أنا كوبا: (بعد اكتشافه) أقوى الأفلام الدعائية وأكثرها جدلا واهتماما

الثورة الكوبية، وواقع كوبا في عهد الديكتاتور فولجنسيو باتيستا، وحياة فلاح كوبي يواجه الإقطاع، ومعارك الثوار الموالين لفيدل اكسترو، تلك مجتمعة تشاهدها في فيلم "أنا كوبا"، للمخرج الروسي ميخائيل كالاتوزوف. الفيلم يعتبر رائعة من روائع الأفلام التي أُنتجت عام 1964، هي الفترة التي شهدت نهاية عصر الديكتاتور فولجنسيو باتيستا الذي جاء بعده الثائر كاسترو، حيث جاء الفيلم في اربعة مقاطع يؤرخ كل جزء منها فترة معينة في تاريخ كوبا؛ الجزء الأول تناول حياة كوبا أبان عهد باتيستا، حيث انتشار الفقر والبطالة والمومسات ورجال الأعمال الأمريكيين، فيما يركز الجزء الثاني على حياة فلاح كوبي يحصد قصب السكر في أرضه، يتعرض للسلب من قبل إقطاعي، ما يؤدي بالنهاية إلى حرق محصوله للخلاص من سيطرة ذلك الإقطاعي، الجزء الثالث جاء صاخبا بالحركة وبتنقل الكاميرا، ذلك بسبب تتابع الأحداث من قتل في صفوف طلبة ثائرين أمام الشرطة في هافانا، ليأتي الجزء الرابع مؤرخا معارك الثوار الموالين لكاسترو الذين يقاومون القوات الحكومية داخل الجبال الكوبية، من أجل التحرر من سيطرة الحكم الديكتاتوري، لكن مع تجسيد لمعاناة عائلة كوبية يقتل طفلها في أحد القذائف التي تطلقها الطائرات العسكرية، حيث كانت تقطن العائلة في أحد التلال.



"أنا كوبا" أثار زوبعة إعلامية كبيرة داخل الولايات المتحدة الأمريكية، ذلك عند اكتشافه وأعادته إلى البث من جديد في روسيا، حيث كان محفوظا في الأرشيف السينمائي الروسي حتى عام 1995، ومن ثم تم نقله إلى الولايات المتحدة، ليثير عند عرضه ضجة واهتمام كبير في الأوساط السينمائية الأمريكية، لدرجة جعلت أعظم مخرجين أمريكيين، هما فرانسس فورد كوبولا ومارتن سكورسيزي، يتبنيا الفيلم، لدرجة أصبح فيها اسميهما على الفيلم.



أعتمد "أنا كوبا" على عدد قليل من الممثلين المحترفين، وعلى عدد كبير من الممثلين الهواة،لكن، اعتمد أولا وأخيرا على أشخاص عاديين من فلاحين وطلاب جامعة هافانا، الذين قاموا بأدوارهم بتلقائية.



خفة الكاميرا، والقوة البصرية في اللقطات، خصوصا في أحداث الشغب التي حصلت في الجامعة، التي أدت إلى مقتل طلاب على يد الشرطة، نتيجة معارضتهم للحكم. حيث يعيش المشاهد الأحداث، ليصف المراقبون المخرج بالمبدع الخلاق نتيجة تمكنه في التصوير والخفة، خصوصا وأن الفيلم أُنتج في الستينيات، ما دفع بعدد من نقاد السينما بالتمييز بين المضمون السياسي والعقائدي للفيلم وبين القوة السحرية له.



أقوى فيلم دعائي، ملك الأفلام الدعائية، يصفه النقاد، وترى مجموعة بأن مخرج الفيلم كالاتوزوف فشل في مهمته الدعائية لأن كوبا التي جسدها قبل 40 عاما، أفضل حالا من كوبا الآن.



وما ميز الفيلم، تقنيا، استخدامه اللقطة الطويلة، عبر كاميرا محمولة باليد مزودة بثلاثة مقابض، حيث تم نقل الكاميرا بسرعة من يد إلى أخرى، عبر فريق التصوير، وانتقلت الكاميرا من سطح الفندق عبر سلم على مبنى الفندق العالي الارتفاع، ثم انتقلت إلى بركة السباحة، وقامت بتصوير السابحين، تحت وفوق سطح الماء.



أنا كوبا، يعيد سرد التاريخ الكوبي الحافل بالثورات، عبر لغة سينمائية، استطاعت عبر مخرجها كالاتوزوف أن يسبر أغوار الطبيعة الكوبية في الكفاح وحب الكرامة، وما أراده الفيلم في الجزء الأول، عبر فتاة كوبية تعيش بين الأزقة الفقيرة أن تذهب إلى الملهى وأن تعود إلى بيتها في صحبة رجل، ويحدث الجماع، ويأتي صديقها الذي يود أن يخطبها ويراها في صحبة الرجل، عندها تعيش ألم الخيانة ونكران الحب لصديقها البائع المتجول.



وكما تؤكد نشرة الفيلم أنه جُوبه بالرفض في كوبا نفسها، فالاستنكار كانت ردة فعل السلطات الكوبية، لتصفه بأنه الفيلم المضاد للثورة، وأطلقت عليه في بعض الأحيان بلقب "لست كوبا".



رغم ما يقال عن الفيلم، يظل أنا كوبا من أهم أفلام أمريكا اللاتينية، وحتى الروسية، يعيد تأريخ كوبا بشكل أعتمد على براعة المخرج وكادر العمل، فرغم اختلاف تكنولوجيا التصوير، عبر سنوات طوال، ظل الفيلم قائما، وينال الاهتمام، واحترام من يتابعه رغم اختلاف الرأي حول ما تضمنه من أفكار.

أضف تعليقك