مصريون في الأردن: صمت على الانتهاكات لأجل الخبز

الرابط المختصر

*ثورة مصر قلصت عدد المصريين في الأردن * يراوحون الـ٤٠٠ ألفا نصفهم دون تصاريح *ينتشرون في قطاعات تغيب عنهاالحقوق

 

محمد شما لوثائقيات حقوق الإنسان

يشاع بين المصريين العاملين في الأردن أنهم لو غادروها لتوقف البنيان في هذا البلد الذي فتح أسواقه أمام العمالة المصرية وجنسيات أخرى على مصراعيه منذ سبعينيات القرن الماضي.

 

ليس غريبا هذا الطرح أمام انتشار كبير للعاملين المصريين في مجمل قطاعات العمل لاسيما القطاع الإنشائي الذي تشكل نسبتهم فيه ٧٠٪.

 

حامد درويش، يعمل في قطاع الإنشاءات منذ 4 سنوات، يتقاضى أجرأ يوميا "مقتطعا" بحجة أن صاحب العمل سيعطيه كامل الأجر بعد انتهاء أعمالهم، لكن ما يحصل هو "انتهاء المشروع، وزيارات عديدة حتى أحصل على كامل أجري". يتحدث درويش عن ظروف عمل صعبة خصوصا عندما يكون مريضا العامل، "يقال له روّح هكذا ببساطة".

 

وظروف عمل المصريين قد تخرج من قطاع الإنشاءات إلى قطاعات أخرى مثل المطاعم والمقاهي. وهنا نذهب إلى العامل أحمد أبو العيلة الذي قضى ١٠ سنوات وما يزال في أحد المطاعم الشهيرة بوسط البلد، في مجال إعداد السلطات والتنظيف. رغم خبرته الكبيرة كما يقول لنا، إلا أن أجره اليومي لا يتجاوز ٢٥٠ ديناراً، رغم طلباته العديدة بزيادة أجره.

 

يذكر مرة أن صاحب المطعم أعلن عن مفاجئة لعماله وكانت كما يروي لنا أحمد " زيادة مقدارها دينار ونصف الدينار لكل واحد منا"، يقولها بشيء من السخرية، ووافقه الرأي زميله في العمل سيد.  "لا يوجد خيار آخر، إذ لم يعجبك ذلك، فهناك وظائف أخرى اذهب إليها"، تلك إجابة صاحب المطعم في رده على طلب أحمد المتكرر بزيادة أجره.

 

إجابة صاحب العمل تتكئ على ما يشهده سوق العمل الأردني من تضخم في العمالة، وغياب الحكومة الأردنية عن ضبط السوق الذي يشهد عرضا على حساب الطلب. فمعضلة عدم زيادة الأجر لا تتوقف عند أحمد فقط بل عند كثير من العمال، الذي يعملون لساعات تتجاوز ١٢ ساعة يوميا، أما الإجازة الوحيدة هي يوم الجمعة فقط، فضلا عن غياب التأمين الصحي والضمان الاجتماعي.

 

محمد محسن يعمل في قطاع الإنشاءات بواقع ٦ دنانير لليوم الواحد،  يدرك أن حجم تعبه لا يضاهي عناء العمل. أما رفيقه إسماعيل يعمل هو الآخر في ذات القطاع منذ ٦ شهور، يجمع في آخر الشهر ١٣٠ دينارا، "فليس باليد حيلة أعاني من حساسية جراء طبيعة عملي وكل يوم يمر وأنا هنا أخاف من القادم".

 

وليس غريبا أجر محمد فيما لو اطلعنا على دراسة مشتركة لدائرة الإحصاءات العامة ومؤسسة الضمان الاجتماعي، التي تفيد بأن ٩٠٪ من العمال في الأردن سواء محليين أو وافدين يتقاضون أجورا لا يزيد عن 300 دينار.

 

في قانون العمل الأردني، لا يوجد تمييز بين العمالة الوطنية والوافدة، باستثناء حق الانتساب للنقابات العمالية، وهذا الحق كما يراه مدير المرصد العمالي ومركز الفينيق للدراسات المعلوماتية والاقتصادية أحمد عوض أساسي وحق للعمال.

 

صون حقوق العمال يكمن في التشدد في دخولهم إلى الأردن، "إغراق السوق بهم يقلل من كلف أجورهم ويزيد التعدي على حقوقهم. الحد من دخولهم إلى الأردن سيقلل من الانتهاكات"، يقول عوض.

 

قطاعات تغيب عنها الحقوق

واقع المصريين ليس بعيدا عن واقع العمال الأردنيين في القطاعات الحرة تقريبا، فهم يعملون في قطاعات غير منظمة "وفيها يتعرضون للجور من أجور متدنية وبطالة وخاصة بين الفئات التي تنتظر العمل في الطرقات"، وفقا لعوض.

 

خبراء اقتصاديون يرصدون دورا وصفوه بالهام للعمالة المصرية في مسيرة البناء والتطوير في معظم القطاعات كالزراعة والإنشاءات والعقار والصناعات التحويلية، إلى الخدمات والكهرباء وغيرها.

 

أحمد الطراونة، نقيب مقاولي الإنشاءات، يعيد سبب تواجد العمالة المصرية في قطاع الإنشاءات إلى "مشقة العمل والمتطلب البدني الكبير في القطاع، الأمر الذي تحجم عنه العمالة الأردنية”.

 

ويزداد عدد المصريين في القطاعات التي يتقاعس الأردنيون عن العمل بها مثل الزراعة والخدمات، لذلك توصف العمالة المصرية في الأردن بأنها "تكميلية" وليست "إحلالية" لسد النقص في سوق العمل، ومع مرور الوقت تسارع تدفق العمالة الوافدة إلى الأردن حتى بلغ عددهم في نهاية عام ٢٠٠٩ نحو ٣٣٥ ألفا و٧٠٧ عاملا مصرح له.

 

يستبعد الطراونة حلول العمالة الأردنية مكان المصرية في هذا القطاع، ويقول أن الخطط لن تحقق أي خطوة في هذا القطاع. "لنقولها صراحة، أبناء البلد لا يعملون بقطاعات تتطلب جهدا بدنيا كبيرا وبأجر متواضع، وتحديدا ممن تجاوز الثانوية العامة".

 

وفق إحصاء لوزارة العمل، فإن نسبة ٨٩,٧٪ من إجمالي العمالة الوافدة أميون، و٧,٨ % يحملون شهادة الدبلوم المتوسط. أما نسبة العمالة المصرية في العام ٢٠١٠ فوصلت إلى ٦٩٪ من عموم العمالة الأجنبية في كافة قطاعات العمل، لكن العام ٢٠١١ شهد انخفاضا في نسبتهم إلى ٦٣٪ في الربع الأول.

 

هل هذا التراجع بسبب الظرف السياسي في مصر؟ لا يجزم عوض، "فلا نستطيع الحكم حتى لو كان مؤشرا، علينا النظر إلى كامل العام كي نحكم، وإلا فهي دلالة لرصد ما سوف تؤول إليه تلك النسبة".

 

عوض، يرصد واقع العمالة المصرية من حيث ظروف سكنهم كل (٧-١٠) يعيشون في غرفة واحدة وحمام مشترك وظروف ليست طبيعية، وهذا مرده "حالة فوضى يعيشها سوق العمالة، بعلم من وزارتي الداخلية والعمل".

 

حسب تعداد المرصد العمالي، فالعمالة الوافدة تصل إلى ٦٠٠ ألفا من بينهم ٤٠٠ ألف مصري، غير أن المسجلين لدى وزارة العمل فقط ٢٠٦ آلاف عامل" ومن هنا يقع انتهاك حقوقهم. المطلوب من وزارة العمل أن يكون لديها قواعد بيانات واضحة من حيث تمركز العمالة والاطلاع لأجل الحد من الانتهاكات التي يعانون منها".

 

على أن وزارة القوى العاملة في مصر متابعة لشؤون عمالها في البلدان المختلفة ومن بينها الأردن، فمن السهل معرفة ظروف تشغيل العمالة المصرية ابتداء من الحصول على التصاريح انتهاء بالعمل بالأردن، لكن واقعيا "الدور منقوص" كما يراه أحمد عوض. وهو ما أفرز انتهاكات لحقوق العمال، بدءا من بلدهم مصر حيث بورصة شراء تصاريح العمل، انتهاءً إلى العمل في الأردن والدول العربية.

 

الناشط الحقوقي المصري، نجاتي برعي، يرصد انتهاكات تقع بحق العمال المصريين القادمين إلى الأردن من زاوية أنهم "حرفيين أو نصف حرفيين" بالتالي يعملون في قطاع الإنشاءات الحرفية "حيث لا يوجد فيها المراقبة الجيدة، ما قد يوقع تجاوزات بحقوقهم".

المناطق الصناعية المؤهلة استوعبت العديد من العمالة المصرية، لكن مع الأزمات التي عصفت بها، جعلتها تستغني عن الكثير منهم، ما حدا بها إلى البطالة، مفضلين البقاء في الأردن على العودة إلى مصر وكل ذلك بسبب الأوضاع الاقتصادية.

يتجه المصريون إلى السوق الأردني لارتفاع عملة الدينار مقارنة مع الجنية المصري (دينار مقابل 7 جنيهات) فضلا عن سهولة الدخول نسبيا إلى الأردن مقارنة مع الدول العربية الأخرى.

 

الإشكالية التي يواجهها العامل المصري، هي عدم انضمامه إلى النقابات العمالية، رغم الحاجة إلى تعديلات في قوانينها. يوضح رئيس اتحاد النقابات العمالية، مازن المعايطة أن قانون العمل الجديد يتيح للعمالة الانضمام بنسبة لا تزيد عن ١٥٪. ودعا كافة النقابات إلى "تشجيع العمالة المهاجرة والأردنيين على الانتساب، من خلال تنظيم لجنة نقابية في كل منشأة يزيد عدد عمالها عن ٢٥ عاملا”. يتبع