"حجب المواقع الإباحية" بين الحرية والوصاية

الرابط المختصر

بقلم زياد المغربي

 

بعد ان "تمكنت" الحكومة من الوفاء بكافة التزاماتها اتجاه الاصلاح في الأردن، والوصول الى مستوى عالي من الحريات، وخفض معدلات البطالة، ومحاسبة الفاسدين، وإسترجاع الاموال المنهوبة، وعدم تزوير الانتخابات، وما الى ذلك من متطلبات الاصلاح، تنبهت اخيراً الى موضوع حماية المواطنين وأبنائهم من خطر المواقع الاباحية، فقررت "مشكورة" حجب امكانية الدخول الى المواقع الاباحية على شبكة الانترنت.

 

ترى هل يكمن الهدف الحقيقي لدى حكومتنا الرشيدة من حجب المواقع الاباحية في حماية ابنائنا ومراهقينا، وحمايتنا من انفسنا الأمارة بالسوء من خطر هذه المواقع، ام ان هناك مآرب اخرى لدى الحكومة، ولماذا في هذا الوقت بالتحديد، فلو كان هذا ما تهدف الية الحكومة فعلاً، فأين كانت الحكومة خلال الستة عشر عاماً الماضية، أي منذ دخول الانترنت الى الأردن، وكيف ستفعل لمكافحة بيع الافلام الاباحية المنتشرة كالنار في الهشيم على البسطات في كافة الاسواق في المدن الاردنية وبسعر نصف دينار للفيلم الواحد، أي انها بمتناول أيدي جميع المراهقين، وماذا ستفعل حيال قنوات الافلام الاباحية الموجودة على باقي الأقمار الأوروبية، وماذا ستفعل ايضاً حيال السينمات التي تقوم بقع عرض الافلام لتبث بعض اللقطات من الافلام الاباحية، وماذا ستفعل حيال الصور الاباحية الموجود على مدخل أغلب السينمات في وسط البلد، وماذا ستفعل حيال طرق الدخول التي يعرفها الجميع التي من شأنها كسر المنع والدخول الى هذه المواقع مثل بروكسي وغيرها.

 

السؤال المطروح هنا، هل المواقع الاباحية هي فقط التي تشكل خطرأ على ابنائنا في موضوع استخدام الانترنت، ماذا عن المواقع التي تصدر الفكر المتطرف، وماذا عن المواقع التي تعرض مشاهد عنيفة ومؤذية، وماذا عن المواقع التي تصدر الفكر الطائفي بين السنة والشيعة او بين المسلمين والمسيحيين، وماذا عن مواقع الشذوذ، وماذا عن الألعاب العنيفة والمؤذية التي يلعبها أطفالنا على شبكة الانترنت وماذا وماذا وماذا...

 

إن الهدف الحقيقي من ذلك، وبكل تأكييد، ليس خطر الافلام الاباحية، بل ان الموضوع يحمل في طياته فكرة الوصاية على المجتمع، وتجسيد السلطة البطركية الأبوية، التي تجعل من الحكومة "الأب الذي يعرف مصلحتنا، بما اننا شعب لا يعرف مصلحته ولا يعرف كيف يحمي نفسه وأبنائه" وبالتالي جعل مراقبة الحكومة قانونية، الامر الذي من شأنه قطع وحجب المواقع التي يستخدمها معارضي الحكم، والحراكات السياسية، وبمعنى آخر، هي احدى اساليب تكميم الأفواه، وتقييد حريات التعبير ليس أكثر ولا أقل، ولكم في التعديلات التي تم إقرارها على قانون المطبوعات والنشر مؤخراً بهدف مصادرة الحريات الإعلامية عبرة يا أولي الألباب.

 

إذا كانت الحكومة تهدف كما تقول "الى الحفاظ على قيم وثقافة وعادات وتقاليد المجتمع الأردني ومكافحة الجرائم الجنسية وحماية الاطفال"، فكان الأجدر بها ان تقوم بعمل حملات توعية حول طرق حماية أطفالنا من خطر الانترنت، وهي كثيرة، مثل وضع الانترنت في غرفة الجلوس والاشتراك في خط الانترنت الآمن وتنزيل برامج على الحاسوب تمنع الدخول الى مثل هذه المواقع وغيرها.

 

من الواضح أن أزمة عدم الثقة الكبيرة بالحكومة، والتي اصبحت مترسخة في نفوس الأردنيين، بعد فشل الحكومة في التعاطي مع قضايا الاصلاح السياسي، أو بالأحرى عدم رغبة الحكومة في التعاطي مع مطالب الإصلاح، جعل الحكومة تتجه الى عمل "انجازات" (إذا صح التعبير) في مجالات اخرى، كإغلاق المطاعم التي تقدم مستوى سيئ من النظافة والمعايير الصحية، وضرب "عصابات اجرامية" كما حصل في منطقة الكمالية، وجاءت لنا الآن فكرة حجب المواقع الاباحية، والتي لا يرفضها الاردنييون لو كان الهدف الحقيقي من ذلك حماية ابنائهم.

 

الحكومة مطالبة بإعادة النظر في موضوع الحظر، وكذلك قانون المطبوعات والنشر، فما هذا الى خطوة الى الوراء المقصود بها مصادرة الحريات العامة، يجب ترك الخيار للمستخدم في الدخول الى ما يريد من مواقع، مع امكانية عمل توعية للمواطنين بطرق حماية ابنائهم من خطر الانترنت بالطرق المعروفة، والأهم من ذلك، رفع الوصاية عن الشعب المواطنين.

 

أضف تعليقك