"البودكاست" يهدد بنهاية عهد المواقع الإخبارية في الأردن
يعتقد مراقبون للمشهد الإعلامي في الأردن أن عهد المواقع الإخبارية بدأ بالأفول لمصلحة أنماط إعلامية جديدة فرضتها منصات التواصل الاجتماعي وثورة التكنولوجيا.
ووفق هؤلاء فإن ثمة تغيرات وتحولات في المشهد الإعلامي تؤثر في دور المواقع الإخبارية التي ظلت إلى عهد قريب لاعباً رئيساً في مجال الإعلام بالأردن.
وعلى رغم أنها لا تزال أحد أهم مصادر الأخبار فإنها تواجه تراجعاً أمام وسائل إعلام جديدة أبرزها "البودكاست" الذي بدأ يفرض نفسه بقوة في الأردن ويكتسب شعبية متزايدة، فيما يصف آخرون التجربة بأنها خجولة ووليدة.
منصة جديدة
يبلغ عدد الإذاعات في الأردن 93 محطة إذاعية، بينما يبلغ عدد المحطات الفضائية 20 محطة، وعدد المواقع الإخبارية 107 مواقع في حين يبلغ عدد الصحف اليومية خمس صحف.
ومنذ سنوات تحول مزاج الأردنيين إلى متابعة وسائل التواصل الاجتماعي كبديل عن الإعلام التقليدي، وحظيت منصات مثل "فيسبوك" و"تويتر" و"إنستغرام" و"تيك توك" بثقة أغلب المتلقين على حساب تراجع شهدته الصحف ومحطات التلفزة، وأخيراً المواقع الإخبارية التي تربعت على عرش ثقة الجمهور الأردني لنحو 10 سنوات خلت.
ومع ظهور "البودكاست" توافرت منصة جديدة للتعبير عن الآراء وتقديم تحليلات متعمقة في مختلف المجالات، فضلاً عن السماح للمستمعين بالاستماع إلى المحتوى في أوقاتهم المناسبة وهو ما لا يتوافر في وسائل الإعلام التقليدية الأخرى.
ومع التحول الرقمي والتطور التكنولوجي، بات الإعلام بحاجة إلى وسائل أكثر سرعة وبمحتوى تفاعلي أقل جموداً، واليوم يمكن القول إن منصات "بودكاست" الأردنية باتت بالعشرات لكن القليل منها فرض نفسه بقوة على المتابعين.
رحلة الأفول
ويرصد صحافيون مستقلون كيف بزغ نجم الصحافة الأسبوعية كبديل للصحف اليومية مع عودة الحياة الديمقراطية عام 1989، بعد سنوات من الأحكام العرفية، وما لبث أن اندثرت الصحف الأسبوعية لتحل محلها المواقع الإلكترونية.
لكن ومنذ إقرار قانون المطبوعات والنشر عام 1993، تلجأ الحكومات الأردنية إلى إقرار تعديلات وقوانين متلاحقة مما تسبب في إغلاق 13 صحيفة أسبوعية عام 1997، حين وضعت شروطاً مالية تعجيزية لتأسيس الصحف، ورفعت رأسمال تأسيسها إلى أرقام فلكية. بعد سنوات تكرر المشهد بفرض الترخيص المسبق على المواقع الإلكترونية، وكان سبباً في إغلاق ما يقارب 173 موقعاً إلكترونياً عام 2012.
ووسط أزمات مالية حاده تحاول الصحف اليومية الورقية في الأردن منذ 2010 جاهدة البقاء والاستمرار في ظل متغيرات كثيرة جعلت من توليفة "الورق والحبر" إرثاً تاريخياً، أمام سطوة الإعلام الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي.
ويؤكد مدير تحرير صحيفة "الأنباط" اليومية خليل النظامي أن ثمة عوامل مختلفة تؤدي أدواراً مهمة في المفاضلة بين أشكال وفنون الإعلام والصحافة، أبرزها مزاج الجمهور المتلقي للرسالة الإعلامية الذي يبحث في العادة عن مضامين السهلة، علاوة على عاملي الوقت والجهد الذهني. ويضيف النظامي أنه خلال الفترة الأخيرة بدأنا نلاحظ أن "البودكاست" أصبح يؤدي ويوصل الرسالة الإعلامية بطريقة سهلة وعفوية، مما شكل ثورة في وسائل الإعلام وعبر منصات التواصل الاجتماعي، وبات يحظى بشعبية كبيرة مقارنة بالفنون الصحافية الأخرى التي نجدها في المواقع الإخبارية والصحف الورقية وصحافة الخبر السريع، وبالتالي وقع تأثيره في مستوى انتشار وشعبية المواقع الإخبارية والصحف. ويصنف النظامي "البودكاست" بأنه الأقرب لأذهان ومسامع الجماهير، وربما الأكثر تأثيراً بين الفنون الصحافية نظراً لما يتميز به من عفوية وبساطة وسهولة في صياغة الرسالة الإعلامية، علاوة على قصر الوقت والجهد المبذول لدى الجمهور المستقبل.
هل يكون ضحية القوانين؟
ويذهب الباحث المتخصص في الإعلام خالد القضاة إلى أن "البودكاست" فن صحافي راقٍ لديه مساحات في الانتشار والتغطية ومتوافر بشكل أكبر من الفنون الصحافية الأخرى. ويعتقد القضاة أن "البودكاست" سيكون له دور مهم مضيفاً "ما زلنا في الأردن في المراحل الأولى على رغم اتجاه الإذاعات بقوة إلى البودكاست واستخدامه لجذب الجمهور".
وينفي القضاة احتمالية أن يحل "البودكاست" مكان وسائل الإعلام الأخرى بخاصة المواقع الإخبارية التي لا يزال لديها روادها ومن يثقون بمحتواها، لكنه يشير إلى أن هذا النوع الجديد من الصحافة والإعلام بات يعالج القضايا بدقة أكثر وهو ما يجب أن تلتفت إليه المواقع الإخبارية وحتى الصحف. ويشير إلى مسألة مهمة وهي عدم وجود صحافيين مدربين على هذا الفن الجديد ولا حتى مؤسسات رسمية ترعاه وتهتم به. على رغم توجه عدد من طلاب الصحافة والصحافيين المستقلين نحوه بقوة. إلا أنه يخشى في الوقت ذاته من تنبه الحكومات لهذه المنصة الإعلامية الجديدة ومحاولة فرض قوانين لضبطها بخاصة مع وجود عدة قوانين كقانون المطبوعات وقانون الجرائم الإلكترونية وقانون المرئي والمسموع.
تجربة خجولة
من جانبه، يؤكد رئيس تحرير "راديو البلد" محمد عرسان أن أفول نجم المواقع الإخبارية ليس لمصلحة "البودكاست" فقط وإنما لمصلحة كل التقنيات الحديثة التي أفزرتها وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة للذكاء الاصطناعي الذي دخل إلى عالم الإعلام بشكل يهدد استمرارية الإعلام التقليدي بما فيه المواقع الإخبارية. ويضيف أن "البودكاست" يصعد بقوة لأنه يجذب الجمهور عربياً وعالمياً، لكن في الأردن التجربة لا تزال خجولة جداً من حيث المضمون والتقنيات كما هو الأمر في تجربة مصر ودول الخليج المتميزة، إلا أنه سيحتل مكانة واسعة على منصات التواصل الاجتماعي وسيأخذ حيزاً كبيراً من اهتمام الأردنيين مستقبلاً.
المواقع الإخبارية تتراجع
ووفقاً لإعلاميين يعاني المشهد الإعلامي الأردني بخاصة قطاع المواقع الإخبارية من تطورات وتحديات متسارعة أبرزها صعوبات التكيف مع متغيرات الإعلام الرقمي. فمن ناحية، برزت منصات إخبارية جديدة متنوعة تقدم محتوى إبداعياً وتفاعلياً، بينما تواجه المواقع التقليدية صعوبات في التكيف مع التغييرات الرقمية. كما تواجه المواقع الإخبارية قيوداً على حرية التعبير، وصعوبة في تحقيق الاستدامة المالية، ومنافسة شديدة في سوق الأخبار مع ظهور مواقع جديدة وتطبيقات تواصل اجتماعي تقدم محتوى إخبارياً. فضلاً عن نقص المهارات الرقمية لبعض العاملين لديها وانتشار الأخبار الزائفة والمضللة.
ويطالب متخصصون في هذه المواقع بالتوجه نحو المنصات الرقمية، مع التركيز على محتوى الفيديو والمحتوى التفاعلي، وتقديم محتوى أكثر عمقاً وابتكار طرق جديدة لزيادة إيراداتها أو مواجهة الزوال لأن مستقبلها يعتمد على قدرتها على التكيف مع التغييرات والتحديات.
وفي عام 2021 تلقت هذه المواقع ضربة قاصمة حينما أعلنت الحكومة عن تعديلات على قوانين الإعلام يتعلق بعضها بنظام رسوم الترخيص للمواقع الإخبارية رأى فيها مراقبون أنها ستحد من الحرية الصحافية وستفقدها القدرة على الاستمرار.