بورصة تُجّار الانتخابات تبدأ بـ25 دينارا وتنتهي بـ 150

الرابط المختصر

تشديد العقوبة على سماسرة الانتخابات يزيد من سرية عملهم

بورصة تُجّار الانتخابات تبدأ بـ25 دينارا وتنتهي بـ 150

 

تحقيق محمد شما، نور العمد

* هذا التحقيق بدعم من السفارة الهولندية في عمان، و باستشارات من قبل شبكة أريج للصحافة الاستقصائية والمركز الدولي للصحفيين.

 

تشديد العقوبة على سماسرة الانتخابات يزيد من سرية عملهم * بورصة المال السياسي تشتعل في الدائرة الأولى والثانية *أزمة في توثيق عمليات بيع وشراء الأصوات

 

لا يبدو الأفق بعيدا عن مرشح في الدائرة الأولى في العاصمة عمان، لنيل ما يطمح له من الوصول إلى مجلس النواب السادس عشر، طالما أن أناسا نشطوا في حملته للحصول على هويات مواطنين يضمنون له بطاقة عبور آمن إلى المجلس.

 

بسعر يتراوح ما بين خمسةٍ وعشرين إلى أربعين دينارا يتسابق مؤازرو أحد المرشحين لشراء الأصوات. تنافس محمومٌ بينهم لأجل الوصول إلى أكبر عدد ممكن من هويات مواطنين يريدون المشاركة في الانتخابات النيابية

 

تشديد العقوبة على سماسرة الانتخابات يزيد من سرية عملهم * بورصة المال السياسي تشتعل في الدائرة الأولى والثانية *أزمة في توثيق عمليات بيع وشراء الأصوات

 

لا يبدو الأفق بعيدا عن مرشح في الدائرة الأولى في العاصمة عمان، لنيل ما يطمح له من الوصول إلى مجلس النواب السادس عشر، طالما أن أناسا نشطوا في حملته للحصول على هويات مواطنين يضمنون له بطاقة عبور آمن إلى المجلس.

 

بسعر يتراوح ما بين خمسةٍ وعشرين إلى أربعين دينارا يتسابق مؤازرو أحد المرشحين لشراء الأصوات. تنافس محمومٌ بينهم لأجل الوصول إلى أكبر عدد ممكن من هويات مواطنين يريدون المشاركة في الانتخابات النيابية.

 

معركة حامية الوطيس تدور رحاها في مناطق دوائر عمان السبع؛ فنار الانتخابات تشتعل أكثر في الدوائر الأولى والثانية والثالثة؛ حيث الكثافة السكانية ونسب البطالة المرتفعة، في الأولى والثانية، لوجود مخيمات اللجوء الفلسطيني حيث الاكتظاظ والعشوائية والفقر.

 

اختلفت هذه الانتخابات في أساليب جذبها للمواطنين، من حيث ابتعادُ العديدِ منهم عن أشكال الدعم المباشر المتمثل بالمال، وبات الأسلوب غير المباشر هو الدارج؛ عن طريق وجبات طعام كحال أحدهم والذي يملك مطعما شهيرا يضمن دخولا مجانيا لمؤازريه ومن يعملون معه على سبيل الدعم غير المباشر، أو من يقدم الخدماتِ الطبيةً المجانية شاملة الدواء، كذلك التوسط لأجل تعبيد طرق تسهيلا على المواطنين في مناطقهم.هذه الخدمات الأساسية تمثل بوابة عبور المرشحين إلى مجلس النواب المعني أساسا بالرقابة على الحكومة وإصدار التشريعات.

 

كان قرار ملكي صدر في تشرين ثاني العام 2009 يقضي بحل مجلس النواب الأردني الخامس عشر، ولم يكمل مدته الدستورية 4 سنوات، بعد عامين ونصف العام على ولادته، وسط تأييد شعبي آنذاك.

 

حمى التنافس بين المرشحين ازداد وسط سلسلة انسحابات فيما بينهم، فمن أصل ثمانمائة وثلاثة وأربعين مرشحا هبط العدد إلى سبعمائة وثلاثة وستين من بينهم مائة وأربع وثلاثون مرشحة، في عمان وحدها، ما يقرب من مائتي مرشح بينهم سبع عشرة امرأة.

 

على مساحة جغرافية تزيد عن ثلاثة عشر ألف كيلومتر مربع، يتنافس أردنيون مرشحون لنيل حصة لهم من كعكة مجلسهم السادس عشر؛ يمثلون حجما ديمغرافيا يصل إلى مليونين ونصف المليون في كامل حدود العاصمة.

 

بورصة الأموال

عقارب الساعة تشير إلى السادسة والنصف مساء يوم الخميس الموافق 21-10-2010 ، كان “بشار” 26 عاما، متواجدا في محل لبيع مواد البناء في منطقة الأشرفية، شرق العاصمة، صادف سيدة أربعينية تناقش صاحب المحل الذي يبدو أنه يعرفها مسبقا، عن الانتخابات وبلحظة توجهت إليه بالحديث “هل تود المشاركة في الانتخابات” قال لها “لم أحدد موقفي بعد”، فقالت “هل تود أن تأخذ مبلغ 25 دينارا لصالح أن تصوت للمرشح “غ ع””، لم يجبها وبدأت تسهب في حديثها معه، مقترحة أن يعطيها هويته الشخصية على أن تبقى لديها 3 أيام.

 

رفض “بشار”عرض السيدة، لكونه تعرض بتاريخ 19-10-2010 لعملية شراء أفضل لأحد السماسرة والملفت أنه من ذات المرشح بمبلغ 40 دينارا.

 

بدأت السيدة تفاوض “بشار” والذي يعمل في كفاتريا قهوة سائلة في شارع وادي صقرة، على المشاركة والدفع من خلالها هي؛ مشككة بروايته في أن أحد المؤازرين الآخرين عرض عليه هذا المبلغ، لكنه أكد ذلك مع عدم حجز الرجل لهويته، لكنها قالت مسرعة له أنها ستعطيه المال حالا، فأجابها بسرعة أن الرجل أيضا بذات الوقت سيعطيه المال.

 

غير أن عرض السمسار لا يشمل حجز الهوية، بينما السيدة تعطي مبلغ 20 دينارا مع حجز الهوية. بعد نقاش دام لربع ساعة من الوقت، طلبت السيدة من صاحب المحل أن يؤمن لها هويات مواطنين، حديثها معه وكأنها تعرفه، قائلة له “ولك حساب على ذلك”. مؤكدة لبشار أنها تملك كمية كبيرة من الهويات.

 

الحلفان بالقرآن الكريم وحجز الهويات، وملحقاتها من ممتلكات، لم يتسن لنا التأكد منها، كلها ممارسات لضمان تصويت الجمهور الناخب للمرشحين، وقد يذهب البعض إلى “حجز هويات مواطنين مقاطعين للانتخابات وذلك لضمان عدم تصويتهم للمرشح المنافس”، وهذا وفق مصدر لنا في محافظة معان في جنوب المملكة.

 

الشاب “فواز” 23 عاما تفوق، على “بشار” في قيمة العرض المالي الذي تعرض له، حيث يدرس الصيدلة في الجامعة الهاشمية، عُرض عليه مبلغ 70 دينارا، قيمة المبلغ جاءت من خصوصية كونه ناشط في جامعته، حيث تلقى عرضا من أحد مؤازري المرشح “ح ص” مع نسبة مالية تصل إلى 10 دنانير عن كل هوية يأتي بها.

 

وحال فواز انسحب أيضا على “نهاد” الذي عرض عليه مرشح في الدائرة الأولى في عمان شراء صوته بعشرين ديناراَ. كان شاهدا على حالات كثيرة لعمليات بيع الصوت لذات المرشح.

 

250 هوية بـ10 آلاف دينار

عن طريق مصدر لنا، تمكنا من تسجيل محادثة بينه وبين أحد السماسرة لمرشح في الدائرة الثانية “غ ع”، كان يجمع السمسار مئتي هوية غالبيتها من عموم عائلته، بعرض مالي وصل إلى 10 آلاف دينار متفوقا على مرشح آخر من ذات الدائرة “س د” عرض مبلغ 5 آلاف دينار لكسب تلك الهويات.

 

المصدر: جمعتم الهويات أم ما زلتم

 

السمسار: هوياتنا جاهزة انتظر الاجتماع

 

المصدر: كم عدد الهويات التي جمعت؟

 

السمسار: هوياتنا، عائلة…….

 

المصدر: عندما قالوا لنا اجمعوا 200 هوية بـ10 آلاف دينار هذا ما أذكره؟

 

السمسار: فعلا

 

المصدر: طيب لوجمعنا 250 هوية فكم يعطونا من المال

 

السمسار: المبلغ الذي عرض علينا 10 آلاف دينار

 

المصدر: ممتاز

 

السمسار: لكن هناك ناس نفوسهم مريضة يريدون مبلغا أكبر (علما أن جميع الهويات من عشيرة واحدة)

 

المصدر: يريدون أكثر

 

السمسار: نحاول لم 250 هوية نريد في الاجتماع التأكيد على المرشح لا هويات قبل الدفع.. سنقرر بعد الاجتماع حرق السوق كاملا لجمع أكبر عدد ممكن من الأصوات خارج إطار العائلة حتى لو اضطررت لشراء الأصوات شراءً

 

المصدر: قلت لي أن أحد المرشحين سيدفع مبلغ 5 آلاف دينار

 

السمسار: نعم المرشح “س د” سيدفع 5 آلاف دينار

 

المصدر: ليست كثيرة

 

السمسار: نعم وقد أوقفت التفاوض معه لصالح عشرة آلاف دينار

 

رشوة مال سياسي

ُعرضت رشوة مالية على الزميل تامر الصمادي الصحفي في راديو البلد أثناء تغطيته لإحدى المقرات الانتخابية، يوم الأحد الأول من تشرين ثاني، وفي تمام الساعة الثامنة والنصف مساءً، تعرض إلى عملية رشوة بمبلغ 200 دينار من مدير الحملة الانتخابية للمرشح، رافضا الصمادي المبلغ، لكن مدير الحملة قال له: “هناك عدد كبير من الصحفيين قبلوا أموالا لماذا أنت لا” فأوضح له الصمادي أنه مخالف لمواثيق الشرف والمهنة. كان مدير الحملة يسعى بشكل أو بآخر دعم الصحفيين ماديا لمؤازرته في حملته الانتخابية.

 

عقد اتفاق

حصل موقع “عرب نيوز” الإخباري بتاريخ الأول من تشرين ثاني على وثيقة عقد، يقوم من خلاله مكتب دعاية وإعلان بإبرام عقود عمل مؤقت لصالح مرشح في الدائرة الخامسة في لواء بني كنانة، بمحافظة اربد، شمال المملكة، “أ ر” يلزم الطرف الثاني “الناخب” بحث الآخرين على انتخاب المرشح، بالإضافة إلى مجموعة بنود من شأنها الالتفاف على المادة 20 (أ ، ب) من قانون الانتخاب، والتي تحظر على أي مرشح أن يقدم من خلال قيامه بالدعاية الانتخابية هدايا أو تبرعات أو مساعدات نقدية أو عينية أو غير ذلك من المنافع أو يعد بتقديمها لشخص طبيعي أو معنوي سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو بواسطة غيره بما في ذلك شراء الأصوات.

 

اتهام بألف دينار

المرشحون تبادلو الاتهامات باستخدام المال لشراء الأصوات، نقل المرشح يحيى السعود عن شاب يدعى أنور العجوري، حادثة حصلت مع مرشح متنافس معه في منطقة جبل الجوفة شرق عمان ضمن الدائرة الثانية، وحصوله على مبلغ ألف دينار لحشد أصوات لحملته الانتخابية.

 

غير أن العجوري وزع المبلغ على الفقراء ما أثار الراشي والذي أبلغ عنه الأجهزة الأمنية بتهمة تلفيقية متهما إياه بالسرقة، وبدورها رصدت الأجهزة الأمنية الحالة كسرقة وأوقفته إداريا وسرعان ما أفرجت عنه خلال يوم واحد.

 

واتهم السعود في حديث له أمام قاعدته الشعيبة يوم الحادي عشر من تشرين أول، في تمام السابعة والنصف مساءً، بتواطؤ مسؤولين كبار بعمليات البيع والشراء للأصوات. “سكان الدائرة الثانية أصبحوا سلعة تباع وتشترى” لكنه لم يوثق حديثه بالأدلة والبراهين .

 

قوائم الناخبين

في مقر انتخابي لأحد المرشحين الواقع في منطقة شارع الأقصى، شرق العاصمة عمان، تمكنت زميلة لنا يوم الخميس الموافق الثامن والعشرين من تشرين أول، من الحصول على قائمة ورقية مقيد عليها قوائم فارغة لأسماء الأشخاص وأرقام هوياتهم الشخصية، لكن لم نتمكن من إثبات فيما إذا كان هناك قبض للمال، علما أن أقاويل ترددت حول ذات المرشح “ط ح”.

 

الزميلة والتي قدمت نفسها بالطالبة الجامعية والناشطة في المجتمع الطلابي، سألت إحدى المندوبات والتي كانت متواجدة في المقر الانتخابي الخاص بالنساء، عن سبل مؤازرتها للمرشح في جامعتها. أوضحت لها المندوبة عن كيفية الوصول لأكبر فئة من الشباب من خلال أخذ أسمائهم وتسجيلها في القائمة الورقية.

 

فعادت الزميلة وسألتها عن تفاصيل أخرى، ملمحة إليها بعمومية عن تزويدها فيما إذ طلب الطلاب شيئا، تداركت المندوبة في قولها بأنهم لا يعطوا مالا، لكن الزميلة أوضحت لها أن ما قصدته ليس إعطاء المال إنما المعلومات وماهية المرشح وفكرة عامة عن شخصه.

 

أسعار تصاعدية باقتراب موعد الاقتراع

يتصاعد مشهد ارتفاع سعر الصوت مع اقتراب موعد الاقتراع الموافق التاسع من تشرين الثاني، وفق “سمير” 30 عاما تعرض لعملية شراء لصوته في الدائرة الخامسة في محافظة العاصمة، حيث عرض عليه مبلغ 30 دينارا، ومن مؤازري مرشح آخر عرض عليه مبلغ 100 دينار في حال قدم وأفراد عائلته في يوم الاقتراع.

 

كما وتعرض “فؤاد” 26 عاما، لعملية شراء صوته في الدائرة الثانية في عمان، أثناء تجواله على المقرات الانتخابية في الدائرة الثانية، تراوح سعر البيع ما بين 30- 40 دينار.

 

جمال 34 عاما، عرض عليه شراء صوته بتاريخ 26 تشرين أول الماضي، حيث قدم إليه أحد مندوبي مرشح في الدائرة الثانية عرضا ماليا وصل إلى 50 دينارا، بالإضافة إلى إحضار أصوات آخرين، وعلى كل هوية 5 دنانير وعلى كل صوت وقت الاقتراع 20 دينار.

 

راصد وشراء الأصوات

بتاريخ الرابع والعشرين من تشرين أول الماضي، أصدر تحالف “راصد” المدني لرصد الانتخابات النيابية تقريرا ثانيا له رصد فيه “شائعات تجري في محافظة جرش عن عمليات جمع البطاقات الشخصية وحجزها مقابل مبالغ مالية وصلت إلى 150 دينار وعمليات شراء الأصوات”. لكن التقرير لم يوثق حوادث فعلية، مكتفيا بما نقله راصدوه من الإشاعات.

 

كما رصد التقرير في محافظة مأدبا “ظاهرة شراء الأصوات من قبل المرشحين أصحاب النفوذ والمال وصادف ذلك تعرض سيارة زوجة أحد المرشحين إلى حادث سير ويقال إنه كان بحوزتها مجموعة من البطاقات الشخصية بحسب شهود عيان”.

 

في محافظة المفرق قال التقرير إن عمليات شراء الأصوات سيطرت على أحاديث الشارع الانتخابي ولم يتسن للراصدين توثيق أي منها بسبب تعدد الوسائل والسرية التي تحيط بهذه العملية، فقد تعددت أساليب شراء الأصوات بين بيع السلع بالمجان على نحو قيام معرض ملابس تعود ملكيته لمقرب من أحد المرشحين بمنح الملابس مجانا للمواطنين، فيما قدم البعض مساعدات قال إنه حصل عليها من جهات معينة، كما تدرجت أساليب شراء الأصوات من تقديم المواد الغذائية وصولا إلى حجز الهويات مقابل مبالغ من المال.

 

يستخدم مرشحون وسائل متعددة للحصول على أصوات الناخبين منها الوعد بوظيفة حكومية حينا أو استخدام المال من أجل الحصول على الأصوات أحيانا أخرى، أو الحصول على معالجات طبية، ولا ينكر مراقبون تفشي هذه الظاهرة في مناطق انتخابية مختلفة من المملكة.

 

إجراءات حكومية!

سألنا الناطق باسم الانتخابات النيابية المستشار السياسي لرئيس الوزراء والناطق باسم الانتخابات النيابية، سميح المعايطة، عن رصدهم لعمليات شراء الأصوات، فأكد ضبط 8 مواطنين يتاجرون بالهويات الشخصية لبيع وشراء الأصوات.

 

باشر مدعي عام عمان التحقيق في قضية شراء وبيع اصوات لأحد مرشحي الدائرة الثانية تم ضبطها من قبل الأجهزة الامنية وإحالتها من بين قضيتين تورط بها 8 أشخاص الأسبوع الماضي.

 

وبين المعايطة، أن الأجهزة الأمنية أحالت مؤخرا مايزيد عن 10 قضايا، إلى القضاء فيما تزال تلك القضايا قيد التحقيق والمتابعة حول شراء وبيع أصوات وحجز بطاقات وسماسرة أصوات.

 

بتاريخ السابع والعشرين من تشرين أول الماضي، أحالت الأجهزة الأمنية إلى القضاء 5 مواطنين في إقليم الشمال بعد ضبطهم بعمليات بيع وشراء الأصوات وحجز البطاقات الشخصية لغايات الانتخابات النيابية، أما السادس فكان عن طريق ابتزاز حيث أوقفته الأجهزة الأمنية بتاريخ الثلاثين من تشرين أول مواطنا ابتز مرشحا للانتخابات النيابية عن محافظة الزرقاء عن طريق إرسال رسائل نصية قصيرة إلى هاتفة الجوال.

 

لم يخف المعايطة من الحديث عن صعوبة كشفهم حالات بيع شراء الأصوات “لأنها تتم داخل البيوت، ولكن الجهات الأمنية تتابع الأمر وخصوصا مع الأشخاص ذوي الشبهات ولكن لا بد التوصل إلى دليل حتى لا تتم الإساءة لأي شخص، مؤكدا أن الفصيل في هذه القضية هو قانون الانتخاب نفسه”.

 

المعايطة، يؤكد أن الحكومة “جادة” في متابعة الجرائم الانتخابية بما فيها شراء الذمم وحجز البطاقات الشخصية وبعد ثبوت تورط الأشخاص المتهمين والتحقيق معهم وفق الأصول القانونية وتطبيقا لقانون الانتخابات.

 

تغليظ العقوبة

غلظت الحكومة العقوبات على شراء الأصوات في قانون الانتخاب الجديد، وتشير المادة 45 من قانون الانتخاب الجديد لعام 2010 أنه يعاقب بالحبس لمدة لا تقل عن سنة وبغرامة مالية لا تقل عن 200 دينار ولا تزيد على 500 دينار كل من ادّعى الأمية أو عدم المقدرة على الكتابة وهو ليس كذلك. لتصل عقوبة شراء الأصوات وعرض الرشوات إلى سبع سنوات.

 

بتاريخ السادس والعشرين من تشرين أول، صرح رئيس الوزراء سمير الرفاعي عن تطبيق الحكومة العقوبات التي تم تغليظها في قانون الانتخاب على عملية بيع وشراء الأصوات. جاء حديثه خلال اجتماعه مع لجنة التوجيه العليا للانتخابات، واعدا بعدم التهاون في أي تصرف يمكن أن يسيء إلى العملية الانتخابية، نشرته “بترا”.

 

غير أن الرفاعي، عاد وصرح بتاريخ السابع من تشرين ثاني الجاري، في زيارة له للمركز الإعلامي الذي خصص لتغطية الانتخابات النيابية، “أننا دولة قانون”، مشيرا إلى أن أي شخص تقدمه الحكومة للمحكمة لا بد أن تتوفر كافة الأدلة لديها لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقه. لافتا إلى أنه ليس من دور الحكومة التشهير بالناس أو سماع الإشاعات.

 

“من يشتري الصوت هو لا يشتري الصوت فقط بل ضميره”، وفق حديث الرفاعي، وبين أن دور الحكومة ليس فقط التعامل مع الحالات وإحالتها إلى القضاء بل يجب أن يكون هناك دور أخلاقي على المواطن في عمليات بيع وشراء الأصوات.

 

أزمة توثيق الاتجار

إشكالية توثيق شراء وبيع الأصوات، تؤرق المركز الوطني لحقوق الإنسان، ويؤكد رئيس الفريق الوطني لرصد ومتابعة الانتخابات النيابية فيه، الدكتور علي الدباس، أن تشديد العقوبات على المتاجرين بالأصوات دفعهم إلى تشديد سرية عملية بيعهم ما يصعب من عمل راصديهم.

 

والتوثيق عبر الأقاويل هي ملاذ 1200 راصد يعمل ضمن الفريق الوطني، ويقول علي الدباس أنه “إذ شاهد الراصد بأم عينه الحادثة يمكنه توثيقها، بالتصوير والتسجيل أو حتى بتوثيقها مكتوبةً”.

 

تجارة الانتخابات 2007

في الانتخابات النيابية التي جرت في شتاء العام 2007، نشرت صحيفة “العرب اليوم” اليومية في عددها الصادر يوم 16 تشرين أول، تقريرا موسعا حمل عنوان “النشمي بمية والنشمية بعصملية” تضمن إقرار مواطن يدعى “محمد خلف” يسكن في محافظة الزرقاء بتقاضيه مبلغ 100 دينار مقابل حلف يمين على القرآن بإعطاء صوته للمرشح “س”.

 

في شهر حزيران العام 2007 تسلمت “العرب اليوم” صورا لمئات البطاقات الشخصية تم نقلها لصالح أحد المرشحين في الدائرة الثالثة في الأيام الأولى من شهر حزيران 2007 ويظهر على البطاقات اسم مخيم البقعة الواقع ضمن محافظة البلقاء في خانة مكان السكن بينما تم تثبيت اسم “الثالثة” في خانة “الدائرة الإنتخابية”.

 

كان واضحا استخدام المال السياسي من خلال شراء الأصوات، وفق تقرير أصدرته وكالة الأنباء الرسمية “بترا” راصدا “عمليات شراء أصوات ناخبين وحجز لبطاقات ناخبين بثمن مدفوع الأجر وقامت بإبلاغ الجهات المختصة عن ذلك، ونشرت تقريرا مفصلا في الحادثة في نشرتها الصادرة في 20 تشرين ثاني 2007. وفق ما وثقه الصحفي وليد حسني في كتابه”كنا هناك” الذي صدر في العام 2009.

 

إذا كانت عمليات بيع وشراء الأصوات تمارس في الخفاء على اعتبارها مخالفة لقانون الانتخاب المؤقت لسنة 2010 فهناك ممارسات تقام بشكل قانوني.

 

مال سياسي بالقانون..قانون الانتخاب غطاءً شرعيا لتجذير المال سياسي

لا ينظم قانون الانتخاب لسنة 2010 عملية تمويل الحملات الانتخابية، وقد نص القانون في مادة واحدة على تجريم بعض الجوانب المتعلقة بالمال السياسي وهي حظر تقديم “هدايا أو تبرعات أو مساعدات نقدية أو عينية أو غير ذلك من المنافع أو يعد بتقديمها لشخص طبيعي أو معنوي سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو بواسطة غيره بما في ذلك شراء الأصوات”.

 

وعمومية النص، جعل الطرقات وصفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية تعج بآلاف الدعايات لمرشحين أصحاب المال والأعمال.

 

توجهنا إلى مدراء حملات انتخابية لـ15 مرشحا تم اختيارهم بناءً على أسس تواجدهم في مناطق الدوائر “الأولى، الثانية، الثالثة، الخامسة”، وبناء على حجم اليافطات الدعائية المنشورة في الطرقات، رفض العديد منهم التعاون معنا فيما تحدث البعض عن التكلفة المرصودة لحملاتهم الانتخابية.

 

آلاف الدنانير

وصلت تكلفة حملة إحدى المرشحات في الدائرة الثالثة إلى 60 ألف دينار؛ تنوعت ما بين الإعلانات في مختلف وسائل الإعلام والفضائيات، بالإضافة إلى مطبوعات وشملت البرنامج الانتخابي والصور، واليافطات الانتخابية وكلفة المقر.

 

وسوف تزاد تكلفة الحملة الانتخابية يوم الاقتراع حيث تشمل مصاريف مندوبي صناديق الاقتراع، وجبات الطعام، منشورات إضافية توزع يوم الاقتراع،استئجار سيارات لنقل الناخبين إلى مراكز الاقتراع.

 

بلغت تكلفة مرشح في الدائرة الثالثة ما يقارب الـ 100 الف دينار أردني، شاملة إعلانات في المواقع الالكترونية والدعاية في الشوارع بالإضافة إلى رواتب المتطوعين يوم الانتخابات عند صناديق الاقتراع، وتوفير مواصلات للناخبين يوم الاقتراع من وسائط نقل متعددة. ووصلت تكلفة الخيمة لـ17 يوما 2500 دينارا.

 

مرشح في الدائرة الثالثة، بلغت تكاليف حملته الانتخابية من إعلانات ويافطات وكلفة المقر الانتخابي قبل يوم الاقتراع إلى 30 ألف دينار.

 

مرشح في الدائرة الثانية في العاصمة، رصد مبلغ 20 ألف دينار لحملته الانتخابية، وتشمل تكاليف اليافطات والمقر الانتخابي ودعم مؤازريه.

 

مرشحة في الدائرة الخامسة عن حزب التيار الوطني، مول الحزب جزءا من حملتها، من خلال توفير 150 ملصقا وبرشورا، وقامت بطباعة يافطاتها على حسابها الخاص بحدود 3 آلاف دينار بالإضافة إلى مقرها الانتخابي، ورسوم التسجيل بمبلغ 4 آلاف دينار ليصل كامل المدفوع من قبلها إلى 10 آلاف دينار.

 

فيما تكلف مرشح عن القائمة الوطنية، في الدائرة الثانية، مبلغ 6 آلاف و720 دينارا ذهبت تكاليفها على اليافطات والمقر الانتخابي.

 

المحظور في الحملات الانتخابية

تحظر المادة 20 فقرة “أ” من قانون الانتخاب 2010 على أي مرشح أن يقدم من خلال قيامه بالدعاية الانتخابية هدايا أو تبرعات أو مساعدات نقدية أو عينية أو غير ذلك من المنافع أو يعد بتقديمها لشخص طبيعي أو معنوي سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو بواسطة غيره بما في ذلك شراء الأصوات. كما وتحظر الفقرة “ب” على أي شخص أن يطلب مثل تلك الهدايا أو التبرعات أو المساعدات أو الوعد بها من أي مرشح .

 

يسجل رئيس الفريق الوطني الدكتور علي الدباس، تحفظ المركز الوطني لحقوق الإنسان على قانون الانتخاب 2010 الذي لم يحديد سقف أعلى للحملات الدعائية وهذا ما يؤثر سلبا على العملية الانتخابية، “حيث سيطرة من يملك المال هو السائد”.

 

آلاف الدنانير على مواقع إخبارية

إذا كانت هذه الحملات تجد مكانا لها في الطرقات فوسائل الإعلام المختلفة هي الأماكن المفضلة للمرشحين للإعلان عن شعاراتهم الانتخابي. فقد رفضت وسائل إعلام مقروءة “أربعة صحف يومية” الإفصاح عن حجم المبالغ المالية التي جنتها من المرشحين المعلنين على صفحاتها، فيما أعلن بعض أصحاب مواقع إخبارية عن المبالغ التي يطلبونها لإعلانات المرشحين.

 

مسؤول موقع “كل الأردن” الإخباري، علاء فزاع، يكشف عن قيمة الإعلان الذي يجنيه الموقع من المرشح الواحد، والذي تراوح ما بين ألف و1500 دينار مترافقا مع تغطية الأخبار المتعلقة بالمرشح.

 

يؤكد فزاع الذي يعلن على موقعه 5 مرشحين، أن نشر إعلان لأي من المرشحين لم يمنع إدارة الموقع من نشر أي أخبار ضد المرشح، موضحا بأن الموقع اعتمد الفصل بين السياسة الدعائية والسياسة التحريرية.

 

مسؤول موقع سرايا الالكتروني، هاشم الخالدي والذي حظي موقعه بـ 24 مرشحا، يقول إنه تم تقسيم الموقع لثلاثة أقسام كل قسم تضمن سعر معين تراوح السعر ما بين ألفين إلى 3 آلاف دينار.

 

وصلت تكلفة الإعلان الواحد في موقع سرايا إلى 3000 دينار في القسم العلوي للموقع و2000 دينار في القسم السفلي منه.

 

المطلوب رقابة

المطلوب “رقابة قضائية” وتنظيم قانوني لتمويل للحملات الانتخابية، وتؤثر الحملات الدعائية للمرشحين أصحاب المال، سلباً على الإرادة الحرة للناخبين، قد يكون أحد أشكالها ظاهرة شراء الأصوات.

 

هناك ضرورة لوضع ضوابط قانونية للإنفاق على الحملات الانتخابية، بحيث يتم وضع سقوف للإنفاق وعدم إطلاق حرية المرشحين في الإنفاق مما يخل بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بينهم، ويجب أن يتم ربط هذه السقوف بعدد سكان الدائرة الانتخابية ، فكلما زاد عدد السكان ، كلما زاد الإنفاق .

 

في الاردن من الصعب السيطرة على تحديد سقف المال المخصص للحملات الانتخابية، لسبب “عشائرية المجتمع الأردني”. وفق حديثنا مع المحامي محمد الصبيحي.

 

ويقول أن “الانتخابات لمن يملك المال”، ويجد أنه وفي حال تحديد القانون سقف للحملة فاننا بحاجة الى اجهزة رقابية ذات اذرع متعددة للرقابة على المرشحين.

 

عدم تحديد سقف للحملة الانتخابية، وفق الصبيحي، “ليس حلا لكون هناك أكثر من وسيلة لتمويل المرشح في الانتخابات”.

 

في ضوء هذا الحال، يرى عضو المبادرة الوطنية لمقاطعة الانتخابات النيابية، موفق محادين، أن مجلس السادس عشر لن يختلف عن سابقه من المجالس، مدللا على ذلك بـ”قانون الانتخاب الذي ضيّق الفرص امام الديمقراطيين، ووسعها أمام الحيتان والمقاولين والتجار”.

 

رئيس الدائرة السياسية في حزب جبهة العمل الاسلامي زكي ابن ارشيد، من جانبه، يرى أن الحكومة سيطرت على مدخلات العملية الانتخابية، مستبعدا ان تكون الحكومة شفافة في اجراءات سير العملية طالما اعتُمد قانون الصوت الواحد. وتساءل عن 150 هوية كانوا منقولين من دائرة الى اخرى في الانتخابات النيابية.

 

قانون الصوت الواحد، وفق عبد المجيد دنديس، عضو المكتب السياسي في حزب الوحدة الشعبية، “ضرب العمل المؤسسي، وقطع الطريق على الاحزاب من الوصول الى قبة البرلمان”. ويشير دنديس إلى أن المجلس القادم “لن يختلف عن المجالس السابقة”.

 

المحامي الدكتور نوفان العجارمة، أستاذ القانون في كلية الحقوق الجامعة الأردنية يطالب بإلزام كل مرشح بتقديم كشف أو إقرار بخصوص ذمته المالية، وإلزام كل مرشح بفتح حساب بنكي خاص لتمويل العملية الانتخابية، وتشكيل هيئة (قضائية ) خاصة كل أربع سنوات تتول مهمة الرقابة على تمويل الحملات الانتخابية، ووضع صلاحيات واسعة لها ، بما في ذلك فحص حسابات المرشحين ،وتبسط اللجنة رقابتها على مصادر الأموال الخاصة بالحملة الانتخابية، وتتأكد من مدى التزام المرشح بالحصول على أموال حملته الانتخابية من مصادرها التي حددها القانون، ويخضع القضاء لرقابته أيضاً أوجه إنفاق هذه الأموال وفقاً لما نص عليه القانون.

 

إلى تحقيق ذلك، ينظر الأردنيون إلى نواب مجلس السادس عشر بعد 9-11 بشيء من التوجس في إحداث تعديلات على القوانين الناظمة لحياتهم. وبقليل من الأمل يطالبون بإجراء تعديلات على سعيا ليمثل نوابهم القادم كامل أطياف المجتمع .