التدريب المهني.. أداة اللاجئين السوريين لِخَرْق حاجز البطالة

"كل واحد ما في بإيدو مصلحة، يروح على التدريب المهني ويتعلّم مصلحة، حتى إذا ما لقى وظيفة، بيقدر يشتغل شغل حرّ". رانيا زكريا، سوريّة من درعا، لجأت إلى الأردن مع عائلتها عام 2016. تحدّت ظروفها الماديّة إذ شاركت في دورات التدريب المهني لتعلّم الخياطة، ثمّ باشرت بالعمل لتعيل أفراد أسرتها وتساعدهم على مواجهة ظروف الحياة.

رانيا واحدة من نساء سوريات كثيرات نجحن في تحدّي صعوبات اللجوء، هذه الصعوبات التي عرّضت أخريات، لم يلتحقن ببرامج التدريب المهني، للمعاناة من الفقر والعوز.

 

الأردن مُصنَّف ثاني دولة في العالم بالنسبة لعدد اللاجئين مقارنةً بعدد السكان. يستضيف، وفق الإحصاءات الرسميّة، 752416 لاجئاً، علماً أنّ الأرقام غير الرسميّة تقدّر عدد اللاجئين السوريين بـ 1.3 مليون شخص، قرابة نصفهم غير مسجّلين لدى المفوضيّة العليا لشؤون اللاجئين، بحسب تصريحات حكوميّة.

 

في ضوء هذا الواقع، يشكّل التدريب المهني محرّكاً إقتصادياً مهمّاً بما أنه يساهم في خلق فرص عمل حقيقة للشبّان والشابات. لهذا السبب، ركّز 28 تعهّداً، من بينها تعهّدات صدرت عن 10 دول خلال المنتدى العالمي للاجئين في عام 2019، على تحسين قدرة اللاجئين على الوصول إلى سبل التعليم والتدريب المهني والتقني. فالأنشطة الرامية لرفع مستوى مهارات اللاجئين ومضيفيهم، وقدرتهم على إيجاد فرص العمل، تيسّر الانتقال من مرحلة التعلّم إلى عالم العمل، ممّا يتيح للاجئين إمكانيّة تلبية احتياجات أسرهم والمساهمة في خير المجتمعات المضيفة لهم.

 

التدريب واحد والرسوم مختلفة!

شادية حمّود سوريّة من حلب لجأت إلى الأردن في العام 2013. تركها زوجها مع أطفالها الخمسة وغادر عائداً إلى سوريا. وجدت في التدريب المهني سبيلاً لتأمين لقمة عيش أطفالها بعد أن لجأت إلى منظمة "قدرات" وحصلت على منحة مدفوعة لتتدرّب طيلة خمسة أشهر، أي ما يعادل 700 ساعة، على مهنة مساعد حلواني. "عندي مطبخ صغير ببيتي وبشتغل طبخ حسب الطلب. أغلب الطلبات للجيران. الحمد الله، بقدر أمِّن دخل لولادي وأنا جنبهم بالبيت. صعب كتير أشتغل برّا البيت بعيد عنهم".

 

إنّ التخصّصات كافةً متاحة للاجئين السوريين، حسبما يشير الناطق الإعلامي للتدريب المهني جميل القاضي، علماً أنه، ومع بداية اللجوء السوري، كانت المنظمات الدولية هي من يختار التخصّص للمتدرّبين، فبلغت أعداد اللاجئين المتدرّبين فيها نسباً عالية، لا سيّما في مجالات تمديدات الكهرباء، والتكييف والتبريد، والطاقة الشمسية، وتجميل السيّدات، والخياطة.

 

أمّا في ما يتعلّق بالرسوم المدفوعة لقاء التدريب، فيوضح القاضي أنها تختلف ما بين الأردني الذي يدفع 30 ديناراً لقاء الفصل الواحد ومدّته ستة أشهر، وغير الأردني الذي يكلّفه الفصل ذاته 60 ديناراً للفصل، وغالباً ما تدفع المنظمات الدولية المبلغ المتوجِّب.

 

التشبيك وفرص العمل

ملك عوّاد لجأت إلى الأردن عام 2013 هاربةً من درعا. كانت يومها في الرابعة عشرة من عمرها وترتاد الصف الثامن. لم تكمل تعليمها مكتفيةً بسنتين إضافيتين من الدراسة ثمّ تزوجت. استمرّ زواجها ثلاث سنوات، وبعد الانفصال، وجدت أنّ التدريب المهني هو الفرصة الوحيدة المتوفرة لها كي تتجاوز الأزمات التي تواجهها وتبني لنفسها مستقبلاً آمناً.

 

"عمري 23 سنة، وبفضل التعليم المهني، حصلت على شهادة مزاولة مهنة "مساعد حلواني" وأعمل على مشروعي الخاص من المنزل. والتدريب في أيّ برنامج يبدأ بالنظري ثمّ يأتي العَمَلي، وخلال فترة التدريب، يكتسب المتدرِّب مهارات وظيفية وعمّالية وحياتية تساعده على إدارة شؤونه ودخول سوق العمل بكل ثقة"، حسبما تقول ملك، بناءً لتجربتها.

 

ومن فوائد التدريب المهني أنّه "مكّنني من التشبيك مع جهات توفّر فرص عمل لكنها بعيدة عن مكان سكني، فقرّرت العمل في المنزل". ياسمين غبيس لاجئة سورية أخرى تهوى التجميل. دخلت سوق العمل بعد حصولها على منحة تدريبية من إحدى المنظمات الدولية، على الرغم من عدم تمتّعها بخبرات عمليّة سابقة.

 

وفيما التشبيك عنصر أساسي للحصول على عمل، إلّا أنّه غير متوفّر على نطاق عام وشامل نظراً لمعوّقات كثيرة تعترضه. إنّ وحدة التشبيك في مؤسسة التدريب المهني التابعة لوزارة العمل تعمل على توفير فرص عمل للخرّيجين. وتشير مصادر في الوحدة إلى أنّ الخرّيج الأردني ينال وظيفة بعد حصوله على رقم ضمان، وأسباب عدم استفادة السوريين من التشبيك مع أرباب العمل والجهات الموظِّفة هي أنّ معظم المهن يعاني من فائض في العمّال، وأنّ اللاجئ السوري لا يمكنه الحصول على رقم ضمان إن لم يحصل على تصريح عمل، فتلجأ غالبيتهم إلى التشغيل الذاتي.

 

تحوّل شكل المنح والفرص!

صعوبات إضافية تعترض فرص عمل اللاجئين السوريين، ومنها توجّه وزارة العمل على "أردنة المهن" لمكافحة البطالة. كما تبدّلت شروط المنح الدراسية. في هذا السياق، يؤكّد رئيس تجمّع الطلبة السوريين في الأردن سامر عدنان أنّ المنح كانت تغطّي جميع التخصّصات في البكالوريوس من صيدلة وطب وهندسة...، إلّا أنّ إغلاق التخصّصات وعدم إتاحتها أمام السوريين زادا أعداد الخرّيجين العاطلين عن العمل، ممّا دفع الجهات المانحة للاتجاه نحو التدريب المهني. والمنح التي تؤمّنها بعض المؤسسات التعليمية الربحية مثل "لومينوس"، فمشروطة بالتشغيل بعد التخرّج. لكنّ توفر فرص عمل بعد التخرّج مرتبط بدوره، وفق ما يؤكّد الناطق الإعلامي للتدريب المهني جميل القاضي، بقانون العمل والعمّال الأردني الذي يسمح للاجئين بمزاولة "المهن المفتوحة" لا العمل بـ"التخصّصات المغلقة". ويلفت القاضي إلى أنّ غالبية الخرّيجين يتّجهون إلى التشغيل الذاتي: السيدات مثلاً يعملن داخل المخيّم بالخياطة والتجميل، ومن داخل منازلهن في أحيان كثيرة. أمّا في جانب التسهيلات، فقد تمّ السماح بالانتقال من مهنة إلى أخرى، فإذا كان تصريح العمل يجيز النشاط الزراعي، يمكن الانتقال للعمل في القطاع الصناعي.

 

على هذا الصعيد، يوضح سامر عدنان أنّ التدريب المهني، في حالة الكثير من السوريين، أفضل بكثير من الشهادات الأكاديمية، ويمكن للشخص أن ينشئ عملاً خاصاً به. وهذا سبب توجّه الفتيات إلى العمل في مجالات التجميل والخياطة والطبخ، والشباب إلى الزراعة، علماً أنه في السنوات الأخيرة، بدأت أعداد المنح تتقلّص بشكل كبير بسبب اكتفاء السوق، بما أنّ المنح في التخصّصات المفتوحة رهن بحاجة السوق. ويحدّد عدنان طبيعة أبرز التحدّيات التي تواجه المقبلين على التدريب المهني بصعوبة إيجاد الإناث فرص عمل في القرى والمناطق النائية، وإلزام الذكور، بموجب بعض عقود المنح، بوظيفة معيّنة لمدّة ستة أشهر عل الأقلّ، وهو أمرٌ يرفضونه. كما أنّ الفئة المستهدفة بالتدريب المهني هي، بشكل أساسي، قاطنو المخيّمات وهي، بغالبيتها، غير متعلّمة وغير مدركة لأهمية الالتزام بموجبات التدريب والعمل، فتتعامل مع التدريب وكأنه للتسلية، وتسعى للحصول على وظيفة سهلة وقريبة من مكان سكنها.

 

 

يعتبر التعليم والتدريب المهني والتقني من المحاور الرئيسيّة لخارطة طريق الـ "15 بحلول 2030" التي تهدف إلى تمكين 15% من الشباب والشابات اللاجئين من الحصول على فرص التعليم العالي بحلول عام 2030، كي يحصل المزيد من اللاجئين على المؤهّلات التقنية والمهنية تمهيداً لتأمينهم مستقبلاً مستداماً ولمساهمتهم الفعّالة في المجتمعات والبلدان التي تستضيفهم.

 

 

2247 طالباً سورياً يخضعون هذا الفصل للتدريب المهني

 

حسب مؤسسة التدريب المهني، 2247 طالباً سورياً يخضعون هذا الفصل للتدريب المهني وهم مقسّمون على 119 تخصّصاً

 

أكثر التخصّصات التي يلتحق بها اللاجئون السوريون
أكثر التخصّصات التي يلتحق بها اللاجئون السوريون

 

أضف تعليقك