لقد تم تغليف الكتب في الصناديق الخاص بها قبل إعادتها إلى المخازن ، وتم تفكيك الأكشاك وإزالة كل اللافتات التي تحمل أسماء دور النشر إيذانا بانتهاء معرض عمان الدولي للكتاب، ذلك المعرض الذي أسدل الستار على نسخته الحالية وسط اهتمام كبير من قبل جمهور المثقفين من الجنسين ، المؤلفين منهم والباحثين ، هذا المعرض ضم بين جنباته كل عناصر الإبداع الثقافي ومكونات هذه العملية من الكاتب والناقد والناشر والموزع والقارئ .
ورغم أن العديد من الناشرين والموزعين أعربوا عن امتعاضهم من ضيق المكان وارتفاع أسعار المشاركة في المعرض مقارنة بالمعارض الأخرى مثل معرض القاهرة ، الا ان الجميع بلا استثناء اجمع على ان هذه التظاهرة الثقافية وهذا الاندماج بين الكتاب والمؤلف والجمهور وخاصة الشباب هو عمل رائع وناجح بكل المقاييس.
اللافت للنظر في معرض عمان الاخير كثرة مظاهر توقيع الكتب من قبل مؤلفيها ، مما خلق تقاربا محمودا لا يحدث الا في معارض الكتاب، فهو يجمع ما بين المؤلفين المعروفين وغير المعروفين وبين الجمهور ، فلا تكاد تكون أي دار نشر مشاركة في هذا المعرض إلا واقامت حفل توقيع لأحد كتبها من قبل مؤلفه ، فتجد هناك في الزاوية مؤلفة توقع كتابها لمجموعة من الشابات والشباب، وهذا المؤلف الكبير إبراهيم نصر الله يوقع كتبه في أكثر من مكان لدار نشر مختلفة وسط احتفاء كبير به من قبل جمهوره وعشاقه وهناك في مكان آخر من المعرض تجد الروائي المعروف أيمن العتوم يوقع ايضا كتبه وخاص الأخير الذي يتحدث عن حرب الإبادة في غزة .
وبالقرب من مكان توقيع العتوم ، جلس رجل دين أو شيخا يوقع مؤلفاته الدينية للشباب والشابات أيضا ، وعلى بعد امتار منهم كانت هناك مؤلفة توقع كتابها .
وفي قاعة اخرى يصطف المئات من الصبايا والشباب من أجل توقيع كتاب عن الجن و رواية بوليسية متخلية فضائية ، هناك إقبال كبير كان على مؤلف تتحدث مؤلفاته عن الشباب و عالم الغموض.، في مكان فسيح وجدنا الصديق الصحفي الكاتب الجميل صبحي الحديدي قادما من باريس خصيصا من أجل توقيع كتابه الجديد عن محمود درويش ، وفي اقصى المعرض تجد مجموعة من الكتاب والأدباء في حوار عميق فيما بينهم حول الأدب والثقافة في العالم العربي واحوال البلاد والعباد ،
وفي زاوية اخرى تجد حوار عميقا بين ناشر مشارك وناشر زائر من أجل توثيق التعاون بينهما في المستقبل لنشر مشترك وإصدار كتب جديدة .. وهناك وجدنا صحفي نشط متخصص بالثقافة والأدب والكتب يتجول بين أكشاك الناشرين باحثا عن ضالته في كتاب يحمل عنوانا أو موضوعا مثيرا من اجل الكتابة عنه أما مدحا أو نقدا .
أما في قاعة الندوات والمحاضرات فكانت دائما تشهد عقد الندوات الادبية الرائعة والمواضيع الشيقة التي تهم كل عاشق للثقافة والأدب وغيرها ، ورغم أن الحضور بشكل عام كان قليلا للغاية إلا أن هذا الحضور كان مميزا متخصصا عشاقا للحرف والكلمة والكتاب .
إنها صورة حي لمعرض كتاب كله نشاط وتفاعل رغم بعض الملاحظات السلبية هنا وهناك والتي يمكن تجنبها في المستقبل وخاصة ظاهرة تدخين الكُتاب والمثقفين والناشرين داخل أكشاك الكتب ،وهذا لا يعتبر مظهرا حضاريا، وملاحظة أنه من الضروري إظهار جدية اكثر من قبل الجالسين في أكشاك الكتب من أجل الترويج لبضاعتهم وإقناع الجمهور باهمية اقتناء كتبهم .
إلا أن هذه التظاهرة الثقافية كانت ناجحة ، وزادت من التوعية لدى فئة الشباب باهمية اقتناء الكتاب واهمية قراءة هذه الكتب ، كما أن الاحتكاك عن قرب بين المؤلف والقارئ هو عمل بالغ الاهمية ويصب في مصلحة الطرفين وتغيير وجهة النظر لدى الجمهور من أن المؤلف المغرور يعيش في برجه العاجي مترفعا عن الجمهور،
وهنا يجب توجه كلمة شكر لكل القائمين وكل من ساهم بانجاح هذه التظاهرة الحضارية التي لا مثيل لها بين الشعوب المتحضرة ، ولا ننسى أن الكتاب هو العنوان الرقي والحضارة والثقافة.