الوطني لحقوق الإنسان يستعرض الصكوك الدولية حيال قانون المطبوعات
-وثائقيات حقوق الإنسان-
يقدم المركز الوطني لحقوق الانسان ملاحظاته على مسودة قانون المطبوعات والنشر لعام 2012. وذلك انطلاقاً من قانون المركز الوطني لحقوق الإنسان رقم(51) لسنة 2006، وتحديداً المادة (5) منه التي حددت وسائل المركز في تحقيق أهدافه.
على النحو التالي : التحقق من مراعاة حقوق الإنسان في المملكة لمعالجة أي تجاوزات أو انتهاكات لها واقتراح التشريعات ذات العلاقة بأهداف المركز. ولا يفوت المركز التأكيد على ان وجود القانون في يد السلطة التشريعية صاحبة الاختصاص الاصيل لا يحول دون اجراء حوار عام تشاركي مع جميع الجهات المعينة للوصول الى قانون ينظم العلاقة بين وسائل الاعلام المختلفة والحفاظ على حرية التعبير وصيانتها بما في ذلك انتقادها للسلطة التنفيذية وسعيها لكشف الحقيقة بموضوعية بمالا يترك اي مجال للنيل منها او تقييدها الا في الاطار الذي حددته المعايير الدولية للغايات العادلة والتي من ضمنها حماية الكرامة الانسانية. لذلك فان اية قيود على هذه الحريات يجب ان لا تخالف ما ورد في الشرعة الدولية لحقوق الانسان وتحديداً المادة 19 من الاعلان العالمي والمادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
ويجد المركز بهذا الصدد انه من المناسب التذكير بما جاء في ابرز الصكوك الدولية التي تشكل الشرعة الدولية لحقوق الإنسان وفي مقدمتها الاعلان العالمي لحقوق الانسان والذي ينص في الفقرة الاولى منه ديباجته " لما كان الاعتراف بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة متأصله فيهم، ومن حقوق متساوية وثابتة، يشكل أساس الحرية والعدل والسلام في العالم” .
وكذلك ما جاء في المادة "12" من نفس الاعلان والتي تتضمن " بأنه لا يجوز تعريض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، ولا لحملات تمس شرفه وسمعته. ولكل شخص حق في أن يحميه القانون من مثل ذلك التدخل أو تلك الحملات".
وكذلك ما جاء في المادة" 29 " من الاعلان نفسه والتي تنص " على كل فرد واجبات إزاء الجماعة، التي فيها وحدها يمكن أن تنمو شخصيته النمو الحر الكامل.....، ولا يخضع أي فرد، في ممارسة حقوقه وحرياته، إلا للقيود التي يقررها القانون مستهدفا منها، حصراً، ضمان الاعتراف الواجب بحقوق وحريات الآخرين واحترامها، والوفاء بالعادل من مقتضيات الفضيلة والنظام العام ورفاه الجميع في مجتمع ديمقراطي".
وكذلك ما جاء في المادة "30" ايضاً التي تقول :" ليس في هذا الإعلان أي نص يجوز تأويله على نحو يفيد انطواءه على تخويل أية دولة أو جماعة، أو أي فرد، أي حق في القيام بأي نشاط أو بأي فعل يهدف إلى هدم أي من الحقوق والحريات المنصوص عليها فيه".
وكذلك ما جاء في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية – أحد أركان الشرعة الدولية – في المادة "2" منه " تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد، إذا كانت تدابيرها التشريعية أو غير التشريعية القائمة لا تكفل فعلا إعمال الحقوق المعترف بها في هذا العهد، بأن تتخذ، طبقا لإجراءاتها الدستورية ولأحكام هذا العهد، ما يكون ضروريا لهذا الإعمال من تدابير تشريعية أو غير تشريعية".
يتضح مما سبق أن الشرعة الدولية لحقوق الإنسان قد افردت نصوصا خاصة لضمان حرية الرأي والتعبير وحمايتها لكنها لم تغفل ان اساس احترام هذه الحرية وصيانتها يتأسس على "احترام الكرامة الانسانية المتأصلة في الانسان" مما يقودنا للاستنتاج المنطقي المتمثل بانه من غير الممكن ان تنتج عن ممارسة اي حق انتهاك للمبدأ الذي يستند اليه وفي هذه الحالة وهو " صيانة كرامة الانسان وحصانة شخصيته".
في سياق الشرعة الدولية لحقوق الانسان سيما الاعلان العالمي لحقوق الانسان والذي أصبح جزءاً من القانون الدولي العام العرفي وأساس للاتفاقيات والمعاهدات والصكوك الدولية لحقوق الانسان التي يلتزم الاردن بها خاصة احترام حرية التعبير وصيانتها مع صيانة الكرامة الانسانية تأتي ملاحظات المركز الوطني لحقوق الانسان على مسودة القانون على النحو التالي:
اولا : ان من واجب الدولة بموجب التزاماتها بصكوك حقوق الانسان ومعاييرها العالمية سن التشريعات اللازمة لحماية هذه الحقوق بما يكفل الكرامة الانسانية.
ثانيا: ان التعديلات المقترحة (مع ضمان الحماية لحرية الرأي والتعبير والتي تعتبر من الحريات التي تفعل حقوق وحريات اخرى) يتسق ومقتضيات المعايير الدولية التي تدعو الدولة الى سن قوانين وطنية لحماية وانفاذ حقوق الانسان. لذا فان تنظيم أدوات التعبير يدخل في صلب القانون على الا يتضمن مثل هذا التنظيم باي شكل ما يمكن اعتباره صراحة او تاويلا انه يمس أو ينتقص من جوهر الحق موضوع الحماية خاصة وان التعديلات الدستورية لعام 2011 قد نصت على هذه الضمانة بشكل قاطع.
ثالثا : أن المشروع المعدل لقانون المطبوعات والنشر احتوى على العديد من التعديلات الايجابية التي من شأنها ان تعزز حماية الحق في حرية الرأي والتعبير من حيث: تخصيص غرفة قضائية لدى محكمة البداية ومحكمة الاستئناف وتقليص مدد تقديم اللوائح والطعون وإعطاء هذه القضايا صفة الاستعجال نظراً لطبيعة هذه القضايا، مع التأكيد على أهمية ان لا يمس انقاص المدد والمواعيد بضمانات المحاكمة العادلة وتمكين الاطراف من ممارسة حق الدفاع. كما يجب ان يكون نصب عين المشرع المبدأ الثابت ان تحقيق العدالة هو الهدف الأولى بالرعاية مع أهمية تحقيق السرعة في البت في القضايا.
رابعا: فيما يتعلق بتعديل نص الفقرة (د) من المادة (38) من القانون الاصلي يرى المركز ضرورة استبدال عبارة " ما يمس حرياتهم" بعبارة "ما يمس سمعتهم " على اعتبار أن مصطلح الحرية مصطلح عام وشامل يحتوي على الكثير من التفسيرات التي من شأنها ان تضلل مفهوم الحرية اذ استخدم في نص هذا المشروع بحالة الاطلاق. وان مناط الحماية للكرامة الانسانية في معرض ممارسة الحق في حرية الرأي والتعبير هو جانب السمعة لكل شخص وحمايته من التشهير والافتراء والإشاعة.
خامسا : اما فيما يتعلق بالنص على الزام الاعلام الالكتروني على الترخيص فهو امر لابد من أن يأتي تطبيقه في اطار تنظيم ممارسة حرية بث ونقل وتلقي المعلومات عبر الانترنت كألية لتنظيم هذا الميدان من العمل الاعلامي مما يتيح لأي مستخدم انشاء محتوى وبث رسالته وارسالها للناس بصرف النظر عن مكان وجوده في الاردن او خارجه مع ضرورة التزامه بالقيود التي يضعها القانون حسب المادة "19" من الاعلان العالمي لحقوق الانسان والمادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتي نصها : لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة.2. لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.3. تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسئوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية:
(أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم،(ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.
سادسا : ان تناط صلاحية اخضاع المواقع الالكترونية للتسجيل بالسلطة التنفيذية وصلاحية وقفها او اغلاقها بالسلطة القضائية خاصة اذا ما أخذنا بعين الاعتبار التعديلات الواردة بنفس القانون التي تتضمن تخصيص غرف وتسريع في الاجراءات لأن اعطاء حق اغلاق الموقع او حجبة الى السلطة التنفيذية يشكل خللاً في التشريع ومخالفة للدستور.
سابعا: اعادة النظر بنص المادة الخامسة من مشروع القانون وتحديداً الفقرتين (ج و هـ) منها بحيث تسند المسؤولية عن أي فعل يشكل جريمة الى من تحدده شروط تسجيل الموقع كشخص يتحمل المسؤولية الكاملة، الجزائية كانت ام المدنية، عن هذا الفعل المجرم بالقانون.
ثامنا : باعتبار ان العمل التشريعي جزءاً أصيلاً ومهماً من عملية حماية وتعزيز حقوق الانسان فإن المركز يأمل أن يقوم المشرع بالالتزام بالمبادئ العامة في النهج التشريعي والتوجه نحو وضع خطة تشريعية عامة، وذلك بإتباع نهجاً علمياً تشريعياً واضحاً عند النظر في سن أو الغاء أو تعديل أي قانون من حيث التشاور مع كافة الاطراف المعنية من مؤسسات المجتمع المدني مروراً بالمهتمين والخبراء المختصين بالقضايا والموضوعات والمعايير القانونية وصولاً الى السير في المراحل الدستورية مع الادراك بأن الظروف الزمنية التي خضع لها هذا التشريع بالذات غير مواتيه ربما للمشرع مما قد يكون السبب في عدم مراعاة موجبات التشاور بشكل كاف..