المدرس الخصوصي في الزرقاء.. مأكول مذموم!

المدرس الخصوصي في الزرقاء.. مأكول مذموم!

كما في كل عام، وما ان يحمى وطيس الاختبارات المدرسية وتأزف امتحانات الثانوية، حتى يتجدد الجدل في الزرقاء حول المدرس الخصوصي، والذي بات ينطبق عليه المثل القائل: "كخبز الشعير، مأكول مذموم".

ففي هذه المحافظة التي ينوء كثير من اهلها بتكاليف الدروس الخصوصية، لا تجد عند الغالبية ارتياحا للمعلم الذي يتكسب من هذه المهنة، ان جاز تسميتها كذلك، لكنهم مع ذلك يقرون ان لا غنى لهم عنه اذا ما ارادوا لابنائهم ان يفلحوا في الدراسة.

ومنذ قرار وزارة التربية منع المراكز الثقافية من تدريس المناهج الرسمية العام الماضي، شهد الاقبال على المعلمين الذين يعطون الحصص للطلبة في المنازل تصاعدا ملحوظا، كما ارتفعت اجورهم بصورة كبيرة.

وتشكو دينا عبدالجواد، وهي ام لعدة طلبة في مراحل دراسية مختلفة، من صعوبة العثور على معلمين خصوصيين لابنائها هذه الايام، حيث ان جداول عمل معظم هؤلاء المعلمين مزدحمة بدروس طلبة اخرين.

وقالت عبدالجواد "عندي ابناء في صفوف الاول ثانوي والتاسع والخامس والثالث، واحدى بناتي، والتي هي في الاول ثانوي، تاخذ دروسا خصوصية في مادة الانجليزي، وانا ابحث لها منذ مدة عن معلمة في مادتي الفيزياء والكيمياء، لكني لا اجد".

واضافت ان المعلمة تتقاضى 20 دينارا عن كل وحدة تعطيها لابنتها في مادة اللغة الانحليزية، مشيرة الى انها تقتطع نفقات الدروس الخصوصية من مصروف البيت، باعتبار ان "التعليم هو الاهم".

واوضحت عبدالجواد ان ما يدفعها الى توفير الدروس الخصوصية لابنائها هو "ضعف تحصيلهم" نتيجة عدم كفاية شرح معلميهم في المدارس، والذي قالت انه عادة ما يكون سطحيا، وعلى مبدأ "اللي فهم فهم، واللي ما فهم، بيبعث الله".

ايجابيات ومحاذير

ورغم تأييده للدروس الخصوصية بصورة عامة، لكن احمد الغماز، وهو ولي امر لطالب، يرى ان لها محاذير ينبغي اخذها في الاعتبار.

وقال الغماز ان الاصل هو "اعتماد الطالب على نفسه ومعلميه في المدرسة، ولكن اذا ما دعت الحاجة لان يتلقى دروسا خصوصية في مادة ما، فلا ضير، والمهم هنا هو ان يستفيد وتصل اليه المعلومة".

لكنه حذر من ان "الدروس الخصوصية التي لا تتوفر للجميع بسبب كلفتها العالية، قد تجعل الطالب لا يعير انتباها لشرح المعلم في المدرسة، حيث سيركن الى ان المعلم الخصوصي سيشرحها له لاحقا".

راما الخطيب، طالبة جامعية حاليا، وكانت مرت سابقا بتجربة تلقي الدروس الخصوصية، وهي تؤكد انها لم تستفد منها، بل تصفها بانها شكلت "مضيعة للوقت".

وقالت الخطيب "اثناء التوجيهي، كان الجميع في صفي يسجلون عند مدرس خصوصي، فافترضت انه شئ طبيعي وعلي ان اقلدهم، واعتقدت ان معلمي المدراس تنقصهم الكفاءة، لكن في النهاية كانت تجربة سلبية لا يعول عليها".

واضافت "وجدت انني لو اعتمدت على نفسي بالتركيز على شرح المعلمة ومذاكرته اولا بأول، لما احتجت الى الدرس الخصوصي الذي ضيع وقتا كثيرا كان اولى بي استثماره في دراسة مواد اخرى".

وكما يؤكد معلم خصوصي فضل عدم ذكر اسمه، فان رواج الدروس التي يعطيها يرجع اساسا الى "رغبة الاهالي في تفوق ابنائهم، وخاصة في مرحلة التوجيهي، والذين يعتقدون ان الدرس الخصوصي سيتكفل بحل المشكلات الدراسية لهؤلاء الابناء".

وانحى هذا المعلم باللائمة في تدني تحصيل الطلبة في المدارس على قلة الضبط الاداري وانصباب "اهتمام الطلبة على لعب الكرة والامور الاخرى البعيدة عن الدراسة، وتاثرهم بالرفاق والشلة".

اسباب ودوافع

من جانبها، ترى منال الحزام، وهي اخصائية تربية خاصة متقاعدة، ان ضعف تحصيل الطلبة في المدارس، والذي يدفع الاهل الى تسجيلهم عند المدرسين الخصوصيين، يعود في المقام الاول الى مشكلة اكتظاظ الصفوف، والتي تحد من قدرة المعلمين على ايصال المعلومة بالشكل الكافي.

وقالت الحزام ان "الاكتظاظ الشديد في الصفوف، والذي يبلغ معه العدد احيانا ستين طالبا في الصف، يحد من قدرة المعلم على ايصال المعلومات الى الطلاب، الذين هم في الاساس متباينون من حيث القدرات، فمنهم الضعيف والمتوسط والمتفوق، ما يجعل الاهل يلجأون الى الدروس الخصوصية لسد الفجوة".

مديرة مدرسة ام كلثوم الثانوية انتصار حسان، ايدت ما ذهبت اليه الحزام، مؤكدة ان "الاعداد المتزايدة في الغرف الصفية في الاونة الاخيرة جعلت من غير الممكن ان تصل المعلومة للطالب بشكل كاف".

وقالت حسان ان هذه الحقيقة تتضح "خاصة اذا اجرينا حسبة النسبة والتناسب بين وقت الحصة الذي لا يزيد عن 40 دقيقة وعدد الطلبة في الصف".

واضافت ان "حاجة الطلبة الى تحسين تحصيلهم ليستطيعوا دراسة اكمال دراستهم الجامعية في التخصصات التي تتطلب معدلات عالية"، تعد سببا اساسيا ايضا لتهافت الاهالي على الحاق ابنائهم في الدروس الخصوصية.

ممنوعة قانونا

وكما يبين مدير مديرية تربية الزرقاء الثانية رشيد عباس، فان القانون يمنع الدروس الخصوصية، والتي وصفها بانها "مشوهة" وتؤثر سلبا على تحصيل الطلبة في بعض الاحيان.

وحذر عباس الطلبة من الالتحاق بهذه الدروس "لانها غير مبرمجة حسب حاجة الطالب وقدراته، ولربما يلجأ المدرسون الخصوصيون الى تدريسهم مواد تفوق مستواهم، بعكس الحصة المدرسية، والتي هي مبرمجة ومخطط لها ومرتبطة ارتباطا وثيقا بالمنهاج، وتتم متابعتها من قبل مدير المدرسة ومشرف تربوي".

وقال ان "حصة الخصوصي هي حصة مشوهة، وهي كما اسلفت، لا تتمتع ببرمجة ومراقبة ومتابعة تربوية، ولا نعلم ما الذي يتم تدرسيه فيها خاصة، انها تعطى طريق الدوسيات ولا تتخذ المنهج الدراسي اساسا للتعليم".

وشكك عباس بمردود الدروس الخصوصية، مؤكدا انه "ليس لها اي اثر على مستوى الطلبة الدراسي".

وشدد على ان مديرية التربية "تحذر وتمنع المعلمين من اعطاء مثل هذه الحصص"، لكنه اعتبر وقفها امرا غير ممكن عمليا "فنحن لا نستطيع ان تقوم بزيارات داخل البيوت لمنعها، وهي تكون عادة بعد دوام المدرسة، وهذا ليس لنا سيطرة عليه".

ودافع عباس عن معلمي المدارس الحكومية في مواجهة اتهامهم بقلة الكفاءة، واعتبار ذلك سببا لتوجه الطلبة الى الدروس الخصوصية، كما لفت الى ان المدارس تعمل على ايجاد حلول لمشكلة الاكتظاظ في الصفوف.

وقال ان "جميع المعلمين يلتحقون سنويا بدورات تدريبية حول طرق التدريس وخاصة الجدد، وتلجا المدارس عادة الى جعل الشعب الكتظة شعبيتين بدلا من واحدة، وهذا بالطبع ينعكس ايجابيا على اداء المعلم"، مؤكدا انه "لا يوجد مبرر بعد كل ذلك لان يلجأ الطالب الى الدرس الخصوصي".

ومن جانبها، بينت سناء فضة رئيسة قسم الارشاد التربوي في مديرية تربية الزرقاء الثانية، اهمية متابعة الاهل لابنائهم الطلبة، وفي حال استشعروا حاجة الابن لدرس خصوصي، ان يكون ذلك على سبيل الاستثناء وليس القاعدة.

وقالت فضة "بعد المتابعة الحثيثة من ولي الامر لابنه الطالب، وان لاحظ حاجته الى درس خصوصي في مادة معينة، فيجب ان تكون تجربة الدرس الخصوصي لفترة قصيرة، وان لا يكون الدرس الخصوصي بديلا عن الحصة الصفية".

أضف تعليقك