إقرأ يا عربي، إقرأ
إذا أردت أن تتعرف أكثر على المكانة العلمية التي وصلت إليها إيران اليوم، لا تأخذ كلامي ولا تصدقني، بل كلف نفسك عناء البحث واقرأ ماذا يقوله الإسرائيليون بأنفسهم عن هذا الموضوع...
وهنا سأعيد تلخيص التقرير المفصل الذي نشرته الجيروساليم بوست في كانون ثاني 2016 بعنوان:
"هل ستنتصر إيران في الحرب التكنولوجية؟"
(الرابط في التعليق الأول)
يبدأ تقرير الجيروساليم بوست بتعريفنا على رئيس الإستخبارات العسكرية الإسرائيلي، الجنرال هرتزل ليفي، والذي كان يرأس قبلها قيادة وحدة كوماندو "سايريت ماتكال" (Sayeret Matkal)، وهي من أعلى قوات النخبة في الجيش الإسرائيلي، والذي لقبته النيويورك تايمز بالجنرال المفكر (philosopher general)، لأنه كرس نفسه حسب التايمز لتعقب ودراسة:
"كل حركة وكل حرف وحتى كل خاطرة فكر لأعداء إسرائيل، وذلك لإنذار القادة السياسيين والعسكريين عن أي أخطار محتملة"
فما هو رأي الجنرال الإسرائيلي المؤتمن على أمن إسرائيل الإستراتيجي بالقدرات العلمية الإيرانية؟
في محاضرة مغلقة له في أكتوبر 2015 أمام كلية الإدارة في تل أبيب، قال ليفي أنه إذا سُئِل عما إذا ستندلع حرب مع إيران خلال عشر سنوات، فإن جوابه سيكون هو أن "إيران هي الآن أصلاً في حرب جارية فعلاً مع إسرائيل، وهي الحرب التكنولوجية"...
وفي هذه الحرب، اعترف ليفي أن إيران قد قاربت على إغلاق الفجوة العلمية مع إسرائيل، أي أن سرعة وتيرة هذا التقدم يعني أن إسرائيل هي الآن في حالة خسارة لتلك الحرب إذا استمرت بهذا المعدل...
أعطى ليفي العديد من العوامل لتقييمه، ومنها مثلاً أن تضاعف عدد الجامعات وطلابها في إيران منذ قيام الثورة بلغ عشرين ضعفاً، مقارنة مع ثلاثة أضعاف ونصف فقط في إسرائيل، وأن توجه الطلاب الإيرانيين نحو مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة في "تصاعد صاروخي إلى السماء"، على حد تعبيره، بنسبة 25 طالب من كل ألف، مقارنة بأربعة عشر طالب فقط من كل ألف في إسرائيل يتوجهون إلى تلك التخصصات الجامعية...
يستمر تقرير الجيروساليم بوست بعرض الإحصائية تلو الإحصائية عن تفوق إيران على إسرائيل في بعض المجالات، مثل ارتفاع أعداد البحوث العلمية المنشورة في المعاهد العالمية، فإيران هي السابعة عالمياً في كمية الأوراق البحثية في مجال النانو تكنولوجي حسب تقرير اليونيسكو، وأيضاً إرسالها قرد حي ليطوف في الفضاء وإرجاعه سالماً إلى الأرض، إضافة إلى القدرات الصاروخية المتطورة لإطلاق الأقمار الصناعية وللإستعمالات العسكرية...
صحيفة الجيروساليم بوست لم تكتفِ بشهادة الجنرال هرتزل ليفي، بل أجرت مقابلة مع باحثة عالية الشأن في أهم جامعة تكنولوجية في إسرائيل وهي معهد التكنيون (Technion) إسمها دافني جيتز، حيث شرحت هذه البروفيسورة المتخصصة في مراقبة التطور العلمي الإيراني أن التقدم المذهل في إيران يمكن تفسيره بعدة عوامل، منها الحصار والعقوبات نفسها، والتي جعلت الإيرانيين يستثمرون في العقول والعلوم بدلاً من الإعتماد على استخراج الثروة من الأرض...
ولكن جيتز لها رأي آخر في سبب هذا التقدم، فهي تقول، وأنا سأترجم حرفياً:
"في الغرب، يتم الإستحقار والإستهزاء بآيات الله الشيعة بشكل واسع، وعلى رأسهم قائد الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله سيد علي خامنئي، ولكن الخامنئي كان قد قرر وشَرَّعَ أن إيران سوف تتحول إلى قوة علمية كبيرة في المستقبل في كتابه المنشور "نعيم المعرفة" The Bliss of Knowledge (والمتوفر بالإنجليزية الآن)، والذي هو عبارة عن خارطة طريق تشرح كيفية تحقيق هذا الهدف... هل يمكن لأحد أن يتخيل الحاخام آهارون لايب شتاينمان، رئيس مجلس قديسي التوراة، بأن يلعب دوراً مماثلاً، بينما مدارس الأرثوذكس اليهود المتشددين ترفض حتى تدريس مادتي العلوم والرياضيات؟"
وتكمل البروفيسورة جيتز قائلة (واستحملوني، فأنا سأكمل ترجمة كلامها حرفياً كيلا أُتَّهَم بتحويره أو تأويله بأي انحياز من طرفي):
"في إيران، لا يوجد تناقض بين العلوم والتكنولوجيا وبين الدين، بل العكس هو الصحيح. فإن القادة الدينيين في إيران يقولون أن الإسلام هو يؤيد العلم، والخامنئي، المرشد الأعلى، يدعي في خطاباته أن الإسلام الحقيقي يتماشى يداً بيد مع العلوم والتكنولوجيا"
مقال الجيروساليم بوست، المستند على دراسات وإحصائيات وشهادات إسرائيلية ودولية، يستحق التوقف عنده طويلاً والتمعن به، ويتطلب منا التأمل بجدية وإخلاص في واقعنا بعد الترفع عن الأحقاد، والنظر إلى داخل النفس بصدقٍ وتَجَرُّد...
فالعرب أيها السادة الكرام لم يجنوا شيئاً من وراء معاداتهم لإيران، لا بل لقد جلب لنا هذا العداء الويلات والحروب والمآسي والدماء، فبدلاً من أن نتعلم من التجربة الإيرانية في مجالات العلوم لنستفيد منها نحن العرب في بلادنا ولمصلحة شعوبنا، اخترنا أن نناصب الإيرانيين العداء، وذلك لخوفنا من البعبع الصفوي المختلق في أوهام البعض، ولدرء خطر "التشيُّع" وباقي الكلام الفارغ المثير للإشمئزاز...
وهنا لا داعي لتذكيركم بأن العرب اليوم موجودون خارج حلبة التنافس العلمي الحاد مع إيران الذي تحدث عنه رئيس الإستخبارات العسكرية الإسرائيلي، ولا علاقة لهم به من قريبٍ أو من بعيد، فلا إيران ولا غيرها يحسدوننا على تخلفنا أو يروننا أكثر من ظاهرة صوتية...
فكلنا نعلم أن تقارير الأمم المتحدة عن شبه الأمية في عالمنا العربي وعن انعدام القراءة أو الترجمة المتفشية في دولنا، ناهيك عن شح البحوث والإختراعات واختفاء باقي مقومات الثقافة والتعليم والتطور، تصيب الإنسان بالإكتئاب المزمن والحزن المأساوي عند قراءتها...
هذا هو حالنا وهذا هو حالهم، فهل ما زلتم متمسكين بجاهليتكم وباحتقاركم لمن تسمونهم حقداً وإفكاً بالفرس المجوس؟