الأردن في 2025: استقرار سياسي واقتصاد متأرجح وإنجازات كسرت التوقعات

الرابط المختصر

رغم غياب الأحداث السياسية الكبرى على الساحة الداخلية خلال عام 2025، إلا أن المشهد الأردني تأثر بشكل ملحوظ بتطورات أمنية متسارعة وتداعيات إقليمية ودولية انعكست على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. 

كما فرضت قضايا الأمن الوطني، والملفات الحدودية، والتطورات في الإقليم نفسها بقوة على الداخل، في وقت شهد فيه الاقتصاد مزيجا من المؤشرات الإيجابية والقرارات المثيرة للجدل.

في المقابل، واجه المجتمع الأردني أحداثا اجتماعية مؤلمة وكوارث إنسانية شكلت اختبارا لقدرة الدولة على الاستجابة والحماية.

بينما حمل العام في وجهه الآخر إنجازات لافتة، لا سيما على الصعيد الرياضي، توجت بإنجازات غير مسبوقة للمنتخب الوطني لكرة القدم، وتقدم تاريخي في التصنيف العالمي للاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا.

 

الأمن ومكافحة الإرهاب في واجهة الأحداث

على الصعيد السياسي، قال أستاذ العلوم السياسية الدكتور بدر ماضي إن عام 2025 لم يشهد محليا أحداثا سياسية كبرى، إلا أنه تميز بالتركيز على الأمن الوطني ومكافحة الإرهاب، حيث شكل إحباط خلية الصواريخ في منتصف نيسان حدثا بارزا، بعدما أعلنت الأجهزة الأمنية اعتقال 16 شخصا كانوا يخططون لاستهداف الأمن الوطني.

كما شهد العام نفسه بحسب ماضي تشديد الإجراءات القانونية تجاه جماعة الإخوان المسلمين، شملت حظر الأنشطة وحل الفروع، في إطار ضبط المجال العام وتجفيف مصادر التمويل، وسط جدل داخلي حول الدور السياسي للحزب في ظل توجه رسمي متحفظ تجاه ممارساته ورسائله.

ومن ضمن الأحداث السياسية البارزة يقول ماضي التعديل الحكومي على حكومة الدكتور جعفر حسان في الـ  15 من شهر أيلول عام 2025،، حيث جاءت الإرادة الملكية بالموافقة على إجراء تعديل حكومي، يهدف إلى رفد الفريق الوزاري بقدرات جديدة وتسريع تنفيذ مشاريع التحديث.

أما على الصعيد الأمني، تعاملت الأجهزة الأمنية مع حادثة تنفيذ قواعد الاشتباك بحق مطلوبين خارجين عن القانون، تحصنا في أحد المواقع واستخدما والدتهما درعا بشرية لمنع استهدافهما، في واقعة أعادت تسليط الضوء على التحديات الأمنية وحرص الدولة على فرض سيادة القانون مع الحفاظ على أرواح المدنيين.

ولم تغب التوترات الحدودية عن المشهد، لا سيما في منطقة جسر الملك حسين، شكلت تحديا أمنيا، مع إغلاقات مؤقتة للجسر وحوادث إطلاق نار، إضافة إلى مقتل إسرائيليين في عملية إطلاق نار عند معبر الكرامة، إلى جانب استمرار محاولات تهريب المخدرات والأسلحة باستخدام الطائرات المسيرة، والتي تعاملت معها القوات المسلحة بحزم.

أما على الصعيد الملكي، فقد تميز العام بالعديد من الخطابات الملكية الهامة للملك عبد الله الثاني، منها خطاب العرش في افتتاح الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة في شهر تشرين الأول ، وكلماته في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبمناسبات إقليمية ودولية مثل مؤتمرات القمم والاجتماعات حول السلام والمناخ، بالإضافة إلى تهنئة بعيد الاستقلال.

وحول التطورات الإقليمية، أشار ماضي إلى أن حالة الاستقرار النسبي في سوريا أسهمت في خفض عمليات تهريب المخدرات وتقليص خطر الميليشيات، لا سيما الإيرانية، على الحدود الأردنية، ما انعكس إيجابا على الأمن الوطني.

 كما شهد العام عودة ما بين 170 و180 ألف لاجئ سوري إلى بلادهم، في تطور وصفه بالحدث السياسي والاجتماعي والاقتصادي المهم.

وساهم وقف إطلاق النار في غزة في تخفيف الضغوط السياسية والاجتماعية الداخلية على الأردن، ومنح الدولة هامشا أوسع لإدارة الانتقادات، فضلا عن إنهاء تحفظات بعض الدول ورعاياها تجاه زيارة المملكة، وهو ما انعكس إيجابا على القطاع السياحي.

 

 

 

الاقتصاد الأردني بين التعافي والتحديات

قال الخبير الاقتصادي والأكاديمي الدكتور قاسم الحموري إن من أبرز الأحداث التي شهدها الأردن خلال عام 2025 وكان لها تأثير مباشر على الاقتصاد الوطني، ما يتعلق بالتطورات في المشهد السوري، ولا سيما استقرار النظام السياسي في سوريا وتوقف جزء من العقوبات المفروضة عليها، وهو ما انعكس إيجابا على حركة التجارة الخارجية بين الأردن وسوريا، وعودة النشاط التجاري عبر معبر نصيب.

وأوضح الحموري أن هذه التطورات بدأت تظهر بشكل واضح على حجم التبادل التجاري، حيث سجلت التجارة الأردنية السورية نموا ملحوظا خلال الربعين الأول والثاني من عام 2025، معربا عن أمله في أن يعود حجم التبادل التجاري إلى مستوياته التي كان عليها قبل عام 2011 في أقرب وقت ممكن، معتبرا ذلك من الأحداث الاقتصادية المهمة التي شهدها العام.

وأضاف أن من التطورات الإيجابية أيضا، توقف العدوان بشكل أو بآخر على قطاع غزة، وما رافق ذلك من انعكاسات إيجابية على الدخل السياحي الأردني والقطاع السياحي بشكل عام، حيث شهد الأردن في نهاية العام زيادة في أعداد السياح والزوار، الأمر الذي أسهم في تنشيط الحركة السياحية وتحسين الإيرادات المرتبطة بها.

ومن الأحداث السنوية المعتادة ولكن المؤثرة، بحسب الحموري مناقشات الموازنة العامة، معتبرا أن استمرار إعداد الموازنة بالطريقة نفسها، ومناقشتها والتعامل معها بالآليات ذاتها، يعد حدثا اقتصاديا مهما رغم سلبيته، وأكد أن ليس كل ما يحدث يكون إيجابيا، بل إن استمرار الموازنة بنفس مستوى العجز وبنفس النهج في الإعداد يمثل حدثاً سلبياً له أثر واضح على الاقتصاد الأردني.

كما أثار قرار الحكومة تخفيض الضريبة على السجائر الإلكترونية وأجهزة تسخين التبغ لعام 2025 جدلا واسعا حول تأثيره على السوق والصحة العامة، باعتبار أن مكافحة التدخين تتطلب أدوات متعددة تشمل التوعية، الرقابة على الحدود والإنتاج، وتطبيق قوانين منع التدخين في الأماكن العامة، مشددا على أن رفع أو خفض الضريبة وحده ليس معيارا كافيا للحد من هذه الآفة، بحسب الخبير الاقتصادي منير دية.

وفي المقابل، لفت إلى وجود مؤشرات إيجابية تم الإعلان عنها خلال العام، تتعلق بوجود الغاز الطبيعي في الأردن، إضافة إلى احتمالية وجود النفط، معتبرا هذه الأخبار تطورا إيجابيا ومبشرا على المدى المتوسط والبعيد.

وحول المشاريع الكبرى، أوضح الحموري أن مشروع مدينة عمرة يعد من الأحداث المهمة، لكنه في الوقت ذاته يحمل جانبا سلبيا على الاقتصاد الأردني، نظرا لمحدودية الموارد المالية، حيث إن إنفاق مليارات الدنانير على هذا المشروع يفوت الفرصة لتوجيه هذه الأموال نحو مشاريع أكثر أولوية، وفي مقدمتها مشروع الناقل الوطني للمياه ومشروع سكة الحديد.

ولفت الحموري إلى أن قرارات اقتصادية مثل وقف حبس المدين، وتقييد الحبس على ديون محددة، كان لها أثر ملموس على حياة المواطنين، في حين أثار قرار عدم زيادة رواتب الموظفين والمتقاعدين جدلا واسعا، خصوصا مع استثناء الزيادة السنوية الطبيعية فقط.

في المقابل، استمر قطاع الطاقة يواجه تحديات كبيرة، كما لم تشهد أزمة النقل العام أي تحسن يذكر.

 

الأحداث الاجتماعية والكوارث الإنسانية

شهد الأردن خلال الفترة الماضية سلسلة من الأحداث الاجتماعية المؤلمة التي تركت أثرا واسعا في الرأي العام، وكان من أبرزها حوادث مدافئ الغاز المعروفة بالشموسة، والتي أسفرت عن وفيات وإصابات بحالات اختناق، مما دفع الحكومة إلى اتخاذ إجراءات مشددة ومحاسبة الجهات المقصرة.

كما أثارت وفاة طفلة تبلغ من العمر ست سنوات في منطقة البادية الشمالية حالة من الغضب المجتمعي، وأعادت تسليط الضوء على ملف العنف الأسري ضد الأطفال، باعتباره قضية ملحة تستدعي تدخلا عاجلا وتشريعات أكثر صرامة لحماية الطفولة في الأردن.

وفي أيار الماضي، شهد وادي النخيل في محافظة معان فيضانات مفاجئة خلفت خسائر بشرية وأضرارا مادية جسيمة، في واحدة من أقسى الكوارث الطبيعية التي شهدتها المنطقة.

إلى ذلك، وقوع حادث مؤلم في منطقة الظليل، حيث تعرض ثلاثة أشخاص لإصابات أثناء عملهم في جمع الخردة، توفي أحدهم متأثرا بإصابته، فيما لا يزال المصابان الآخران يتلقيان العلاج، ما أعاد طرح تساؤلات حول شروط السلامة المهنية وحماية العاملين في الأعمال الخطرة.

 

الرياضة والإنجازات التاريخية

على الصعيد الرياضي حقق منتخب الأردن لكرة القدم على إنجازا تاريخيا بتأهله إلى نهائيات كأس العالم 2026، بعد فوزه على منتخب عمان 3–0 في حزيران، 

كما وصل المنتخب إلى نهائي كأس العرب قبل خسارته أمام المغرب 3–2 في النهائي، ليتوج بلقبه الثاني في البطولة، بعد مباراة مثيرة.

في شهر آذار  استضافت عمان بطولة آسيا للمصارعة 2025 في صالة الأميرة سمية في عمان، بمشاركة واسعة من دول القارة.

 

الاقتصاد والابتكار الرقمي

شهد الأردن قفزة نوعية في الابتكار، حيث حصل على المرتبة 65 عالميا في مؤشر الابتكار لعام 2025، وهو أفضل أداء تاريخي للمملكة.

كما صنف البنك الدولي الحكومة الرقمية ضمن الفئة (A) الأعلى عالميا، محتلة المرتبة 21 عالميا والرابعة عربيا.

وفي إطار رؤية الأردن 2025 لتحقيق الاستقرار المالي وجذب الاستثمارات، تم البدء بمشاريع كبرى مثل تحلية المياه (الناقل الوطني) وافتتاح مدينة الزرقاء الصناعية.

 

الثقافة والشباب

ومن الملفات الهامة التي حدثت في عام 2025 على الصعيد الثقافة والشباب، اختيار عمان عاصمة الشباب العربي استضافت العاصمة الأردنية فعاليات عمان عاصمة الشباب العربي لعام 2025، والتي تضمنت برامج ثقافية ورياضية واسعة النطاق لتعزيز دور الشباب في العالم العربي.

كما انطلق مهرجان "أمواج العقبة" كأكبر مهرجان فني وثقافي استمر طوال العام، بالإضافة إلى الدورة الأربعين من مهرجان جرش للثقافة والفنون.

 

امال عام 2026 

وبالنظر إلى عام 2026، يتوقع ماضي أن يكون ملف حزب جبهة العمل الإسلامي من أبرز القضايا المؤجلة، سواء من حيث استمرار الحزب بصيغته الحالية أو توجهه نحو تغيير أطره السياسية والقانونية، أو احتمالية حله، لما لذلك من أثر مباشر على الوضع الداخلي.

وأكد أن الأردن سيواصل دعمه للقضية الفلسطينية، والمساهمة في تثبيت الهدنة ووقف إطلاق النار، إلى جانب الاستمرار في دعم الاستقرار داخل سوريا، كما سيحافظ على علاقاته المتوازنة إقليميا ودوليا، مع مزيد من الانفتاح والاعتراف الدولي بالدور الأردني وقيادته.

وحول توقعاته للعام المقبل في ظل الملفات الاقتصادية التي شهد بعضها تطورا فيما لا يزال بعضها الآخر عالقا، يقول الحموري ليس من باب التشاؤم، ولكن من خلال المتابعة والمراقبة، أجد أن الحكومة تكرر النهج نفسه في كل عام، ولذلك لا أتوقع حدوث تغيير جذري. 

وأضاف أن أقرب التوقعات هي أن تستمر الأوضاع على ما هي عليه، بحيث يكون عام 2026 امتدادا لما سبقه، تماما كما كان 2025 امتدادا لـ2024.

وأشار إلى أن الرؤية الاقتصادية نفسها سيمضي عليها أربع سنوات مع حلول العام المقبل، دون أن تسجل تقدما ملموسا، مؤكدا أن الأوضاع الاقتصادية ما تزال صعبة على المواطنين، في ظل استمرار حالة المراوحة وعدم إحداث اختراق حقيقي في الملفات الاقتصادية الأساسية.