرة أمام الحركة النسوية، وذلك لأسباب متعددة، قد تكون منها بعض الأخطاء التي ارتكبتها الحركة النسائية نفسها وأدت لتراجع دورها، أو ثمة انسحابات لقيادات نسائية من المشهد لأسباب مختلفة منها الشعور باللا جدوى. ورغم نسبة التعليم المرتفعة بين صفوف النساء، لكنه كما لفتت إحدى العضوات فإن نسبة التعليم للمرأة لا تعكس المقدرة على تجاوز التحديات الكبيرة أمامها، وغالباً هو تعليم وليس تعلماً، “ولو كان تعلماً عميقاً لوجدنا النساء في بلدنا غير”.
كما أضافت بعض المشاركات في حوار “نقش”، أنه نتيجة كل ما سبق ظهرت حركة نسوية موازية للحركة التاريخية بدأت تبرز محلياً الآن، إلا أن اهتماماتها شكلية غير ممتلكة للمعرفة والأدوات الصحيحة، وأنها “تعد نفسها للمناصب وسحب السجادة من تحت أقدام صاحبات الخبرة في هذا الشأن الهام”، بعيداً عن قضايا المرأة الحقيقية. وامتدت إلى المحافظات، عبر قوانين الانتخابات ومشاريع المنظمات الخيرية والتنموية التي لا تهدف بالضرورة لمعالجة قضايا المرأة والمجتمع بشكل جوهري.
وأضفن “عادة ما نجد الأجيال الرائدة من المناضلات الحقوقيات ممن كان لهن أدوار نضالية وخبرة حزبية وسياسية أكثر تأثيراً من الجيل الحالي، وذلك لتطوير خبراتهن عبر السنوات والالتزام بالقضايا التي يعملن من أجلها، لكن هذا الجيل اقتصر على الصف الأول ولم يرافقه بناء أجيال مقبلة”.
غزة… فرصة لإعادة ترتيب الأولويات
سلطت حرب غزة وما يرتكب فيها من جرائم الضوء على تراجع الحراك النسائي، وهو ما لفتت إليه إحدى العضوات، بالقول إن:”مطالبتنا بإنصاف المرأة الفلسطينية ورفع الظلم عنها، تم عبر رسائل لم تصل سوى باب الأمم المتحدة، ولم تحقق شيئاً أو تاثيراً لا نوعاً ولا كماً، حتى بالمقارنة مع ما قدمه الغرب نفسه لقضيتنا، وهذا هو الحال أيضاً لقضايا النساء في اليمن وسوريا والسودان وغيرها”.
ومع ذلك، ورغم اليأس، استمرت الحركة النسائية الأردنية في دعوتها إلى احترام القانون الإنساني الدولي، الذي تم انتهاكه بشكل مستمر بسبب القصف المستمر للسكان المدنيين في غزة من قبل الاحتلال، وناشدت المنظمات النسائية الأردنية، الدول الأعضاء الأوروبية، لتحثها بموجب القانون الدولي بإصدار إدانات لا لبس فيها للجرائم الإسرائيلية في غزة، ووقف دعمها للاحتلال الإسرائيلي، وممارسة الضغط لوقف العدوان على سكان غزة، والامتناع عن ترحيلهم من منازلهم مع تسهيل إيصال المساعدات الطبية والإنسانية لسكان القطاع بشكل عاجل.
ومرة أخرى، حاولت النساء في هذا السياق أن يقمن بواجبهن لكن دون أدوات تسهم في تشكيل حالة يمكن البناء عليها وتصويب مسارهن.
وأشرن كذلك إلى أن غياب المناصرة الحقيقية والفاعلة للمرأة الغزية سواء إغاثياً أو حقوقياً، وحتى في المناسبات الدولية لم تستغل كما يجب بلفت أنظار الشعوب الحيّة لمعاناة النساء هناك.
الحركة النسوية.. المطلوب عمل جماعي بسياقات محلية
طالبت العضوات، المؤمنات بالدفاع عن ضرورة وجود حركة نسوية حقوقية قوية تكمل مسيرات نضالاتها وإنجازات التاريخية، وأن تقف المرأة وقفة مع ذاتها وتعيد النظر بخطابها وأولوياتها، لتدحض الخطاب المعادي على منصات التواصل الاجتماعي، الذي لم يتم مواجهته إلا بمحاولات فردية هنا وهناك، ولم يكن ذا تأثير في الأزمات.
وحسب وصف العضوات بالشبكة أشرن إلى أنه في الأردن هناك ازدحام وتجاذبات عديدة للعمل النسوي، لكن الأثر قليل ولا يتعدى التعديلات على التشريعات، وعادة ما يقتصر التركيز في المدن وبعيد عن المحافظات”. وأضفن “لا نرى فكراً نسوياً متحداً، بل قيادات منفردة ممن تحمل الصفات القيادية، وربما هذا يساعدها على الوصول لمواقع قيادية والتي باتت هي الهدف”.
كما رأين أن “تغول المنظمات الدولية والتمويل الأجنبي أربك المشهد المربك أصلاً، وأصبحت البرامج والمشاريع قائمة على أولويات الممول، في ظل غياب الدعم المحلي، ناهيك عن المنافسة للحصول على هذا التمويل أو ذاك، عمق مشكلة التنافس والفردانية والشخصنة في طرح القضايا”.
فيما سجلت المداخلات حدوث “تطور في العمل الاجتماعي الحقوقي، ومن ثم العودة إلى مزيج من العمل الاجتماعي التنموي والحقوقي، لكنه ليس التطور الذي نريده في المئوية الثانية من عمر الدولة الأردنية”.
وفي رأي وسطي بين “التراجع والتقدم” رأت العضوات أن الحركة النسوية لم تتراجع، بقدر أنه ومع تعدد الأهداف والمواضيع والأولويات على الساحة، وظهور الكثير من الجهات والمبادرات الداعمة للأهداف التنموية المختلفة، ومع ضعف التنسيق بينها لم يعد هناك زخم حقيقي قادر على التغيير”.
وتابعن أنه “لا يوجد مظلة حقيقية قادرة على تجميع الكل أو حتى الحديث باسم الأغلبية. فتجزأ العمل وتجزأ العاملون، وذلك مع غياب ثقافة التخطيط والعمل الجماعي القائم على الأدلة، إذ حتى لم تسهم مراكز البحث وانتاج المعرفة بشكل كاف في تقديم المزيد من الدعم لمؤشرات الانجاز والتقدم الكلي المطلوب، وعزلت نفسها بلغة تقنية لا تصل لغير من يعمل في هذا المجال، وحسب أولويات المشاريع البحثية المتجزأة والمحصورة في دراسة جزئيات دون القدرة على النظر بالقضايا الكبرى”.
ولاحظ بعضهن أن من أسباب التقهقر هو “تنوع وانتشار طرق التواصل في وقتنا وخصوصاً التواصل الاجتماعي، حيث أصبح جل ما نراه أو نسمعه هو عن طريقها وأصبح هناك اعتقاد أن الإنجاز هو ما يبث عليها، وبالتالي هناك الكثيرات من قادة الفكر والمبادرات لا يستخدمن هذه الوسائل أو غير متفاعلات عليها، وهذا لا يعني أنه لا يوجد عمل على أرض الواقع”.
حيث أضافت إحداهن “فعلاً يوجد فئة نشيطة على مواقع التواصل الاجتماعي وتتحدث بنفس نسوي، ولكنها أبعد ما يكون عن التفكير بالكل أو النضال لحقوق المرأة، ولا ألوم أحداً فالمعطيات مختلفة، ولذلك صار ممكناً أن يكون هناك حكم غير عادل على النسوية”.
وعلى مستوى العمل الصحفي أو الإعلامي المناصر لقضايا المرأة، فهو أيضاً غير مدعوم وغير منظم، وصوت النساء يخفت فيها لاعتبارات غياب الأطر الجماعية وكذلك الانشغال بالأولويات المهنية الأخرى”.
وختمت بعض الإعلاميات بالقول إن “نعاني من تشتت الخطاب النسوي، فكل مجموعة لديها دوافعها وأهدافها والتي تعاكس دوافع وأهداف مجموعات أخرى. وما نشهده هو جهود مشتتة منفصلة وموسمية للارتقاء بوضع المرأة، رغم وجود تطور ملحوظ في تواجد المرأة في سوق العمل والسياسة، غير أنه محدود، ويأتي نتيجة ظروف مواتية فردية تتعلق بشخص المرأة أو عائلتها أو الجهة الداعمة لها”. لذلك “ما نحتاجه هو المزيد من التنظيم، والتشبيك والثقة بأهمية الإعلام النسوي ودعمه”.
وأضافت العضوات، أن ما يعمق المشكلة، أنه في السنوات الأخيرة ورغم دعم التوجهات الرسمية لأجندات المرأة، إلا أن الدعم المادي اقتصر على ما يقدمه الممول الأجنبي وبشكل غير فعال للمشاريع في إطار عمل المنظمات التنموية، لذا تسعى غالبية هذه المنظمات لتنفيذ أنشطة ممولة (خارجياً)، حيث لا يوجد بشكل عام استدامة مالية لدى الجهات الوطنية أو ابتكار في تنويع مصادر التمويل إلا لدى قلة قليلة، ولا يوجد تنسيق كفاية بين هذه الجهات الأجنبية نفسها، وكل مؤسسة تمويلية لديها أطر عمل محدودة برامجياً وزمنياً، لا تدعم بالضرورة العمل التكاملي بين كل الجهات المعنية، وأيضاً تكون ليست معنية بمعالجة المشاكل الأكبر وتركز على أهداف محدودة ممكن قياسها وتحقيق آثارها في فترة المشروع، فلا نجد برامج مستدامة تعمل على دعم المؤسسات ذات أهداف استراتيجية واضحة، أو تدعم المرأة والفتيات بعيداً عن فكرة الخدمة الآنية والحملة لمناصرة قضية في مناسبة دولية عالمية.
أيضاً هناك تحدي يتمثل بأجندات هذه الجهات السياسية، والتي قد تبتعد عن بعض القضايا المجتمعية الأصيلة نتيجة لمواقفها إزاء هذه القضايا في دولهم، فعلى سبيل المثال لن تجد تمويلاً ولا أنشطة مناصرة مدعومة من هذه الجهات تتحدث عن فلسطين أو عن حقوق المرأة الغزية”.
وبنظرهن؛ فإن هذا ما أدى إلى الاتهامات بالتخوين والعمالة لجهات خارجية سلخت المجتمع عن عاداته وتقاليده الاجتماعية ومفاهيمه الدينية، حتى أصبحت كلمة (نسوية) في الفضاء العام وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي تقال للتهكم والسخرية والاتهام. وترافق ذلك مع جهود من جهات مختلفة لتحويل بوصلة المجتمع المدني من ملفات حقوقية إلى ملفات سياسية وتصفية حسابات شخصية”.
كذلك أضفن أنه “كان هناك خطأ استراتيجي للعديد من المنخرطات في العمل النسوي وهو تغريب الخطاب المستخدم وطرح أفكار منقولة دون التعمق أكثر بمدى وملاءمتها للسياق الاجتماعي والسياسي العام الذي نعيشه هنا، وكان الأجدى أن يتم اللجوء إلى مخزون السياق المحلي بتنوعه واحتياجاته، لدعم الخطاب الحقوقي المساند لقضايا النساء وحقوق الإنسان بالمجمل.
وخلصن إلى أنه “بالرغم من المحاولات من العديد من الجهات لتصويب المسار وتجميع المساهمين بالحركة النسوية للاتفاق على أولويات العمل، إلا أن هذه المحاولات لم يتم دعمها رسمياً بالشكل الكافي، وكانت هناك عراقيل بنيوية تمثلت في تعليمات العمل المجتمعي وقوانينه، حولت الجهد لجهد فردي بالمجمل ومشتت، زادت عليه “الترويج لقصص نجاح النساء كحالات فردية، ورغم أن ذلك مطلوب، لكن هذا لا يعكس في الحقيقة عدالة الفرص والتمكين للجميع بشكل جماعي منظم.
التحديات موجودة، وكذلك الأمل والإلهام
واستدركن أن هناك “بارقة أمل اليوم نراها تتجدد في أجيال صغيرة، وخاصة بعد الحرب على غزة، وسنجدها بشكل أشمل وأكثر واقعية في القضايا الحقوقية المختلفة ومنها قضايا النساء”.
وهناك أيضاً إنجازات وإن كانت صغيرة، لكنها مهمة ومطلوب أن نستمر بالعمل عليها وعدم ترك هذه المنجزات لتعود للخلف، وذلك بتحليل هذه التحديات ووضع البرامج والخطط للتصدي لها وبشكل جماعي، ومناصرة الجهات الرسمية لتدعم هذه الجهود وتفتح المجال للتقدم بثبات رغم تزاحم الأولويات.
مؤكدات على ضرورة تأسيس هوية للحركة النسوبة تتناقلها الأجيال وتطور عليها لتنطلق من سياقاتها المحلية، وتبني على المنجزات الوطنية والإقليمية والدولية، لتسهم في إحراز تقدم المرأة على كافة الأصعدة بما له أكبر الأثر لإحراز نهضة حقيقية لها ولمجتمعها ككل.
بالنتيجة؛ لا تزال رحلة النضال من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة في الأردن قائمة، وهناك مسؤولية على عاتق الجميع لضمان مستقبل الأجيال القادمة بالأمن والرفاه وتحقيق الطموحات المختلفة للنساء والفتيات ومجتمعاتهن.