هل تصبح أماكن الرعاية الصحية وباءً على المرضى
تحقيق محمد شما
من يعقم غرف "العناية الحثيثة"؟ تساؤل ربما ينطوي عليه سذاجة لدى الجسم الطبي، لكنه مشروع لمرضى عاشوا تجاربهم داخل غرفها وحملوا منها التهابات سببها "العدوى".
تعرض الشاب علاء 25 عاما لحادث سيرٍ بتاريخ 18 أيلول عام 2007 جراء انزلاق سيارته عن مسار الشارع المؤدي إلى البحر الميت، أدى الحادث إلى شلل مؤقت أصاب أطرافه السفلية.
الصدمة التي عاشها لم تكن من ما سببه الحادث له من إعاقة، إنما، من إقامة طويلة داخل غرفة "العناية الحثيثة" التي تجاوزت شهرين؛ في واحدة من فصول "عذاب العيش داخل المستشفيات" كما يقول.
خرج علاء من المستشفى الحكومي في حالة نفسية متردية؛ يتذكر لحظات العيش داخل الغرفة بأسى، "تدني مستوى النظافة في غرفة العناية الحثيثة يشكل لي أرقا". أما أهله فلم يستطيعوا مساعدة ابنهم لحظة دخوله في "نوبة نفسية شديدة" سببها المستشفى، فكانوا مضطرين إبقائه إلى حين الشفاء الكامل.
ولم تكن تلك اللحظات "العصيبة" على ما يتذكرها علاء سوى دافعا له لأن يقود مبادرة تطهير غرف العناية الحثيثة من أوبئة عاثت في غرف المرضى، عابثة بأجسادهم المثقلة بالأمراض. ويتواصل مع عدد من المرضى، في محاولة منه لأجل تشكيل مبادرة من شأنها "إلزام المستشفيات على إنزال عقوبة بكل طرف مستهتر بالنظافة والتي هي من المفترض أن تكون عنوانا لها" يقول علاء.
عائلة علاء غير متفائلة من الحكومة، وتعتبر والدته أن هناك بعض المستشفيات فيها "تعج فيها الفيروسات داخل غرف العناية الحثيثة" وتتحدث عن تجربة ابنها علاء وما شاهدته.
المستشفيات الأردنية، الحكومية والخاصة، تفرض رقابة شديدة في غرف العناية الحثيثة، ويشدد قانون الصحة العامة في مادته العشرين على الرقابة والنظافة داخل حرم المستشفيات، أن "على مدير المستشفى المحافظة على نظافة المستشفى من الخارج بما في ذلك دهانه وقصارته وطلائه بشكل تقبله اللجنة".
يبدي علاء تفاؤلاً من التحرك الذي يعكف عليه لكن يؤمن بتغيير الأشخاص ومن هنا لا يترك شخصا في أي المستشفيات التي يزورها أو يتلقى علاجا فيها إلا ويطلب من العاملين أن يتخذوا من النظافة عنوانا لهم.
قلة النظافة سببها "التراخي"
ولا تشكل النظافة أساسا مسلما به لـ"بعض" المؤسسات الصحية، التي تشاهد النفايات على مداخلها. مدير مستشفى الإيمان الحكومي في عجلون، أحمد زغلول، لا ينفي من وجود تراخي في نظافة بعض غرف العناية الحثيثة لكنه يؤكد أن مستشفاه "تحت النظافة الحثيثة".
التقيد بالتعليمات والأنظمة وفقا لما كفله المجلس الطبي وأنظمة نقابة الأطباء وقانون الصحة العامة لا يسعف بعضاً من المستشفيات التي هي وبحسب المواطنة فادية العيسى "عليها أن تضرب طوق تعقيمي لكي تراعي النظافة" وتقول إن الإهمال داخل بعضها "سيء للغاية" وتدلل على غرف الانتظار التي يقع بعضها قبالة غرف العناية الحثيثة حيث أدخنة السجائر والأوراق "تكون أحيانا أينما وليت وجهك".
"وضع غرف العناية الحثيثة جيد لدينا" يقول الدكتور أحمد الزغول مدير مستشفى الإيمان في محافظة عجلون، "طاقم التعقيم يزور غرف المستشفى في كل ساعة وهذه العناية من المفترض أن تكون متوفرة في مستشفيات الحكومة".
يضيف "نواجه صعوبة في كثرت الناس الزوار الذين يزورون المرضى ونحاول قدر الإمكان منعهم من الدخول وتنظيمهم في أوقات لكن المشكلة التي نعاني منها هي المرافقين الذين يأتون مع المريض ويصرون على زيارته".
مواطنون شركاء
تصطدم أنظمة العناية الصحية في المستشفيات الأردنية "بعناد" المواطنين كما يصف الحال الدكتور زغلول ويقول إن الطاقم الطبي وفي كثير من الأحيان يتسببون في إشكالات مع مواطنين يصفونهم بـ"عديمي الرحمة لأنهم يصرون على زيارة غرف العناية الحثيثة بأي وقت ودون التقيد بمعايير النظافة العامة".
يدعو الجهاز الإداري في مستشفى عجلون إلى إيجاد حل جذري لأزمة المستشفيات مع المواطنين، ويقول الدكتور زغول إنهم واجهوا إشكالاً مع عدد من مواطنين اتهموهم بتلويث الغرف "بقصدية واضحة".
مدير مستشفى اليرموك في اربد الدكتور سليم مكاوي، يقر بوجود "تقصير" في غرف العناية الحثيثة، لكنه لا يجد في مستشفاه "أي تقصير" ويرى اللوم يقع على الكادر الإداري "المتراخي" في ضبط فريق التنظيف الموكول في عمله بعيد اتفاق بين إدارة المستشفى وشركة تنظيف.
"تدني مستوى النظافة في بعض غرف العناية الحثيثة مرده زوار المستشفى غير المعتادين على النظافة وهذا يتضح جليا في الحمامات العامة التي تحتاج من المنظفين على التنظيف كل ربع ساعة"، يقول مدير قسم الجراحة في مستشفى جرش، علي محاسنة.
يضيف أنهم وفي المستشفى أغدقوا الغرف والممرات والمصاعد باليافطات التي تحث على النظافة. برأيه أنها مجدية وخير مثال على ذلك مستشفى جرش الذي يعده من أنظف المستشفيات. يجول محاسنة في غرف العناية الحثيثة يوميا في الفترة الصباحية لأجل الاطمئنان على نظافة المكان، في خطوة يعتبرها ضرورية في كل صباح وكأنها تمثل له "فنجان قهوة الصباح" على حد وصفه.
واجهة المستشفيات "غرف العمليات"
تشكل المستشفيات "لجنة مكافحة العدوى" من شأنها زيارة أقسام المستشفيات وأخذ عينيات والقيام بزراعتها وبناءً على نتيجة الزراعة يتصرفوا فيما لو كان قسم يحتاج إلى عناية أو حملة تنظيف وهذه الإجراء يأتي وفق الدكتور قوقزة لدرء الجراثيم التي قد تشكل عدوى للحالات المرضية التي تزور القسم.
الدكتور يوسف قوقزة، مدير مستشفى جرش الحكومي، يعتبر أن غرف العناية الحثيثة واجهة المستشفيات وعليه فإنهم يقومون بعناية حثيثة، ويقول: "تشمل العناية الأراضي والمعدات والأجهزة والأجواء بأدوية تعقيم عالمية".
"لا يوجد أحد في مأمن داخل المستشفيات، فنسب التعرض للجراثيم كبيرة" يقول طبيب اختصاص صدرية فضل القيسي الذي تعامل مع إحدى الحالات تعاني من فيروس التهابي بالرئة حملته من خلال زياراتها المتتالية لإحدى أقاربها في إحدى مستشفيات العاصمة عمان.
يقول إن حساسية التقاط الفيروسات "سهلة وسريعة" طالما أن الفيروس وعلى اختلاف نوعه سهل الالتقاط في جهاز التنفس وما يزيد من سهولة الانتقال هو عدم إخضاع مرافق المستشفى بشكل مستمر بمواد التعقيم.
الممرض أنس يتولى مهمة الكشف والزيارات المتكررة على غرف العناية الحثيثة والإنعاش والطوارئ كل عشر دقائق من عمله، يقول إنه يلتزم بتعقيم الغرفة حال كان فيها أحد المرضى يعاني من فيروس معدي.
يذكر أنس حادثا حصل أمامه في المستشفى التي يعمل فيها.."دخل أحد المسنين للعلاج من كسر في إحدى قدميه وخرج منها في ذات اليوم، وفي اليوم التالي ليلا عاد لنا مصابا بالتهاب قوي أقعدته في المستشفى مدة شهر كامل؛ كان ذلك جراء عدم تطهير السرير ما نقل الفيروس إليه".
وفق تعليمات "إدارة النفايات الطبية" فإن عمال المستشفيات يلُزموا بأن يمسكوا بالجزء الأعلى من كيس النفايات عند حمله وأن لا تُضم الأكياس المحتوية على النفايات إلى الجسم (الحضن) أو أن لا تمسك بالأيدي من الأسفل. واستخدام العمال معدات الوقاية الشخصية مثل ملابس العمل والقفازات الواقية والكمامات الواقية وأحذية السلامة المناسبة مع المحافظة على نظافتها وصيانتها بشكل دوري.
نظام ترخيص وإدارة المستشفيات الخاصة الصادر بمقتضى المادة (80) من قانون الصحة العامة وفي مادته الحادية عشرة في بند رقم ثلاثة ينص على ضرورة "التحقق من نظافة بناء المستشفى وملحقاته وحرمه". بذلك يبقى الإلزام ورقيا وللمستشفيات الخيار فيما تطبقه من قوانين وأنظمة داخلية لها من شأنها جذب المرضى الذين يأتون على "سمعة المستشفى" وأساسها النظافة العامة في غرف المرضى والعمليات والمرافق العامة المختلفة.
الطبيب العام سمير الثابت يطالب بضرورة إخضاع العاملين في النظافة لدورات متخصصة ومستمرة لتعريفهم بأهمية النظافة وكيفية التعامل مع الغرف "الحساسة" والتعامل مع النفايات والأخيرة لها أنظمة وقوانين خاصة.
تلزم إدارات المستشفيات الممرضين والمتعاملين مع المرضى على رمي النفايات الطبية المتعلقة بالمريض بسلال عليها أكياس صفراء بينما الأوراق والنفايات العادية من أوراق بسلال سوداء.
الدكتور باسم الكسواني، الناطق الإعلامي لنقابة الأطباء الأردنيين، يقوم بشكل شهري مع فريق طبي بارتياد غرف العناية الحثيثة في المستشفيات الحكومية والخاصة والكشف بغية الإطلاع على واقع النظافة فيها، يقول إن العناية الحثيثة لها رعاية خاصة "هناك معايير دولية متعارف عليها تطبق على غرف العناية الحثيثة وتكاد تكون جميع المستشفيات الأردنية تطبقها".
يسعى الأردن إلى ترويج السياحة العلاجية وهذا ما يلزم وزارة الصحة وبالتنسيق مع هيئة تنشيط السياحة على ترويج المراكز الصحية وتطبيق معايير دولية تتعلق بالتعقيم والعناية بالنظافة داخل أروقة المستشفيات.
يضيف الكسواني أن "هناك أبجديات لا يمكن تجاوزها والحوادث وإن وجدت فإنما تكون فردية لا يمكن تعمميها ولابد من تحويلها إلى الجهات المعنية لتتعامل معها بالشكل المراد".
إستمع الآن