الواسطة والمحسوبية والفساد في القطاع الصحي العام
-وثائقيات حقوق الإنسان-
إن مواجهة الفساد في مجال الرعاية الصحية هو قضية عمومية جوهرية وهي هامة بحيث
يمكن إعتبارها مسألة حياة أو موت خصوصا بالنسبة الى الملايين من البشر وخاصة
الفقراء منهم الذين يقعون ضحايا مقدمي الرعاية الصحية عديمة الأخلاق والمبادئ.
هناك مؤشرات وأدلة لإنتشار الفساد في القطاع الصحي الحكومي على شكل أنشطة تتصف
بالتحايل والإرتشاء في الخدمات الصحية على إتساعها وشمولها وتتراوح هذه ما بين
السرقات الصغيرة والمحدودة وعمليات الإبتزار إلى الإنحرافات الهائلة للسياسات
والتمويل المالي وإلى رشاوي المسؤولين، وأشكال الفساد هذه تفشت وتصاعدت لتخترق
كافة أشكال الرعاية الصحية للقطاع العام إن كانت في الرعاية الصحية الوقائية
أوالعلاجية.
إن كان هناك عدة جذور لهذه المشكلة، ومنها "إنتشار ثقافة الفساد" في بيئة
القطاع العام عامةً، إلا أن الواسطة والمحسوبية والمزاجية في تعيين المدراء وفي
الترفيع بوزارة الصحة، وخاصة خلال العام الماضي، أدت إلى تفاقم الفساد في
القطاع الصحي الحكومي، بالإضافة إلى كون هذه التعينات فسادا بحد ذاتها وتشكل
إنتهاكا للقانون ونظام الخدمة المدنية وإنتهاكا لحق المواطن بالمساوة والعدالة.
شكلت القضية التي أقامها عدد من مستشاري الطب الشرعي من الدرجة الخاصة، التي لا
تزال منظورة أمام محكمة العدل العليا للطعن بقرار وزير الصحة تعيين مدير المركز
الوطني للطب الشرعي، والتي نشر عنها بعدة مواقع صحفية، قضية واحدة من عدة قضايا
أقيمت على وزير الصحة لدى هذه المحكمة جميعها أتصفت بالمحسوبية والمحاباة، فقد
كان تعيين مدير المركز الوطني للطب الشرعي مخالفا كلاً من نظام الخدمة المدنية،
والتصنيف الفني لأطباء وزارة الصحة ومتجاوزا على حق أطباء آخرين وبالتالي
أنتهاكا للعدالة والمساوة والشفافية والنزاهة.
لقد ورد في كتاب جلالة الملك بتكليف الدكتور عبدالله النسور بتشكيل حكومة
جديدة،"... كما نوجّه الحكومة إلى العمل بجدية لإطلاق منظومة متكاملة لضوابط
العمل العام، تتضمن آليات محددة للتعيين والترفيع وخاصة في المناصب العليا، بما
يضمن بناء القدرات والكفاءات والحفاظ عليها، وتعزيز مبادئ الشفافية والعدالة
وتكافؤ الفرص ومحاربة ظاهرة الواسطة والمحسوبية"
ان الفساد يحرم كثيرا من المواطنين من النفاذ الميسر والسهل للرعاية الصحية،
ومواجهة هذا الفساد تبدء بتتحقيق العدالة والمساوة بين مقدمي الخدمات الصحية
للمواطنيين، وليكن خطاب التكليف السامي مرجعا لمرحلة نحارب بها الفساد جميعنا.