أمير المؤمنين فلاديميير بوتين

 

“Thousands of mercenaries, who have trained in camps on the territory of Chechnya as well as come in from abroad, are actually preparing to impose extremist ideas on the whole world. إنّ آلاف المرتزقة الذين يتم تدريبهم في معسكرات المناطق الشيشانية وألئك الذين يأتون من الخارج، يستعدون لفرض أفكارهم المتطرفة على العالم بأسره”.

 بينما كان الرئيس الروسي السابق «بوريس يلتسن» يطلق تحذيره هذا أثناء الحرب الشيشانية الأولى التي وقعت بين الجيش الروسي والمقاتلين الشيشان الساعين للانفصال، كان عشرات الآلاف من مرتزقة الجهاديين العرب الذين ما لبثوا أن فرغوا من المشاركة في المذابح التي ارتكبت أثناء الحرب الأهلية الأفغانية التي اندلعت بين أمراء الجهاد هناك من مثل: «قلب الدين حكمتيار وبرهان الدين رباني وأحمد شاه مسعود وجلال حقي وطالبان..» عقب انسحاب الجيش السوفيتي من أفغنستان سنة 1989؛ ينسلون ويتسللون عبر الحدود الداغستانية والإفغانية متوجهين إلى «ساحات الوغى» في الأراضي الشيشانية، لينضموا إلى أمراء الحرب فيها آنذاك وفي طليعتهم: الفريق «جوهر دوداييف» القائد السابق في سلاح الجو في الجيش السوفيتي والحاصل منه على 12 وساماً قبل أن يعلن تمرده وانفصاله بالمناطق الشيشانية عن روسيا الاتحادية، و«أصلان مسخادوف» العقيد المتقاعد من الجيش نفسه والحاصل منه على أوسمة الولاء والانتماء اللذان جسدهما قبيل تقاعده في مطلع تسعينيات القرن الماضي بمشاركته في عمليات الجيش الروسي لقمع لتوانيا بعد إعلانها الانفصال عن روسيا، وكذلك «شامل باساييف» المناضل الشيوعي السابق والإرهابي اللاحق ربيبة تنظيم القاعدة الذي بعد أن كان ممن ذادوا عام 1991 عن مقر الحكومة الروسية بقيادة «بوريس يلتسن» ضد محاولة الانقلاب السوفيتية من خلال ما سمي وقتها ب«لجنة الدولة لحالة الطوارئ»؛ قام بتنفيذ أبشع المجازر والعمليات ضد المدنيين الأبرياء تحت راية «الله أكبر»، ومن ذلك: عملية «مدرسة بيسلان» التي راح ضحيتها 331 مدنياً غالبيتهم الساحقة من الأطفال، وعملية الاستيلاء على مستشفى في مدينة «بودينفسك» واحتجاز مئات المدنيين فيها، حيث أسفرت هذه العملية الإرهابية عن مقتل ما لا يقل عن 100 شخصا، وكذلك عمليات تفجير متسلسلة لتجمعات سكنية روسية في مدن مختلفة سنة 1999، أسفرت عن سقوط عشرات القتلى، وعملية «مسرح موسكو» التي سقط فيها 129 مدنيا، بالإضافة إلى عمليات تفجير طائرتي ركاب روسيتين راح ضحيتهما 94 شخصا، وأخيراً وليس آخرا، تفجير إحدى محطات القطار في موسكو سنة 2003 ومحطة ميترو أنفاق في المدينة نفسها في السنة التالية ليسفر الهجومان الإرهابيان عن مقتل ما لا يقل عن 80 شخصا.. والقائمة تطول.

 «المجاهدون» الشيشان ومرتزقة الجهاديين الشرق أوسطيين الذين تقاطروا إلى «ساحات المعارك» خلال الحربين الشيشانيتين الأولى (1994-1996) والثانية (1999-2000) وما أعقب الأخيرة من تمرد استطال حتى عام 2009 ضد «العدو الروسي الكافر»؛ يتداعون اليوم للقتال إلى جانب العدو عينه ضد أوكرانيا، في مشهد هزلي تتقلب فيه المفاهيم والمبادئ تماماً كما يتشقلب «الأرجوز» بين الجماهير ليشتري رضاها لقاء ثمن بخس؛ دراهم معدودة. فبوتين «اللعين سافك دماء المسلمين الشيشانيين والأفغانيين»، أصبح اليوم «أميراً للمؤمنين» وحليفاً للإرهابيين الذين عافت أنفسهم مذاق دماء بني جلدتهم فأبوا إلا أن يتذوقوا دماء الأوكرانيين، وعيونهم تلمع طامعةً «بذات يمين أوكرانية، يطفئون بها شبقهم المريض الملتهب حتى يفيئوا بما وُعِدوا ومَنّوا به النفس من أرتال الحريم وكتائب الوصيفات».

 «أمير المؤمنين بوتين» كان قد صرح منذ مدة «أن روسيا لديها القدرة على الردع النووي إذا تعرضت لهجوم من أعدائها، وفي هذه الحالة، فإن الروس سيموتون شهداء ويدخلون الجنة، بينما لن يجد الأعداء وقتاً ليتوبوا قبل أن يموتوا»، فهل هذه المقاربة والمحاكاة «البوتينية» لشعار «قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار» تعكس وحدانية نمط التفكير النرجسي اليوفوري للإرهابيين ومجرمي الحرب على اختلاف عقائدهم ودياناتهم؟ أم ترى «الأمير بوتين أدام الله ظلّه وقدّس سرّه» يسخر من مرتزقته مسمعهم ما يطربون لسماعه حتى وإن كان سفسطة من القول أو هرطقة في أحسن الأحوال؟

 «الأمير والقيصر الصغير» بخبرته الاستخباراتية وحنكته السياسية، عرف وخبر الآفة القيمية والعُقَد السلوكية لدى مرتزقة الجهاديين الذين يقيّمون جرائمهم البشعة من حيث وضاعتها ووحشيتها ليس بناءً على طبيعتها الشاذة عمّا عرفته البشرية منذ فجر تاريخها من جرائم وأفعال دنيءة، ولا وفقاً لآثارها المخزية، وإنما بمن يرتكبها ومن ترتكب ضده، فعلى سبيل المثال، يعتبر احتلال بلاد الغير ونهب ثرواتها وسبي نسائها واسترقاق أطفالها وإكراه أهلها على ترك دياناتهم أو فرض إتاوة عليهم للسماح لهم بممارسة شعائرهم سرّا.. وما إلى ذلك من جرائم الحرب المختلفة؛ محض جهاد والموت في سبيلها استشهاد طالما كان مرتكبوها «مجاهدون في سبيل الله»، أما محاولة المعتدى عليه الدفاع عن نفسه وأرضه وعرضه ودينه ورفضه المساومة على معتقده بإتاوة يعطيها وهو «صاغر».. فذاك استعداء وتآمر على الأمة يستوجب الإثخان وإهدار كرامة الإنسان.

 هكذا قرأ «أمير المؤمنين، فلاديميير بوتين» المشهد إيديولوجياً وقيمياً ونفسيا، فأشار بإبهام قدمه وهو يحتسي الفوتكا مع شرائح الليمون لجحافل مرتزقة الجهاديين والمقاتلين الشرق أوسطيين، فلبّوا النداء وزحفوا طامعين طائعين بخطوات ماريشالية منضبطة على موسيقى «كورساكوف» وصوت تقارع كؤوس الروس.

 سوف تنتهي حرب روسيا على أوكرانيا وقد يصبح البلدان في عالم السياسة المتحرك صديقان وربما حليفان، ليبقى المرتزقة الجهاديون في ليلهم السرمدي يهاجرون من أرض إلى أخرى باحثين عن دماء وأشلاء أبرياء ليقتاتوا عليها ما داموا يحملون شيكاً آجل، وآخر عاجل مسحوب على كل مخالف وقد كُتِبَ فيه: «أنْ ادفع بالأمر لأمر المأمور، وإلا استبحناك ولات حين مناص».

أضف تعليقك