البيضاء.. تفاخر بتراث عريق وفندق بمليون نجمة

البيضاء.. تفاخر بتراث عريق وفندق بمليون نجمة

 "سأحدثكم عن بيضتي الصغيرة حاضنة البتراء الصغيرة، هي من أجمل الأراضي، ذهبية في رمالها وحجارتها وسكانها"، تقول الشابة ختمة العمارين أمام كاميرا الفيديو.

 
ختمة العلادية 20 عاما، تدرس "تربية خاصة" في جامعة الحسين بن طلال. وتعمل متطوعة في مكتبة شمس البيضا، وقفت مع زميلاتها من المنطقة والدارسات في الجامعة يتحدثن خلال زيارتهن لمركز شمس البيضا الذي يدعمه "رواد التنمية" التابع لشركة أرامكس في عمان و"آيركس" الممولة للمشاريع الإعلامية التنموية.
 
البيضا كما ترويها بناتها..


سألتها أولاً عن معاناتها من المواصلات اليومية في منطقة البيضا المحاذية لمدينة البتراء الأثرية التي تبعد حوالي 10 كيلو متر عن جامعتها "الحسين بن طلال" في معان، لكنها أرادت الحديث عن قريتها أولا.  
 
"أهلا بكم في قريتي البيضا، هذه القرية الوادعة بين جبال التاريخ والحضارة الإنسانية الأولى. تعلمت من خلال ورشة عمل تقيمها رواد التنمية كيفية تصوير وإنتاج الأفلام الوثائقية". 
 
بجانب ختمة، كانت عائشة العمارين، 19 عاما، تنتظر دورها في الحديث. "أدرس إدارة أعمال في جامعة الحسين بن طلال، قريتي هي البيضا فيها البتراء الصغيرة ومتحف العمارين ورغم اهتمامنا بالسياحة إلا أن وزارة السياحة لا تهتم بقريتنا..".
 
"منطقتنا نائية وصوتنا غير مسموع"، تقول عائشة. أما كوثر عمارين، 18 عاما، في المرحلة الثانوية في فرع إدارة معلوماتية، فتؤرقها المواصلات العامة.
 
وتوافقها عائشة التي تعاني من وسائط النقل العام. "هي أبرز ما أعانيه كفتاة، اضطر إلى ترتيب حصصي الجامعية قبل الساعة الثالثة كي أستطيع اللحاق بآخر حافلة متجهة إلى منطقتي".
 
من يقرأ المدونة


شاركنا الحديث عيسى عمارين الذي أصبح يتقن التدوين والتصميم وإنتاج الأفلام، وهو ما يزال في الصف التاسع. يتحدث بفخر عن انجازات ما كانت ستتحقق لولا مشاركته في مشروع "شمس البيضا" الذي يعلم أطفال المنطقة كيفية استخدام تقنيات إنشاء مدونات إلكترونية وكتابة ما يريدون عن منطقتهم وهمومهم.
 
"أول مدونة كتبتها عن حبي لكرة القدم وعن أمنيتي بإنشاء ملعب رياضي في منطقتي..أنتظر أن يقرأ أحداً مدونتي"، يقول عيسى.   
 
هجرة السكان قسرية


سكان قرية البيضا ينحدرون من عشيرة واحدة هي "العمارين" استوطنت القرية منذ خمسينيات القرن الماضي، يقارب عددهم الألف نسمة، يصفون أحوالهم بأنهم "مهملون" حكوميا، سواء على مستوى الخدمات المقدمة والبنية التحتية، أو سياحيا لكونها محاذية لما يعرف بالبتراء الصغيرة المتاخمة لوادي عربة.
 
تواجه المنطقة "خطرا" كما يؤكد مختار قرية البيضا، عيد العمارين. "فثلث سكان البيضا هاجروا منها" لأسباب ربطها مباشرة بعدم "توفر مساكن"، إضافة إلى عدم قدرة أصحاب الأراضي البناء عليها "كونها متبوعة مباشرة لرئاسة الوزراء، حيث لها أحكام خاصة تمنع بموجبها المواطنين من البناء وذلك لاعتبار المنطقة أثرية يحظر السكن فيها". 
 
"هذا الأمر مسيء لي كمواطن من البيضا"، يقول المختار الذي قابلناه في مكتبة داخل مبنى جمعية عمارين التي تنتج سجدا وبسط تراثية تباع لاحقا في عمان بأسعار معتدلة يعود ريعها لأبناء المنطقة العاملين في الجمعية.        
 
في العام 1982 قامت الحكومة ببناء 42 وحدة سكنية في المنطقة، لم تزيد من ذلك العام، ما أفرز مجموعة من السكان يقطنون الخيام التي لا تقيهم من برد الشتاء ولا حر الصيف، ما يدفعهم إلى هجرة قسرية من المنطقة.  
 
مدرسة دون كهرباء!


على مقربة من مكتبة شمس البيضا، تقام مدرسة الأطفال الابتدائية التي لا تزال دون كهرباء رغم تبرعات مخصصة للمدرسة وصفت بالجيدة. وهذا يدفع سكان المنطقة للتندر الدائم على تبرعات للمدرسة من الحكومة، هي عبارة عن 27 جهاز حاسوب. "كيف سيتعلم الطلبة طالما أن الكهرباء لا تصل المدرسة؟"، يتساءل المختار عيد.
 
ويروي المختار عن سائح أمريكي زار المنطقة قبل عشر سنوات وتبرع للمنطقة بمضخة مياه جيدة لتحسين وصول المياه للمناطق السكنية. "حاليا، المضخة دائمة التعطل ويقوم السكان بتصليحها بالترقيع لاستمرار دفق المياه بمعزل عن سلطة البتراء"، وفقا للمختار.     
 
تجارة كاسدة 


في جولة شملت "السيق البارد" المتاخم للمنطقة، تقام مجموعة من الخيام البلاستيكية حيث يعرض تجار المنطقة بضائعهم التراثية، غير أن لهم قصصا مع وزارة السياحة التي حددت لهم رقعة جغرافية ينبغي عدم تجاوزها حفاظا على النظام بدلا من الوضع العشوائي سابقاً.
 
التاجر هارون العمارين لم يتمالك نفسه صارخا: "نريد حلاً عادلاً، بأي شريعة تدفعنا وزارة السياحة أن نتكوم فوق بعضنا البعض". وسانده تجار آخرون تحدثوا عن تجاربهم الشخصية. يتساءل أحدهم محتجا: "لما لوزيرة السياحة الحق بإجبارنا على عدم تجاوز خطوط محددة والسياح أنفسهم لا يريدون أن يقفوا فوق بعضهم البعض". ويجيبه آخر: "لا يوجد اهتمام بنا من قبل الوزارة ولا نريد اهتمامها أصلاً".


الوزيرة مها الخطيب كانت قد زارت المنطقة في الصيف الماضي بغية الاطلاع على أحوال المنطقة وواقع التراث السياحي فيها.
 
تاجرة خمسينية ترتدي زيها البدوي حدثتنا عن تضررها من إهمال وزارة السياحة، محفزة المتجمهرين حولنا للمشاركة في الحديث. "لا أحد يسمعنا، رفعنا صوتنا عاليا، وذهبنا إلى السلطة البتراء والوزارة والعالم كله، لكن، لا أحد يسمعنا، نريد أن نتوزع ونوسع مساحة معروضاتنا".  
 
اصطحبنا سعيد العمارين إلى "السيق البارد" المحاذي لسوق التجار والمؤدي إلى جبل قارون ووادي عربة. "أنظر إلى إهمال وزارة السياحة. الدرج مخيف وغير مريح لمرور السياح. اضطررت بطريقة غير شرعية إلى تكويم الاسمنت على الدرجات كي يتمكنوا من المرور بسلام".
 
وشملت الجولة روايات سعيد وأولاده الشبان الذين يعاونوه في تجارته، عن أعمالهم التي أنجزوها بأبسط الإمكانات، كبيع المنتجات التراثية ومساعدة السياح والترجمة وتوجيههم في الطرق.
 
فندق بمليون نجمة


وإلى جانب محاولات سكان البيضا لابتكار أشغال صغيرة يعتاشون منها، كان هناك مشروع "مخيم البيضا" الذي يديره المستثمر "زياد زيد حمزة" الذي تعتاش منه عشرات الأسر العمارية. ويتلخص المشروع بخيام فندقية مقامة بنظام الغرف المزدوجة والمفردة، محكمة عصية على العوامل الجوية، ينزل فيها سياح تقدم لهم خدمات شبيهة بالفنادق الأخرى وبأجر مماثل.
 
"أتيت من أميركا إلى البيضا مباشرة"، يتفاخر زياد في حديثه عن تجربة المشروع. "هناك مئتا عائلة مستفيدة من المشروع الذي يشغل شبان عاطلين عن العمل". ويدرج المشروع في سياق "المساهمة في التنمية المستدامة". ويتفاخر وجهاء العشيرة كذلك بزياد الذي يخدمهم أكثر من الحكومة.
 
إذا كان للفنادق الفاخرة خمسة نجوم يتباهون بها، فهاهو فندق العمارين يفاخر بملايين النجوم المشعة في السماء الزرقاء، "ألا يكفي أنه يحافظ على تراثنا البدوي ويهتم بشباب المنطقة"، يقول أحد الشبان المستفيدين من المشروع. ويضيف المختار: "لندع الحكومة تقرر أي منهما أفضل لنا الحكومة أم مشروع المخيم". 
 
"هدفنا جلب الأنظار إلى البتراء الصغيرة التي تبعد عن البتراء السياحية 10 كيلومترات فقط، وإدراجها على الخارطة العالمية للمواقع السياحية"، يقول زياد الذي يؤكد أن مشروعه الذي يدعمه من ماله الخاص "مستمر إلى ما لا نهاية"، مدللا على نجاح المشروع بجهود السكان المتمسكين به.
 
على أن العديد من فنادق الخمس نجوم تقيم سهرات ليلية صيفية للسياح وحفلات موسيقية، بشكل يومي. وهو ما يعتبره سكان المنطقة غير منصف لكون الفنادق توفر المشروبات والطعام وكل المستلزمات، حارمة صغار التجار، من سكان المنطقة، من الاستفادة ببيع منتجاتهم للسياح.   
 
واشتكى عدد من السكان من ممارسات بعض المحتفلين في الخيام، كأن يتركوا أكياس القمامة مرمية هنا وهناك، ما يضطر سكان المنطقة للجمعها وتنظيف المكان.
 
"البيضا" التي تبعد عن عمان مسافة 286كم، اجتذبت مؤسسة "رواد التنمية" الناشطة في منطقة "جبل النظيف" في عمان في مجال دعم الأسر الفقيرة وتشغيل الشبان وتقديم منح دراسية جامعية لهم. ووجدت المؤسسة مكانا لها في البيضا التي هي بأمس الحاجة لمثل هذه المبادرات الخاصة.
 
بجانب الفندق-الخيام، يظهر مبنى صغير لا يتجاوز حجم غرفة، يعلق فيه شبان المشروع صورا لكبار رجال وسيدات العشيرة الذين تجاوزوا المئة وعشر سنوات، إضافة إلى أقمشة وحلي بدوية ومعلومات نشرت باللغة الإنجليزية تسهيلا على السياح الذين يسعدون في خدمة السكان وتقديم المبادرات الشخصية المستمرة من غذاء ومنام.    
 
ويطالب الستيني سعيد بإدراج تاريخ عشيرته "العمارين" في كتب السياحة لكونها، كما يقول، "قبيلة بدوية ثابتة في مواقعها وتعيش دون مساعدة أحد. وليعرف العالم أن لنا بتراء صغيرة لها من التاريخ ما يكسبها أهمية على هذه الأرض".
 
"إلى حين تحسين واقعنا سنظل مستمرين في عملنا ودراستنا ننشر ما يتيسر لنا على المدونات الإلكترونية والأفلام القصيرة التي ننتجها"، تقول الشابة ختمة.

أضف تعليقك