ربيع أردني عاصف العام 2011

الرابط المختصر

رصد محمد شما لوثائقيات حقوق الإنسان

يدخل الأردنيون عامهم الجديد 2012 دون جدال حول ما تركه لهم العام 2011 من أحداث اعتبرت تحولا جذريا على مستوى الشارع أو على مستوى النخب السياسية؛ عام شهد أكثر من ألفي اعتصام احتجاجي واستقالات واقالات لصالح مكافحة الفساد هنا أو عدم توافق الرؤى من هناك.

لكن المؤكد أن تسونامي الربيع العربي في البلدان العربية كافة كان محل اجماع أردني، ذلك الربيع الذي اتاح بقادة عرب أو ثورات ما كان متوقعا أن تحدث وتحديدا في الجارة سورية.

مع دخول عام 2011 كان يشهد الشارع الأردني أزمة مع حكومته قبل السابقة هي حكومة سمير الرفاعي والتوقع الدائم تغييرها تماشيا مع انتفاضة الشارع العربي على انظمته، هذا العام حمل معه تغييرا جذريا على مستوى المملكة.

عام 2011 تبدلت فيه 3 حكومات بثلاثة رؤساء وأكثر من عشرين وزيرا في كل مرة، وشارع احتجاجي لم يكل احتجاجا على سياسات الحكومة وعلى فساد لم ينضب.

عام بدأ أتضحت فيه اثار الربيع العربي في شهر شباط الذي تبدلت فيه حكومة سمير الرفاعي بحكومة هي الثانية لمعروف البخيت وسط موجة من الاحتجاجات على شخصية طالما اعتبرت متورطة بفساد ملف الكازينو وتاريخ حافل من تزوير في انتخابات بلدية جرت في العام 2007 وتعامل اساء لجهاز الأمن العام في التعاطي مع احتجاجات الشارع وتحديدا في الخامس والعشرين من آذار، ما اعتبر الاسواء في تاريخ الحكومات الأردنية وزاد عليه استقالات شخصيات عدة جراء هذا الحدث.

على كل حال لم تدم حكومة البخيت سوى ستة شهور حتى اقالها الملك واستبدالها بشخصية اردنية دولية وهو القاضي الدولي في المحكمة الدولية د. عون الخصاونة لكن الشارع لم يكل على سياسة متجذرة هذه المرة وليست على اشخاص.

تعديلات الدستور وسجالها

غير أن ما ينظر له في العام 2011 هو إجراء تعديلات دستورية وصفت بالسابقة في تاريخ المملكة لكنها جاءت متوازية مع الوضع العربي الراهن والتي فيها تمت اجراء تعديلات على عدة نصوص دستورية وصفت بالجوهرية من حيث صلاحيات لمجلس النواب وربط حله بحل الحكومة وغيرها من التعديلات التي واكبت إلى حد ما حقوق الإنسان لكنها ومع ذلك لم تنل رضا الحراك الشعبي الذي اراد تقليصا لصلاحيات الملك فضلا عن منع الازدواجية للنواب ما ادخلهم في دوامة البحث عن من يتمتع بجنسيات اخرى بعد قبول استقالة واحد.

واقرار التعديلات بتاريخ الرابع والعشرين من أيلول سجل علامة فارقة خصوصا وان التعديلات الجوهرية لم تمس منذ عشرات السنين وليعتبر وقتها مجلس النواب السادس عشر بأعظم انجازاته.

لجان وطنية

بتاريخ السادس والعشرين من شباط اعلن عن تشكيل لجنة حوار وطني برعاية ملكية من شأنها تقديم مقترحات وتطلعات المجتمع المدني والأحزاب والشارع الأردني ونقلها لصناع القرار غير أن عدد من الأعضاء الذي تقرر اختيارهم انسحبوا سيما المحسوبين على الإسلاميين وكانت أولوياتها تقديم مقترحات على قوانين الاحزاب والانتخاب والنظم الانتخابية الأفضل للأردن.

تبعها بشهر واحد تشكيل الملك الأردني عبدالله الثاني لجنة لمراجعة نصوص الدستور الأردني تهدف إلى إحداث تعديلات تقود لإصلاحات سياسية حقيقية. وأكد الملك في رسالته أن تشكيل اللجنة جاء بعد أن خرجت آراء في الساحة الأردنية تدعو لمراجعة التعديلات التي طرأت على الدستور الأردني تأثرا بما يجري من تطورات إقليمية.

3 حكومات وعام واحد

بتاريخ الأول من شباط 2011 قبل الملك استقالة حكومة سمير زيد الرفاعي وتكيلف معروف البخيت بتشكيل حكومة جديدة تعتبر الثانية للأخير، بأولويات حددها كتاب التكليف الملكي باجراء إصلاحات سياسية أملا بإرضاء الشارع الذي قابل الحكومة بتعزيز الحراك الميداني رفضا لشخص البخيت الذي اعتبره بطل فضيحة الكازينو ليستمر الحراك تماشيا مع الربيع العربي.

وبعد مرور عدة شهور، وفي تاريخ السابع عشر من تشرين أول الماضي كلف الملك عبدالله الثاني القاضي الدكتور عون الخصاونة مهمة تشكيل حكومة جديدة خلفا لحكومة معروف البخيت التي اثارت سخطا جراء سياساتها التي وصفتها الأحزاب والحراك الشبابي بالقمعية والمخالفة لتوجهات الشارع.

شخصيات عامة في السجون وعزل أخرى واستقالة او اقالة

وإذا كان هناك تبدلا في الحكومات على المستوى الرسمي، فالعام 2011 شهد دخول شخصيات عامة السجون بعد اتهامها بقضايا فساد وهروب بعضها وربما السابقة الخطيرة في هذا المجال رجال الأعمال خالد شاهين الذي كان مسجونا ومن ثم تكشف عن وجوده في بريطانيا ومن ثم عودته في احداث دراماتيكية اتهمت حكومة البخيت بالضلوع في تسهيل هروبه، غير أن عمدة عمان عمر المعاني ولاتهامه بقضايا فساد واخلال وظيفي ادخله السجن في كانون الأول.

وربما مثول رئيس الوزراء معروف البخيت خلال منصبه للتحقيقات في قضية الكازينو سجلت خطوة في محاولة ادانته لكنه لم يدن فيما سجل سجن المدير العام لمؤسسة موارد السابق أكرم أبو حمدان بالخطوة الهامة خاصة وانه قد سبقه في السجن الوزير السابق عادل القضاة في قضية المصفاة والرشى التي تلقاها من المذكور أعلاه خالد شاهين.

وفي الاحداث المتعلقة بالشخصيات العامة، اثارت خطوة اقالة محافظ البنك المركز الشاب فارس شرف احتجاجا بين النخب السياسية وصدمة للتيار الليبرالي لاسباب لم توضح وهو نفسه الذي اعتبر ان ثمة اهداف سياسية من وراء تلك الخطوة، غير أن والدته العين السابق ليلى شرف وكخطوة احتجاجية قدمت استقالتها من عضوية مجلس الأعيان بعد محاولات عديدة من قبل رئيس المجلس طاهر المصري من العدول عن قرارها لكن الملك عبدالله الثاني اعادها.

وسياق تداعيات الأحداث، شهدت خيمة احتجاجية اقيمت في منطقة سلحوب اوائل تشرين أول اطلاق رصاص بين بلطجية والمشاركين في الاعتصام الذي كان برعاية وحضور رئيس المخابرات الأسبق ورئيس المركز الوطني لحقوق الإنسان الاسبق أحمد عبيدات في احداث اعتبرت تقليما لحراك الرجل الذي رأى البعض بالصاعد في الأحداث.

استقالة الوزيرين العدل حسين المجلي والصحة ياسين الحسبان اوائل السنة الحالية في حكومة معروف البخيت كاشف شرخا داخل اعضاء حكومته على احداث هروب خالد شاهين وتحميل الوزيرين مسؤولية الهروب وضمنا وزير الداخلية سعد هايل السرور آنذاك.

ومسلسل الاستقالة لم يتوقف عند حدود الوزيرين إنما تبعه استقالة وزير الدولة لشؤون الإعلام طاهر العدوان احتجاجا على قانون المطبوعات والذي اعتبره تعسفي ومجحف بحق الحريات العامة في الأردن لتشكل الاستقالة ضربة اخرى لحكومة البخيت التي كانت تواجه ازمة على المستويات السياسية والشعبية والتنفيذية ،في الحكومة.

عفو عام

على مدى سنوات لم يقر قانون العفو العام لكنه في شهر حزيران 2011 اقر رسميا بتوشيح ملكي استفاد منه المئات من السجناء وتحديدا ما ادرجت قضاياهم بغير الخطرة وغير الجنائية لكنها لم تشمل سلفيين نفذوا اعتصامات وصف قادتهم بالسياسية والخطيرة لكن العفو شمل ما يقارب 6 آلاف و200 موقوف.

شارع لم يهدأ

مع الثورة التونسية والمصرية ولأسباب اقتصادية واحتقان سياسي وتماشيا مع الربيع العربي، اعتاد الشارع الأردني عبر أحزابه وحراكه الشبابي من تنفيذ مئات المسيرات التي حملت شعارات سياسية تطالب بحل الحكومة والبرلمان وتقليص صلاحيات الملك ما وصفت بالجريئة ومطالبات اقتصادية تتعلق بارتفاع الأسعار وبرز في حينها حراك شبابي نشط كحال حراك 24 آذار.

ومع ضغط الشارع قامت الحكومة بالتكلف بمبلغ 225 مليون دولار لخفض أسعار المحروقات بنسبة 5% وأسعار السكر والأرز بنسبة 10%، كما قامت بتخفيض الضرائب ورغم ذلك إلا أن الاحتجاجات الشعبية لم تتوقف أبدا.

المطالبات التي ظلت تترد كانت تتناول إصلاح النظام وتحقيق إصلاحات سياسية عاجلة والمحاربة الجدية للفساد وكف يد المخابرات العامة عن الحياة العامة وإسقاط اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية المعروفة باتفاقية وادي عربة.

حراك الرابع والعشرين من آذار وفي خيمته المفتوحة التي بدأها في دوار الداخلية شكلت ازمة سياسية في البلاد لم تشهد مثيلا لها اعقبها صدام مع قوات الدرك والأمن العام الذي و صف في حينها بالتعامل بقسوة مع المعتصمين اعقبه وفاة احد المواطنين ويدعى خيري جميل لكنها وصفت بالوفاة الطبيعية وسط تشكيك حقوقي من قبل المركز الوطني لحقوق الإنسان والمنظمة الدولية هيومان رايتس ووتش.

وفض الاعتصام هذا الحراك عمق الأزمة مع حكومة البخيت الثانية خصوصا وانها اتهمت بتحريك ما بات يسمى في البلدان العربية ببلطجية النظام. والتداعيات السياسية لهذا الحدث كانت استقالة 15 من اعضاء لجنة الحوار الوطني بعد أقل من أسبوعين على تشكيلها- احتجاجا على فض الاعتصام بالقوة.

ومع استمرار الحراك الشعبي وقعت مصادمة عنيفة بتاريخ الخامس عشر من نيسان في الزرقاء عندما نظم سلفيون اعتصاما طالبوا فيه بضرورة الإفراج عن اعضاء من تيارهم ما دفع قوات الدرك بإيقافهم بالقوة غير أن صدامات نشبت بين الطرفين اعقبت جرحى ما بينهما، وليتم سجن العشرات من ابناء التيار في السجون.

وينظر إلى الحراك الاحتجاجي في محافظات وتحديدا في اقليم الجنوب بالجريئ وغير المألوف في المحافظات سيما مدينة الكرك والطفيلة التي يعتبر سكانها بأنها محافظات مهمشة لترتفع سقوف مطالبهم إلى ضرورة تفاعل الملك معهم.

اراضي الدولة

وأحد أكثر الإشكاليات التي احرجت الديوان الملكي، تلك التي اعلنها بتاريخ الخامس من كانون أول عن تسجيل أراض خزينة الدولة باسم الملك عبد الله الثاني، وانحصارها خلال الفترة الممتدة بين عامي 2000 و2003، وكشف وقتها مستشار الملك لشؤون الإعلام والاتصال، أمجد العضايلة، أنه تم تسجيل 4827 دونما باسم الملك غالبيتها العظمى خارج عمان لأغراض تنموية وبهدف تسريع وتسهيل.

وهذا الكشف اثار لغطا وانتقادا واسعا من قبل الحراك الشعبي والحزبي الذي وصفها بغير القانونية خاصة وأن بداية العام الجاري 2011 شهد حراك ملفتا لأبناء عشائر طالبوا بمنحهم أراضي فيما تسمى "باراضي الواجهات العشائرية" ما احدث قلقلة لدى صناع القرار في الأردن.

 

تأجيل الانتخابات البلدية واستحداث بلديات عشوائيا

كان من مقررا إجراء انتخابات بلدية أواخر العام 2011 لكن مع تبديل حكومة البخيت للخصاونة تقرر تأجيلها لاسباب عدة أبرزها عدم جاهزية قانون البلديات المنظم للانتخابات وعدم جاهزية الدولة بعد لإجراءها فضلا عن التوترات التي صاحبت مطالبات تجمعات سكانية بفصلهم عن بلديات واستحداث بلديات جديدة وقيام حكومة البخيت بمنح البلديات بشكل اعتبره البعض يخلو من الدراسة المتأنية والإرضائية للحراك الشعبي في المحافظات.

وفي واحدة من قرارات حكومة عون الخصاونة الحالية تم الإعلان رسميا عن تأجيل الانتخابات البلدية إلى الربع الأول من العام 2012 إلى حين اعداد الاجراءات اللازمة والعودة عن قرار استحداث العديد من البلديات لاسباب اعتبرت بغير المطابقة للتعليمات.

توترات مع الجارة سورية

ربما الحراك الأردني لا يقارن بالحراك الذي تشهده الجارة سورية والتي شهدت توترا مشوبا بالحذر جراء اتهام سوري الأردن بالتساهل مع نشطاء بتمرير اسلحة وتضييق على حركة مرور البضائع في تشرين ثاني لكن الأردن والذي التزم الصمت ساهم في تجاوز الأزمة التي فيما لو وقعت لتنذر بتوتر لا يحمد عقباه.

ومع سخونة الأحداث في سورية نال عدة أردنيين نصيبا من الأحداث، إذ تم تسجيل مقتل اربعة أردنيين في مناطق متعددة في سورية وسط حذر اردني من الآتي على الجارة سورية التي تواجه ثورة شعبية غير مسبوقة على نظام البعث هناك.

انقطاع الغاز المصري

لأكثر من 8 مرات تم تفجير خطوط الغاز المصري مع الأردن واسرائيل على مدار العام 2011 ذلك عقب سقوط نظام المخلوع حسني مبارك ليضع المملكة في ازمة اقتصادية لم تشهدها سابقا على اعتبار انها اعتمدت على مخزونها الاستراتجي القليل ما ينذر في حال استمرار التفجيرات على الأنابيب إلى رفع الأسعار لتعويض الضرر والخسارة وهو ما يشكل تحديا كبيرا للحكومة الحالية في ظل الاوضاع الاقتصادية المتردية.

نقابة المعلمين أولى ثمار الربيع

في زهور الربيع الأردني، يرى البعض أن حصول المعلمين الأردنيين على نقابة لهم بعد سنوات من المطالبات وحراك لم يهدأ حتى قبل الاحتجاجات المتواصلة شكل خطوة ايجابية بعد خروجه قانون النقابة من مجلس النواب واخذه المجريات الدستورية وكان ذلك بعد بعد إعلان المجلس العالي لتفسير الدستور عن انشاء النقابة أمر دستوري كان في تاريخ الرابع والعشرين من آذار.

ومع دخول قانون نقابة المعلمين حيز التنفيذ في الرابع عشر من تشرين أول اعتبر القائمون على حراك المعلمين بأنه انتصار للمعلم الأردني الذي طالما نادى بمظلة له بعد اعتراضات وممانعة من أعلى المستويات.

عام بأي حال قد تـأتي

يتندر الأردنيون النكات عن عامهم الجديد القادم وما سيحمله معه هذه المرة، فهو إما قد يكون على شكل وجبة جديدة من حكومات في ظل خريف عربي بارد قد يلقي بظلاله عليهم.

 

أضف تعليقك