هل آن الأوان لقانون أحوال شخصية بمرجعية مدنية؟

الرابط المختصر

محمد شما لوثائقيات حقوق الإنسان

*نسبة المسيحيين لا تتجاوز 4٪ *"الشريعة الإسلامية" سند "الأحوال الشخصية" المطبق عليهم* نساء يفقدن الميراث لمرجعية الكنسية بين عمان والقدس *ناشطون: المطلوب "إشراف" على الكنسية لا "تدّخل" في عملها

 

كنا بالأصل نبحث في سياق تقريرنا عن واقع النساء المسيحيات في الأردن في ظل قانون الأحوال الشخصية الأردني المطبق عليهم وتحديدا فيما يخص الميراث، لكن المجريات أخذتنا إلى قضايا أخرى تتعلق بمرجعية الكنسية الارثوذكسية في الاردن والقدس، وما المطلوب من الحكومة!

 

البداية

بعد مرور أربع سنوات على دخول السيدة "فدوى" في نزاع قضائي لأجل تحصيل حقها من ميراث أبيها، استطاعت أن تحصل على قرار قضائي من محكمة روم الأرثوذكس يمنحها الحق في حصة من ميراث ابيها.

 

لكن حصولها على حقها خسرته بلحظة حصول شقيق لها على قرار قضائي كنسي آخر يلغي حقها بعد استئنافه القرار من محكمة استنئاف روم الارثوذكس في القدس.

 

لم تستطيع فدوى الاستمرار في الاستئناف خصوصا وأنها أضاعت وقتا ومالا في اجراءات التقاضي. بذلك خسرت فدوى حقا كانت قد حصلت عليه ولم يدم معها سوى فترة محدودة.

 

فدوى قد لا يختلف حالها عن بنات جلدتها من الديانة المسيحية اللواتي يخسرن حقهن في الارث بسبب "الازدواجية في القرارات القضائية"، على ما تقوله المحامية آمال حدادين، "فالأساس أن تكون هناك مرجعية موحدة للقضاء الكنسي الارثوذكسي".

 

وما ترمي إليه حدادين هو "ألا تكون مرجعية الكنيسة القضائية في الأردن وفلسطين معاً فالأساس أن تكون مرجعا موحدة داخل الأردن فقط".

 

وقصة فدوى تشكل انموذجا للمشتغلات على قضايا حقوق المرأة، ومن هنا تنشط المحامية حدادين في اللجنة الوطنية لشؤون المرأة كباحثة ومحامية تلامس عن قرب واقع النساء على اختلاف قضاياهن.

 

حصر العمل الكنسي

وفي الوقت الذي يحُصر عمل المحاكم الكنسية "بداية واستئناف" لأتباع طائفة الروم الكاثوليك في الأردن؛ فإن أتباع طائفة الارثوذكس يدخلون في معالجات قضائية في بلدين؛ محاكم بداية في الأردن ومحاكم استئناف في القدس.

 

لكن النائب السابق عودة قواس يوضح أن من يريد الاستئناف فيمكنه ذلك من خلال محكمة البداية الارثوذكسية. ويقول: هناك جهود عملية لاصلاح اجراءات المحكمة الارثوذكسية بحيث تعقد المحكمة مرة واحدة في الشهر في عمان، بدلا من بعث الاجراءات للقدس.

 

لكن الأمر مختلف عند المحامية حدادين، والتي تعاين عن قرب واقع السيدة فدوى التي دخلت في فصول من المعاناة جعلتها أخيرا الاستغناء عن حقها، وترى أن من غير المنطقي البقاء على نفس الحال.

 

قضية فدوى التي تعاملت معها المحامية حدادين، تختصر حق المرأة المسيحية من الميراث والذي طبق على السيدة قرارين قضائين حمل ذات الرقم (8) وهذا ما دفع المحامية حدادين إلى اللجوء لهيئة مكافحة الفساد لتسجيل شكوى رسمية.

 

قانون الأحوال يغيّب المسيحيين؟

استناد قانون الأحوال الشخصية المعمول به حاليا على الشريعة الإسلامية، أحدث تجاوزا على حقوق الإقليات غير المسلمة في الأردن، ومن بينها الطوائف المسيحية، على ما يراه ناشطون. هذا القانون تم إقراره العام 2010 وقد توسع عن سابقه وأصبح يشتمل على 327 مادة في حين كان يشتمل السابق على 187 مادة.

 

وتجد أمينة عام اللجنة الوطنية لشؤون المرأة أسمى خضر أن قانون الأحوال الشخصيّة "ينطوي على ظلم كبير لغير المسلمين وتحديدا للمرأة".

وتقترح أن يكون هناك قانون أحوال شخصية موحد يجمع بين الأديان، ويطبق بعدالة ومساواة ويأخذ بالاعتبار خصوصيات الطوائف لكن في الأحكام المشتركة يطبق ذات الأحكام وذات المحاكم.

 

وكان قد أثار القانون جدلا واسعا حول بنوده، تحديدا في قضايا سن زواج المرأة وغياب الخلع وتعدد الزوجات والأموال المشتركة.

 

المشاكل الاجتماعية والدعاوى القانونية، تبدأ عندما يطالب الزوج بابنائه (تحت سن 18) ليلتحقوا به خاصة اذا رفض الاولاد الالتحاق بدين ابيهم الجديد, حيث لا يستطيع اي منهم استخراج وثيقة من دائرة الاحوال المدنية الا بأذن ابيهم, وهو ما يثير الكثير من المشاكل، وفق الكاتب الصحفي نبيل غيشان في مقالة له نشرها في جريدة العرب اليوم بتاريخ الواحد والثلاثين من أيار العام ٢٠١٠.

 

وهنا تدخل الملاحظة الثانية وهي ان اعتناق المسيحي الاردني ( زوجا او زوجة ) الاسلام يبطل عقد زواجه وقرار المحكمة الكنسية وهي محكمة مختصة بالطوائف المسيحية وتصدر قراراتها باسم جلالة الملك, فالاصل ان عقد الزواج الكنسي لا تبطله الا الجهة التي عقدته ومن دون اعتماد هذا المبدأ يكون هناك تعد من محكمة على اخرى.

 

ويضيف غيشان أنه تبطل المادة 30 من مسودة القانون الزواج في "حالة تزوج الرجل بزوجة الغير.." اي تزوج بامرأة على ذمة رجل اخر فيكون الزواج باطلا, لكن هذه المادة لا تطبق على الزوج المسيحي الذي يفقد زوجته فور اعلان اسلامها ويقع في مشكلة قانونية وملامة اجتماعية لا تنتهي.

 

إشراف حكومي

في ظل هذا الواقع، تطالب رئيسة وحدة حقوق المرأة في المركز الوطني لحقوق الإنسان، المحامية كريستين فضّول الحكومة بضرورة التدخل في قانون الأحوال الشخصية الخاص بالمسيحيين لأجل إنصاف المرأة التي تدخل في نزاع مع القانون فضلا عن إشراف حكومي على المحاكم الكنسية.

 

وتضيف أن المطلوب الإشراف الحكومي على المحاكم الكنسية بشكل مباشر من قبلها.

 

المحامية حدادين تتفق مع خضر وفضّول، وتقول أن الأساس "إشراف حكومي على عمل المحاكم الكنسية والشرعية على سواء وحصرها في المحاكم النظامية المدنية، "بمعنى آخر أن تكون هناك صلاحيات للقضاء الطبيعي”.

 

والتدّخل الحكومي، كما تراه المحامية حدادين، لا يشمل الإجراءات القضائية لعمل المحاكم الكنسية، "نحن لا نريد تدخلا في إجراءات التقاضي بل الإشراف فحسب”.

 

"من المهم تدخّل الدولة، غير ذلك فثمة مزاجية ومصلحة شخصية قد تدخل في موضوع حق المرأة المسيحية في حضانة طفلها"، تقول فضّول والتي ترى أن كلمة "مصلحة الطفل الفضلى" ما هي إلا كلمة مطاطة وعامة وفيها قد لا تستطيع المرأة المسيحية احتضان طفلها.

 

حكم الولاية العامة

وتعتبر المحامية فضّول أنه لا يوجد فرق بين المواطنين على اختلاف دياناتهم في الأردن ومن هنا لا ترى غضاضة في تدخل الدولة في قانون الأحوال الشخصية الخاص بالمسيحيين، وتقول: "أنا كمحامية في المحاكم الكنسية، أعمل على قانون عمره 1930 فيما حضانة الأطفال تصل إلى 7 أعوام".

 

ومن هذا الجانب، تطالب خضر أن يكون للقضاء ولاية عامة على جميع المحاكم، وسيادة أكبر للدولة بحيث تقتضي فيه أن يكون هناك صلاحيات أكبر وأوسع للقضاء.

 

"نؤيد وحدة النظام القضائي بحيث تنضوي فيه جميع المحاكم تحت اشراف سلطة قضائية مستقلة كل المحاكم”، تقول المحامية خضر.

 

يتفق قواس مع خضر، ويقول أن إيجاد قانون مدني للأحوال الشخصية هو الأساس، "فالقانون سيطبق على جميع، بغض النظر عن القضايا المنظورة أمام القضاء ويستند على الاتفاقيات الدولية المراعية لحقوق الإنسان”.

 

ميراث

القاضي جورج شرايحة من محكمة الاستئناف لروم الكاثوليك، يرى أن الميراث المطبق على المسيحيين يتبع الشريعة الإسلامية وهذا ما قد يؤثر على نساء مسيحيات “نرصد هذا عن قرب من خلال تعاملنا مع الحالات".

 

كما ويتفق الأب شرايحة مع الناشطين في إيجاد قانون أحوال شخصية مدني، لأجل مساواة الرجل مع المرأة، ويقول: "هي شريكة في العمل وبكل مناحي الحياة”.

 

يضيف الأب أن قانون الأحوال الشخصية المدني "من شأنه معالجة القضايا على اختلاف أطياف الناس الدينية"، لافتا الأب شرايحة أن ثمة مساعي سابقة من قبل القيادات الدينية لإيجاد تطبيق لفكرة القانون المدني، "لكنها لم تجد طريقها على أرض الواقع”.

 

قواس ينتقد قانون الأحوال الشخصية، ويعتبره "فرقّ بين الديانتين الإسلامية والمسيحية، فضلا عن مخالفته للدستور في مساواة الرجل والمرأة، ويقول: “القانون نزع حق الحضانة من المرأة غير المسلمة، كما نزع منها حق الإرث إذا كانت متزوجة من مسلم”.

 

في إطار هذا المطلب الذي يراه قواس بالحقوقي، يستند غيره من ينادوا بهذه الحقوق على نسبة المسيحيين في الأردن التي تراوح نسبة (4%) من عدد السكان أي حوالي (250) ألفا بينما تراوح عدد المقيمين منهم داخل الأردن إلى 170-190 ألفاً.وتبقى النسبة غير محددة بعد، في ظل عدم وجود ارقام رسمية.

 

يسوق الأب شرايحة مثلا حول واقع المسيحيين في سورية، الي اقر قبل سنة مجلس الشعب السوري قانونا خاصا يمنح المسيحيين الخصوصية في الأحوال الشخصية، بذلك يجد المسيحي انصافا في تعاطيه مع المحاكم.

 

خضر ومن خلال عملها كمحامية، ترصد مشاكل جمة تواجهها النساء خلال الاجراءات القضائية "بسبب وجود محاكم استنئاف وتمييز خارج المملكة"، وقناعتها أنه آن الأوان لتصويب هذا الوضع.

 

وتزيد أن هناك حاجة ليكون هناك سياق موحد لأداء المحاكم من حيث الرسوم والمدد واجراءات التقاضي والمواعيد.

 

على المدى البعيد تتمنى المحامية أسمى خضر الوصول إلى قانون أحوال شخصية للأسرة يحترم العقائد الدينية مسلمة ومسيحية ويطبق على الجميع بعدالة ومساواة ويأخذ بالاعتبار خصوصية الطوائف.

 

وفي نطاق المستطاع، كما توضح لنا المحامية آمال حدادين فأنهم قدموا إلى اللجنة العليا المختصة بتعديل الدستور تعديلا على نص دستوري من شأنه إلغاء النص الذي يتيح إنشاء محاكم شرعية أو كنسية وخاصة بالعموم.

 

رصد لحالات

“القانون لم يأخذ بعين الاعتبار تعدد الأديان في الأردن واعتمد فقط على الديانة الإسلامية كتشريع أساسي”، يقول قواس.

 

ولا يتوقف حرمان المرأة عند الارث، وفق قواس، فقد طال قضايا حساسة مثل تغيير الدين حيث تفقد المرأة حقها عند زواج زوجها من أخرى مسلمة واعتناقه الاسلام ما يعني ذلك طلاقها، ويضيف أن المشكلة تكمن في عدم تساوي الذكر والانثى فمنذ العام 1993 والشريعة الاسلامية تطبق في الاحوال الشخصية للمسيحيين في الأردن، ما يعني ذلك حق الانثى نصف ما يأخذه الذكر.

 

أما المشكلة الثانية، وفق حديثه "لوثائقيات حقوق الإنسان" فاذا كانت للاسرة بنات فلا يرثن وإنما يعود الارث للعصب الأول اي الأشقاء بحيث يرث، “لدي اربع بنات هن اولى من اشقائي لما هذا التمييز”.

 

يروي قواس مثالا عن زواج مسيحي من مسلمة، ورغم زواجه سابقا من مسيحية، اعتبرت زوجته الأولى مطلقة لعدم جوازه الجمع بين اثنتين استنادا للديانة المسيحية، فيما اعتبر أطفاله القاصرين مسلمين الزاما، غير القاصرين فقد لا يسلموا ما يعنيه ذلك حرمانهم من الارث.

 

يواصل حديثه "إحدى الزوجات المسيحيات هربت من زوجها وتزوجت آخر مسلم، وعند مراجعته المتصرف خيرهُ بين ترك زوجته أو اعتناق الاسلام لكي يعيدها إليه".

 

في ذات السياق، تسجل المحامية والناشطة الحقوقية إيفا أبو حلاوة حالة سيدة سورية مسيحية، وبعد خلافات مع زوجها ومراوحة حق احتضان أطفالها بينها وبين زوجها، تم منعها من السفر لبلدها سورية مدة 16 عاما، "وهذه مثال واضح على عدم انصاف المرأة".

 

إزاء تلك الحوادث، يرى قواس أن أي اعتناق للدين بناء على إيمان فهذا حق له، بينما إذا أراد تغيير الدين بناءً على تغيير وضع اجتماعي محدد لتجاوز قرارات محاكم كنسية أو شرعية فهو امر مرفوض والقاضي عليه إيقافه.

 

من هنا يشير قواس إلى الحاجة الماسة لقانون مدني يعالج تلك الاختلالات، “نحن ضد التبشير لكن ما نريده قانون مدني علماني لا ديني ولا يتنافى مع المؤمنين بالله"، وفق قوله.

 

المحامية فضّول تقر أن هناك حالة من عدم الاكتراث بحقوق المسيحيين في الأردن، ما أضحت مشكلاتهم مغيبة عن الجهات كافة. وتروي قصة طفل مسيحي شاهد صديق له اختار الحضانة عند أمه بينما هو لم يستطع، قائلا في المحكمة الكنسية لماذا صديقي اختار أمه بينما أنا لا استطيع، معتبرة أن هناك "تمييز" بحق تلك الفئة.

 

الناشط الحقوقي الدكتور عاكف المعايطة، يرى أن الأصل هو "المساواة" في الحقوق والواجبات بين الرجال والنساء بدءً من الدستور الأردني في مادته السادسة، "لطالما يساوي أبو القوانين بين الجنسين من هنا يأتي إلزاما تعديل القوانين بحيث لا تعارض الدستور الأردني"، ويعتقد أن الفرصة مهيئة الآن خلال فترة إجراء التعديلات على الدستور.