الثقافة الغائبة.. رقابة الناخب على النائب

الرابط المختصر


تظل الرقابة الشعبية على النواب أحد أبرز الثقافات والممارسات الغائبة عن مجتمعنا، هذا الغياب الذي ينتج عنه في العادة سلسلة طويلة من قطع الاتصال والتواصل بين الناخب والنائب، مما ينتج عن هذا الغياب إدارة ظهر النائب لناخبيه،وعدم إشراكهم في صمنع السياسات العامة ورسمها.


إن أهم مهمات التمثيل النيابي هو إشراك جمهور الناخبين في وضع السياسات من خلال إشراك الناخبين في التشريع والرقابة عن بعد ومن خلال ممثليهم في البرلمان، وعبر قيام الناخب بالاتصال والتشاور وتقديم الملاحظات وتوجيه النائب الى مواقف وقضايا عليه تبنيها خدمة للصالح العام.
وما يجري في ممارساتنا الديمقراطية أن علاقة الناخب بالنائب تنتهي فقط فور مغادرة الناخب لصندوق الاقتراع، لتدخل تلك العلاقة في قطيعة متواصلة الى حين موعد الانتخابات المقبلة، ليعود النائب الى جمهوره ليصرف المزيد من الوعود والبرامج التي ستظل كالعادة مجرد أوهام وطموحات ينتظمها الكذب الإنتخابي، والخداع.
والمشكلة الأبرز أن أحدا من الناخبين لا يسأل نائبه عن مدى التزامه ببرامجه ووعوده التي صرفها شرقا وغربا إبان بحثه عن المؤيدين والناخبين، والأهم أن أحدا من الناخبين لا يسأل أو يحاسب نائبه عما أنجزه للصالح العام رقابة وتشريعا.
وبالمقابل فإن النائب نفسه لا يلقي بالا لناخبيه فور وصوله للبرلمان، فلم نسمع أن نائبا اجتمع مع ناخبيه ليستشيرهم في قضية ما سواء أكانت رقابية أو تشريعية، ولا أحد من النواب تطوع ليقدم لجمهوره جردة حساب لما قدمه في عمله البرلماني خلال دورة برلمانية واحدة على الأقل طالبا من هذا الجمهور محاسبته وتشديد الرقابة على عمله البرلماني اليومي.
إن القطيعة بين النائب والناخب التي تبدأ فور مغادرة الناخب لصندوق الاقتراع نتجت عنها مساحة شاسعة من الغربة التي يتحمل مسؤوليتها كلمن الناخب والنائب على حد سواء، وهي التي أفضت بالنتيجة الى ضعف الثقة بين الجانبين، ودفعت بالجمهور الى عدم المبالاة بالبرلمان ورجالاته مما انعكس ضعفا شديدا في التفاعل بين السلطة البرلمانية والناخبين.
ان ثقافة رقابة الناخب على النائب او الرقابة الشعبية على النواب هي من أكثر الثقافات الغائبة او المغيبة في حياتنا الديمقراطية، فالناخب لا يعرف حقوقه وحدوده، والنائب يضرب صفحا عن إشراك جمهوره في ممارسته البرلمانية، ويشعر بالارتياح لغياب القرابة الشعبية عليه.
قبل اسبوعين توليت تدريب نحو 65 شابا وفتاة على مدى ثلاثة أيام وبتنظيم من مركز القدس للدراسات السياسية على كيفية وأهمية الرقابة الشعبية على النواب، وفوجئت بالصدى الذي أحدثته ورشات التدريب تلك لدى الشباب المشاركين وحماسهم في تشكيل فرق شبابية لممارسة الرقابة الشعبية على نواب مناطقهم الإنتخابية.
كان هذا الحماس الشبابي اللافت للانتباه قد كشف لي أيضا عن غياب الثقافة البرلمانية وحقوق المواطن الدستورية وحقوق النائب لدى الكثيرين من الشباب المشاركين في تلك الدورة.
ناقشنا في أيام التدريب الثلاثة حقوق وحدود تلك الرقابة وما الذي تجب مراقبته وسؤال النائب عنه، وكيفية إدامة الاتصال والتواصل بين جمهور الناخبين والنواب، ومدى مشاركة الناخبين في صنع السياسات في الفضاء العام، وإلى أي مدى سيصل تأثير الرقابة الشعبية ليس على النواب فقد وإنما على لسلطة التشريعية، وكيف ستعيد تلك القابة إن تم تفعيلها نسج علاقة الثقة بين البرلمان والشعب.
ومن المؤكد ان عملا شبابيا تطوعيا يعمل على تأسيس لجان شعبية في مناطقهم الانتخابية للرقابة على نوابهم سيدفع بالنواب لتحسين أدائهم الرقابي والتشريعي، وسيدفعهم للعمل على الاتصال والتواصل مع جمهورهم، وسيشعر هذا الجمهور في الوقت نفسه أنه شريك لنائبه في صناعة ورسم السياسات العامة للدولة وبما يعزز من مصالح المجتمع في الفضاء العام، ومما ينعكس ايجابا على السلطة البرلمانية وهي اول خطوات استعادة الثقة بين الشعب وممثليه في البرلمان.