التحرش لا دين له
* الضحية: المتهم الأول بالتحرش * مطالبات بنصوص قانونية تحمي الضحية وترتب عقوبات * نداءات بتعريف محدد للتحرش *عقلية ذكورية تورط المرأة في الجريمة *غياب دور مؤسسات المجتمع المدني *جريمة صامتة ترتكب يوميا
دعا أخصائيون الجهات التي تتلقى شكاوى التحرش الجنسي الذي تتعرض له النساء إلى “التعامل الإيجابي” مع الحالات والابتعاد عن الأحكام الاجتماعية تجاهها خاصة إذا كان المتلقي ذكرا.
وطالب أخصائيون، مؤسسات المجتمع المدني، إلى توحيد مصطلح “التحرش” وإضافة نصوص تجرم الفعل من خلال قوانين “العقوبات” و “العمل” و”الحماية من العنف الأسري” لتعالج التحرش تشريعيا وترتيب عقوبات بحق المتحرشين.
أماكن العمل
تتعدد الأماكن وتتشابه ظروف “التحرش” والتي عادة ما يتورط بها “ذكور” تجاه “إناث” وقد تزداد تلك الحالات في أماكن العمل والأماكن المزدحمة، حيث يغيب عنها الشهود وتتعاظم المشكلات النفسية للمرأة الضحية، والتي عادة ما تتحرج في تقديمها الشكوى.
التحرش الجنسي ظاهرة اجتماعية ونفسية في بلدان عدة لكنها في الأردن لا تشكل ظاهرة، وسط أصوات خافتة بدأت تفكر صراحة بإيجاد إطار تشريعي يعالجها قبل تفاقمها وتحولها إلى ظاهرة مقلقة، ويجدون ذلك في باب “درء الشيء خير من قنطار علاج”.
تنقلب التهمة على الضحية
“سمر” فتاة قررت يوما أن تبلغ عن شاب حاول مرارا التحرش بها في مول تجاري لكنها وكما شرحت لنا ولت هاربة من المركز الأمنية بعد أن شعرت أن الشرطي بدأ يقلب الشكوى “سخرية” عليها باعتبار أنه لم يحدث أبدا قدمت فتاة شكوى تحرش ضدها في مخفر أمن ماركا.
فيما قررت الفتاة “خديجة” التوقف عن عملها في أحد المقاهي في عمان الغربية بعد تكرار “التحرش اللفظي” بها من قبل بعض الزبائن وعندما شعرت أن مسؤولها المباشر يطلب منها تقبل تجاوزات بعض الزبائن قررت ترك عملها دون رجعة.
تهمة عكسية
الأخصائي النفسي محمد الحباشنة يجد أن ثمة “تهمة عكسية” تقع على الفتاة التي تعرضت للتحرش عندما تتجرأ وتقدم على خطوة تقديم شكوى لرجال الأمن الذي هو متلقي الشكوى، “ذلك نابع من إسقاطات مجتمعية تقع بحقها”، يقول الحباشنة ويجد ذلك بالسلوك الحيواني “غير المسيطر عليه”.
ويضيف أن “النمط الفكري والدماغي للمتحرش يدفعه للقيام بسلوكه هذا بالأنثى على اعتبار أنها مستفزة له، غير أن ذلك يندرج في خانة السلوك الحيواني لكونه لا يستطيع ببساطة أن يولف غرائزه؛ ما يعني ذلك علة أخلاقية أكثر منها نفسية”.
“الأجهزة” المتلقية للشكاوى عادة ما تملك في أحيان “عقلا ذكوريا” يتهم وينحاز في بعض الأحيان، على ما يقوله الحباشنة، حيث رهاب الأهل والوصمة الاجتماعية ما تنقلب الأمور عليها بالمحصلة.
يوافقه الرأي الأخصائي الاجتماعي موسى الشتيوي، ويقول أن العديد من النساء يتحرجن الإبلاغ عن ما يتعرضن له، لكونه مرتبط بـ”التحيز الذكوري” في كثير من المؤسسات، فإن اشتكت “فلا يتم تصديق كلامها بل يتم تصديق الذكر المتورط في هذه الحالة، وهناك بُعد ثقافي ومجتمعي له تأثيره المضاعف عليها”.
فيما يذهب المحامي عاكف المعايطة، رئيس جمعية الأسرة، إلى رصد عشرات السيدات اللواتي أتين إلى جمعيته واشتكين من “العقلية الذكورية” المتلقية لشكوتهن، ويقول: “إحداهن أتتنا تقول أن متلقي الشكاوى في الجهة الرسمية انخرط في لومها بالتحرش، كان يقول لها لو لم تكن ملابسك هكذا لما قام بالتحرش بك، وغير ذلك من اللوم”.
ويضيف المعايطة أنه “يفترض أن تُشكل تلك المؤسسات الملجأ والحماية للمرأة، لكنها تخرج منها خائبة ولديها الشعور بأنها مقترفة للجريمة؛ فعقلية متلقي الشكوى ذكورية لا ترى القضية من منظار ما تعانيه المرأة”.
إطار قانوني
وتطالب ناشطات حقوقيات من المشرع الأردني بضرورة تعديل قانون العقوبات الحالي وتضمينه نصاً يتعلق بالتحرش الجنسي أسوة بتجارب دول عربية مثل تونس والمغرب، باعتباره سلوكا يتخذ منحى الجريمة.
التحرش بوصفه “جريمة مسكوت عنها” يقول المعايطة، ويشير إلى أن “عنصر الشهود” في الجريمة يؤثر على مجريات القضية فيما لو فكرت المرأة التحرك قضائيا.
قد يجد البعض في المادة (320) من قانون العقوبات حلاً لمعاقبة المتحرشين والتي تنص على أن “كل من فعل فعلاً منافياً للحياء أو أبدى إشارة منافية للحياء في مكان عام أو في مجتمع عام أو بصورة يمكن معها لمن كان في مكان عام أن يراه، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو بغرامة لا تزيد على خمسين ديناراً”.
لكن ذلك النص غير مقنع للعديد من الناشطين، ويطالب الشتيوي هنا بإيجاد قانون يتناول “التحرش الجنسي” صراحةً فلا يوجد قوانين تعالج هذه الفعل، “آن الأوان لتجريمه”، موجها نداء للفاعلين في المجتمع إلى جلسة حوار لتوحيد التعريفات الوطنية للتحرش وقوننته. ويتفق معه المعايطة ويطالب بأن يكون متلقي الشكوى على الأقل من فئة النساء لأن “العقلية الذكورية” أحيانا تمارس تحقيقا قد ينطوي عليه تحرشاً.
يذهب المعايطة في حديثه إلى أبعد من نصوص في قانون العقوبات، إنما يطالب بوضع نصوص صريحة في قانون العمل من شأنها حماية الضحية في مواقع العمل حيث الأماكن الأكثر انتشارا لوقوع التحرش وترتيب عقوبات بحق المتحرشين، ويقول إن “قانون الحماية من العنف الأسري يحمي أي اعتداء قد يحصل داخل أفراد الأسرة الواحدة في المنزل وكذلك الحال في قانون العقوبات بما يحدث خارج أسوار المنزل، بينما أماكن العمل فلا يوجد ذلك”.
يشار إلى أن قانون الحماية من العنف الأسري المعمول به في الأردن منذ العام 2008 يعالج العنف بكافة أشكاله داخل الأسرة الواحدة، وجاء نتيجة جهود مؤسسات المجتمع المدني المختلفة، غير أنه يخلو في نصوصه من تجريم التحرش كفعل مجرم.
تعريف محدد
المحامية عزة كامل وفي شرحها عن التحرش على موقع أمان، تشير إلى أنه لا يوجد تعريف موحد للتحرش الجنسي في مواقع العمل، إلا أن هناك إجماع دولي على مواجهة هذه الظاهرة التي ارتبطت بمواقع العمل عامة كانت أم خاصة.
وتربط عزة حراك المجتمع المدني تجاه تجريم فعل التحرش بما تكفله مبادئ حقوق الإنسان العالمية، “كالحق في المساواة عدم التمييز، والعمل، وتكافؤ الفرص، وقبل كل شيء الحق الأساسي في احترام كرامة الإنسان وحريته”.
للتحرش أنواع، منها تحرش جنسي شفوي (ملاحظات وتعليقات جنسية مشينه/ طرح أسئلة جنسية/ نكات بذيئة/ الإلحاح في طلب لقاء..الخ) والتحرش الثاني هو تحرش جنسي غير شفوي (نظرات موحية/ الإيماءات والتلميحات الجسدية). والتحرش الثالث هو تحرش جنسي بسلوك مادي (بداية باللمس والتحسس، وانتهاءً بالاعتداء).
ويقر الناشط الحقوقي المعايطة بـ”تقصير” مؤسسات المجتمع المدني بـ”التحرش” ويقول أنه لم يبُحث أبدا في حراك المؤسسات التي عملت كثيرا على ملفات “جرائم الشرف والعنف الأسري”، ويعتقد أنه آن الأوان للحديث عنه صراحة واتخاذ خطوات فعلية أسوة بما يحصل في مصر.
وكانت مؤسسات مجتمع مدني تحركت قبل عدة سنوات، تحركا خجولا، في طلبها من بعض شركات القطاع الخاص بتعليق بوسترات تضم “لائحة القضايا المتعلقة بالتحرش الجنسي” غايتها “وضع ضوابط وقواعد” وتفعيل دور المؤسسات والجهات الحكومية في تلقي الشكاوي فعليا غير أنها لم تلق الصدى.
*لوثائقيات حقوق الإنسان
إستمع الآن