في يوم المرأة: "مكانك قف...لا بل تراجع"
للعام الرابع على التوالي يقوم المرصد العمالي الأردني بإصدار "ورقة تقدير موقف" بمناسبة يوم المرأة العالمي، بهدف إلقاء الضوء على واقع المرأة الأردنية في سوق العمل، إلى جانب رصد آية تغييرات في أوضاع المرأة على أرض الواقع سواء في سوق العمل أو على مستوى التشريعات. وفي الوقت الذي يأتي فيه يوم المرأة العالمي في الثامن من آذار من كل عام مناسبة للاحتفاء بنضال المرأة لتحقيق المساواة والعدل، واعترافا وتقديرا لجهود النساء في تحقيق التقدم الانساني بمختلف أبعاده الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فهي أيضا تشكل فرصة لمراجعة أوضاع المرأة ومستويات تقدمها في المجتمع. وفي هذا السياق فإننا في هذه الورقة سنقوم بمراجعة ما تم انجازه في الأردن على طريق إدماج المرأة في سوق العمل والوقوف على أبرز المعوقات التي تواجهها. إن تاريخ اليوم العالمي للمرأة يبدأ من "مسيرة الأواني الفارغة" والتي أجرتها في 8 آذار/مارس عام 1857 عاملات الغزل والنسيج في نيويورك مطالبات بتحسين شروط العمل ومساواة المرأة، واحتجاجا على الظروف اللاإنسانية التي كن يجبرن على العمل تحتها، ورغم أن الشرطة تدخلت آنذاك بطريقة وحشية لتفريق المتظاهرات إلا أن المسيرة نجحت في دفع المسئولين السياسيين إلى طرح مشكلة المرأة العاملة على جداول أعمالهم، كما أنه تم تشكيل أول نقابة نسائية لعاملات النسيج في أمريكا بعد سنتين على تلك المسيرة الاحتجاجية. وفي الثامن من مارس من سنة 1908 عادت الآلاف من عاملات النسيج للتظاهر من جديد في شوارع مدينة نيويورك لكنهن حملن هذه المرة قطعا من الخبز اليابس وباقات من الورود في خطوة رمزية لها دلالتها واخترن لحركتهن الاحتجاجية تلك شعار "خبز وورود"، وطالبت المسيرة آنذاك بتخفيض ساعات العمل ووقف تشغيل الأطفال ومنح النساء حق الاقتراع في الانتخابات، ومنذ عام 1977 أصدرت الأمم المتحدة قرارا يدعو دول العالم إلى اعتماد أي يوم من السنة يختارونه للاحتفال بالمرأة فقررت غالبية الدول اختيار الثامن من مارس، وتحول بالتالي ذلك اليوم إلى رمز لنضال المرأة تخرج فيه النساء عبر العالم في مظاهرات للمطالبة بحقوقهن. حال المرأة في سوق العمل الأردني بقراءة سريع لعدد من المؤشرات الاساسية المتعلقة بوضع المرأة الاقتصادي وخاصة في سوق العمل، فإننا لم نلحظ وللعام الرابع على التوالي أية تطورات جوهرية على وضع المرأة في هذا المجال، الامر الذي يشير إلى ان الجهود التي بذلت وما زالت تبذل في سبيل زيادة ادماج المرأة في الحياة الاقتصادية الاردنية لم تكن فعالة ولا تزال دون المستوى المطلوب، حيث أن الجهود والبرامج التي بذلت خلال الفترة الماضية لم تكن إلا وسيلة ساهمت في خطاب تضامني مع المرأة للحصول على حقوقها الاقتصادية، ولم تساهم في زيادة مشاركتها الاقتصادية وبالتالي زيادة مساهمتها في قطاعات التنمية بمختلف ابعادها. فما زالت الأرقام الرسمية تشير أن معدل المشاركة الاقتصادية المنقح للمرأة الأردنية في نهاية عام 2012 ( قوة العمل للإناث منسوبة إلى عدد السكان من الإناث 15 سنة فأكثر) ما زال منخفضاً جداً ويبلغ حوالي 14.1 بالمائة مقارنة مع 60.6 بالمائة عند الذكور، وهذه النسبة تراوح مكانها منذ سنوات، لا بل تراجعت عن ما كانت عليه في عام 2011، إذ كانت تبلغ 14.9 بالمائة. وهي منخفضة جدا إذا ما قورنت هذه المؤشرات مع واقع حال الدول العربية ودول العالم الثالث الذي تقارب فيها نسبة مشاركة المرأة 30 بالمائة، وفي معدل المشاركة الاقتصادية على المستوى العالمي الذي يبلغ 50 بالمائة في عام 2012، الأمر الذي يشير الى عدم فعالية الجهود التي تبذل لزيادة مشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية. ومن المفيد الاشارة هنا الى أن ترتيب الأردن في تقرير التنافسية العالمي لعام 2010 في مؤشر مشاركة المرأة الاقتصادي كان الأخير بين (139) دولة. من جانب آخر فإن أحدث الأرقام الصادرة عن المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي والمتعلقة بعام 2012 تشير إلى أن نسبة النساء المشتركات في المؤسسة تقارب 25.0 بالمائة من مجمل المشتركين في المؤسسة. هذا وما زالت معدلات البطالة عند النساء الأردنيات أعلى منها عند الرجال، إذ بلغت 19.9 بالمائة مقابل 10.8 بالمائة عند الرجال في نهاية عام 2012. وهذه النسبة تزيد عن ما كانت عليه في نهاية عام 2011 إذ كانت تبلغ نسبة البطالة عند النساء 18.3 بالمائة. وهي تزيد كثيرا عن معدل البطالة عند النساء على المستوى العالمي في عام 2012 والتي تبلغ (6.4%). كذلك تتركز الغالبية الساحقة من النساء العاملات في الأردن (95) بالمائة في ثلاثة قطاعات اقتصادية من أصل (13) اقتصادي، وهذه القطاعات الثلاثة تتمثل في الادارة العامة والتعليم والصحة والعمل الاجتماعي، بنسبته (95) بالمائة من النساء العاملات. أننا في " المرصد العمالي الأردني" نرى أن عدم حدوث تقدم ملموس في دور المرأة اقتصادياً وبالتالي زيادة مشاركتها في جهود التنمية يعود بشكل أساسي الى ظروف العمل الطاردة (غير الصديقة) التي يعاني منها سوق العمل الأردني ويعاني منها كل من الرجال والنساء، مع الأخذ بعين الاعتبار أن النساء يتعرضن لانتهاكات في حقوقهن الأساسية اكثر من الرجال. فما زالت معدلات الأجور في الأردن منخفضة جداً، فحسب مؤشرات صادرة عن دائرة الإحصاءات العامة فإن متوسط اجور العاملين الشهري في القطاع العام يبلغ (412) دينارا، وفي القطاع الخاص (338) دينارا، بفجوة لصالح الذكور قدرها ( 63) دينارا و (69) دينارا شهريا على التوالي. وتشير كذلك العديد من التقارير العمالية والحقوقية أن النساء العاملات في القطاع الخاص يتعرضن للعديد من الانتهاكات وتجاوزات مخالفة لنصوص قانون العمل الأردني، فأعداد كبيرة منهن يعملن لساعات أكثر من 8 ساعات يوميا، ومحرومات من أي شكل من أشكال الحماية الاجتماعية والضمان الاجتماعي، كذلك هنالك أعداد كبيرة منهن يحصلن على اجور تقل كثيرا عن الحد الأدنى للأجور ولا يتمتعن بالاستقرار الوظيفي وغيرها من شروط العمل اللائق. وإذا ما علمنا أن النساء في الأردن يشكلن ما نسبته 51 بالمائة من طلبة البكالوريوس في مختلف الجامعات حسب أرقام 2012، فإن ضعف دور المرأة في الحياة الاقتصادية الأردنية يعد أحد المشكلات الأساسية التي يواجهها الاقتصاد الوطني، فهي من جانب تحرم طاقات إنتاجية كبيرة من المساهمة في بناء وتطوير الاقتصاد الوطني، ومن جانب آخر تزيد من نسبة الإعالة في المجتمع الأردني، حيث يعيل كل مواطن أربعة آخرين، وهذه النسبة تعد أيضاً من أعلى النسب في العالم. هنالك كذلك جملة من العوامل الأخرى تساهم في تخفيض معدلات مشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية، فمن جانب هنالك ظروف العمل غير اللائقة التي يعاني منها سوق العمل الأردني بشكل عام، وخاصة في مؤسسات القطاع الخاص المتوسطة والصغيرة والقطاع غير المنظم، تعتبر بيئة غير صديقة وطاردة للنساء الراغبات بالعمل، ولا تشجعهن على الالتحاق به أو الاستمرار فيه. ومنها أن المرأة تواجه تحديات غير متكافئة مقارنة مع الرجال في سوق العمل، الأمر الذي يؤثر سلباً على دخولهن إلى سوق العمل، ولا تأخذ فرصا متساوية في تقلد المناصب العليا والترقية وفي الحصول على فرص التدريب داخل وخارج الأردن. وفي الختام، بات مطلوباً العمل على تحسين شروط العمل في الأردن بشكل عام وخاصة للنساء، لتصبح أكثر جاذبية للنساء، بالإضافة إلى عمل مراجعة لمختلف الاستراتيجيات والبرامج الهادفة إلى تعزيز دور المرأة في الحياة الاقتصادية وسوق العمل سواء تلك الصادرة عن المؤسسات الحكومية ذات العلاقة أو عن مؤسسات المجتمع المدني، ليس بهدف تقنين حقوق المرأة وحمايتها فحسب، بل لضمان تنفيذ هذه الحقوق.