في إحدى ضواحي إربد، الواقعة على بُعد 100 كيلومتر شمال العاصمة عمّان، يلتزم نياز روحاني وزوجته وسام، وهما من أتباع الديانة البهائية، بأداء صلواتهم في منزلهما، شأنهم شأن بقية البهائيين الذين لا تعترف السلطات الأردنية بدينهم رسميّاً.
تاريخيًا، وصل البهائيون إلى الأردن في أواخر القرن التاسع عشر من إيران كعائلات صغيرة تعمل بالزراعة في منطقة العدسية في غور الأردن. واليوم، يقدّر نياز عددهم في الأردن بحوالي ألف شخص، في حين يقدر عددهم عالميًا بعشرة ملايين.
يؤمن البهائيون بأن بهاء الله هو رسول العصر، ويرون أن الرسالات تتواصل عبر الزمن. ويتجهون في صلاتهم نحو مدينة عكا، حيث دُفن بهاء الله في عام 1892، بينما تُعد حيفا المركز الإداري العالمي للديانة البهائية.
البهائية هي دين توحيدي، ظهر في إيران في أواسط القرن التاسع عشر، وقد سبقت البهائية دعوة دينية تسمى بـ"البابية" بدأت عام 1844، وكان مؤسسها علي محمد بن محمد رضا الشيرازي، الملقب بـ"الباب"، والمولود في شيراز الإيرانية في 20 تشرين الأول/ أكتوبر 1819، واللقب مأخوذ من المعتقدات الشيعية، وهو يعني الوسيط بين الله أو الولي المقدس والإنسان، لكن البابية لم تقدم نفسها كحركة إصلاحية شيعية، وإنما اعتبرت نفسها ديانة مستقلة، كما أن الباب وضع لها كتاباً مقدساً خاصاً بها هو "البيان"، الذي يعتبره البابيون تنزيلاً سماوياً.
يصف نياز ديانته بأنها توحيدية تسعى إلى وحدة البشر، وتدعو للمحبة والتآخي والسلام، ويؤكد على أن العبادة تقترن بالعمل وخدمة المجتمع. ويؤدي البهائيون صلاة فردية يومية كونها علاقة وجدانية مع الخالق، ولا تُقام صلاة جماعية إلا عند أداء صلاة الميت. كما يصومون 19 يوماً في السنة، وهي مدة تتماشى مع التقويم البهائي الذي يقسم السنة إلى 19 شهراً.
على الرغم من أنهم أردنيون، إلا أن البهائيين يعانون من نقص في الحقوق المدنية لعدم اعتراف الأردن بدينهم. فالقانون الأردني لا يعترف بديانات غير الإسلام والمسيحية واليهودية، وقد تم تعديل اسم "قانون الطوائف غير المسلمة" في عام 2014 إلى "قانون الطوائف المسيحية"، دون الإشارة إلى الأقليات الدينية الأخرى مثل الدروز والبهائيين والإنجيليين.
توضح وسام، التي تعمل في مجال المحاماة، أن عدم الاعتراف الرسمي بالبهائيين أدى إلى رفض دائرة الأحوال المدنية إصدار شهادات زواج لهم، والاكتفاء بإصدار دفتر عائلة لا يتضمن معلومات كاملة عن الزواج، مما يحرم البعض من منح الجنسية الأردنية لأزواجهم الأجانب، حيث يتطلب القانون تقديم شهادة زواج لهذا الغرض.
تواجه وسام وزوجها أيضًا صعوبات فيما يخص قوانين الأحوال الشخصية المبنية على الشريعة الإسلامية؛ إذ يُجبر البهائيون على اتباع قوانين الإرث الإسلامية لعدم وجود محكمة طائفية خاصة بهم، مما دفعهم إلى اللجوء إلى المحاكم المدنية للمطالبة بحقوقهم.
في عام 2016، أصدرت دائرة الأحوال المدنية جوازات ذكية تخلو من خانة الديانة، مما منح البهائيين شعورًا بالراحة بعد أن كانت البطاقات القديمة تُظهر خانة الديانة بوضع نقاط تمييزية لهم. ورغم ذلك، منع محافظ العاصمة الأردنية في عام 2017 احتفالًا للبهائيين بمناسبة مرور 200 عام على ميلاد بهاء الله، معللاً ذلك بـ"حماية سلامتهم"، لكنهم استمروا بإقامة حلقات دعاء في منازلهم بمشاركة أصدقاء من جميع الديانات.
لا تتردد وسام في الحديث عن هويتها الدينية، وتسعى لتعريف الآخرين بالبهائية وأثرها في المجتمع، إلا أن السؤال عن ماهية الدين البهائي يبقى يتكرر بشكل مستمر.
ووفقًا لتهاني روحي، ممثلة وناطقة باسم البهائيين في الأردن، فإن البهائيين يمارسون عباداتهم بحرية، لكنهم يطمحون إلى نوع من التعايش يتجاوز مجرد التسامح، ليُرى المجتمع الأردني كوحدة فسيفسائية تتجلى فيها قوة التنوع والوحدة.
المحامية تغريد الدغمي، معدة دراسة "نحو مواطنة كاملة في الأردن"، توضح أن عدم الاعتراف بالبهائيين أدى إلى صعوبات قانونية أبرزها عدم إمكانية استخراج شهادات زواج رسمية. وتشير إلى أن الدستور الأردني يؤكد المساواة أمام القانون، لكن الممارسات العملية تظل تحديًا للبهائيين.
وترى الدغمي أن الأردن، كدولة موقعة على العديد من المعاهدات والمواثيق الدولية، ملزم باحترام حرية الأديان وممارسة الشعائر، بما فيها الديانات غير المعترف بها محليًا، مؤكدة على ضرورة التزام الدولة بتلك الحقوق لتعزيز حرية المعتقد.
يأتي هذا التقرير في إطار الشراكة شبكة الإعلام المجتمعي/راديو البلد وبرنامج النساء في الأخبار ضمن مبادرة الأثر الاجتماعي SIRI.