دعوات الى قانون يلزم المصانع بدفع ثمن تلويثها للزرقاء

دعوات الى قانون يلزم المصانع بدفع ثمن تلويثها للزرقاء
الرابط المختصر

هل يستطيع مواطن من سكان الهاشمية مقاضاة شركة مصفاة البترول عن الاضرار التي لحقت بممتلكاته وبصحته وصحة ابنائه جراء الغازات الملوثة التي تبثها في اجواء المنطقة ليل نهار؟

خبراء القانون يرون ذلك ممكنا من الناحية النظرية، لكنهم يؤكدون ان كسب مثل هذه القضية سيكون صعبا جدا في ظل خلو التشريعات الاردنية من نص خاص بالمسؤولية المدنية عن الاضرار البيئية.

والمسؤولية المدنية هنا هي بشكل او باخر ترجمة لمبدأ "من يلوث يدفع"، وهو احد المبادئ العامة للقانون الدولي للبيئة، والذي طالما تعالت اصوات المطالبين باعماله في القوانين الاردنية، ودونما طائل.

ويرى مختصون ان اخذ القانون بهذا المبدأ الى جانب فرض نظام ضريبة على اساسه وفق معادلة "الاكثر تلويثا هو الاكثر دفعا"، سيكون من شأنهما اجبار الشركات على انتهاج اليات عمل اقل تلويثا للبيئة.

ويعبر رئيس بلدية الهاشمية عقلة الزيود عن تاييده لسن قانون يلزم الملوث باصلاح الضرر الذي يتسبب به ويفصّل طريقة والية التعويض عنه سواء بالنسبة للبيئة او الافراد.

ويقول الزيود ان هذا القانون لو وجد فسوف يحد من التلوث في المحافظة وخصوصا منطقة الهاشمية التي تعاني بشكل كبير جراء هذه المشكلة المزمنة.

ويعرف القانون التلوث بانه اي تغيير في عناصر البيئة يؤدي بصورة مباشرة او غير مباشرة الى الاضرار بها او يؤثر سلباً على عناصرها او ممارسة الانسان لحياته الطبيعية او يخل بالتوازن الطبيعي.

ويتركز في الزرقاء ما نسبته 75 بالمئة من الحجم الكلي للتلوث في المملكة وذلك نتيجة احتضان المحافظة نحو 52 بالمئة من مصانع البلاد.

وتقع ضمن الهاشمية ثلاثة من اكثر الصناعات تلويثا للبيئة، وهي مصفاة البترول والمحطة الحرارية التابعة لشركة توليد الكهرباء المركزية ومحطة تنقية الخربة السمراء.

اضرار بالملايين

يقدر خبراء كلفة الاضرار التي تسببها مصفاة البترول لبيئة الهاشمية بملايين الدنانير سنويا، في حين انها لا تقدم للبلدية سوى بضعة الاف لمساعدتها على معالجة اثار هذا التلوث.

وينسحب الامر على المحطة الحرارية التي ازدادت وطأة الملوثات المنبعثة منها مؤخرا نظرا لاستخدامها وقود الديزل في ضوء الانقطاع المتكرر للغاز المصري.

وفي حين يمكن اثبات الاضرار البيئية وتقدير قيمتها، الا ان الامر يغدو صعبا عندما يتعلق بالامراض التي يؤكد الاهالي اصابتهم بها نتيجة الانبعاثات السامة من هاتين المنشأتين.

وقال الزيود ان المصفاة على سبيل المثال تقدم للبلدية تبرعات مالية "ضئيلة" وغير منتظمة، ولا تقاس باية حال بحجم التلوث الذي تنشره في المنطقة.

وعاد واكد تاييده لاية جهود ترمي الى سن قانون يلزمها بدفع الكلفة الحقيقية للتلوث، لا ان يترك لها الامر لتحجب او تقدم هذه المبالغ او تحدد قيمتها كيفما ووقتما تشاء.

ويقول خبراء ان الزام المصانع بدفع مبالغ تتناسب طرديا مع حجم التلوث الذي تسببه للبيئة، سيجبرها في نهاية المطاف على اتباع اليات عمل تحد من الملوثات بهدف تقليل المبالغ التي تضطر الى دفعها.

ويتفق رئيس بلدية الازرق بهجت نواف مع هذا الاستنتاج معتبرا ان فرض قانون على اساس "من يلوث يدفع" سوف يخفف من حدة التلوث في محافظة الزرقاء وسينعكس ايجابا على بيئتها.

وقال نواف ان التجربة اثبتت ان "الزام المصانع القائمة بالشروط الصحية لا يأتي إلا بفرض قانون"، داعيا في الوقت نفسه الى فرض غرامات وضرائب عالية على الصناعات الملوثة للبيئة.

جزائية لا تعويضية

حسب قانون البيئة فان الغرامات التي تفرض على المصانع المخالفة تذهب الى صندوق من المفترض ان عوائده مخصصة من اجل معالجة اثار التلوث في المملكة.

وهذه الغرامات تاتي سواء في قانون البيئة او قانون الصحة العامة بصورة جزائية مطلقة وليس لغايات تعويضية، بمعنى ان المصنع الملوث يقوم بدفع غرامة مالية، ولكنه لا يلزم بالتعويض وبمعالجة الضرر الذي تسبب به للبيئة.

والخلل في مسالة التلوث كما يرى المهندس ابراهيم البلوي هو في الرقابة التي دعا الى تشديدها على المصانع من اجل ضمان التزامها بالاشتراطات البيئية والصحية.

اما رئيس بلدية الرصيفة اسامة حيمور فيعبر عن اعتقاده بان الحل الاكثر نجاعة هو الزام المصانع بتصويب اوضاعها وليس فرض قانون جديد يكرس من اجل جباية اموال لا تذهب فعليا لصالح ازالة اثار التلوث.

وقال حيمور ان اسباب التلوث في الزرقاء تعود بالدرجة الاولى لحقيقة ان معظم المصانع غير مؤهلة بتقنيات لمعالجة وتصفية المخلفات والانبعاثات الضارة بالبيئة، معتبرا ان الزامها بتصويب اوضاعها هو الحل للمشكلة.

وتعاني الرصيفة خصوصا من تلال الفوسفات المشع والدمار الذي يخلفه مصنع الخميرة في بيئة السيل والاحياء المحيطة، اضافة الى المصانع والمعامل المنتشرة على جانبي سيل الزرقاء الذي يعبر المدينة.

ومن جهته، اكد النائب اكريم العوضات تاييده فرض قانون على اساس "من يلوث يدفع"، متعهدا بتقديم مذكرة الى مجلس النواب من اجل العمل على سن مثل هذا القانون.

وقال العوضات "انا اؤيد واساند فرض مثل هذا القانون للحد من التلوث في محافظة الزرقاء، وبدوري كنائب سأعرض هذا الامر على مجلس النواب".

وشدد خضر الغانم رئيس الجمعية الاردنية لحماية البيئة، على ضرورة ان يتعاطي اي قانون جديد مع التلوث باثر رجعي، وبحيث تدفع المصانع كلفته حتى عن السنوات الماضية.

وقال الغانم ان المصانع التي كانت السبب في تلوث بيئة الزرقاء يجب ان تدفع الثمن باثر رجعي على ان تستخدم المبالغ المحصلة من اجل اصلاح الاضرار الى جانب تحسين البيئة في الزرقاء عبر زراعة الاشجار وتنظيف الشوارع وتزيينها.

سابقة قانونية

ورغم خلو قانوني حماية البيئة والصحة العامة من اية نصوص  تلزم الشركات والمصانع بالتعويض عن الاضرار التي تسببت بها، الا ان هناك سابقات ارستها محكمة التمييز على شكل مبادئ تسد الى حد بعيد هذه الثغرة.

ومن ذلك مبدأ ارساه قرارها في قضية اقامها اصحاب اراض مجاورة لمصنع الاسمنت في الفحيص، ونورد تاليا نصه:

"استقر الاجتهاد فيما يتعلق بالتعويض عن الاضرار التي يلحقها مصنع الاسمنت في بلدة الفحيص بالمناطق المجاورة له على

ان مشروعية تصرف الشركة المدعى عليها بانشاء المصنع لا يسبغ المشروعية على تشغيله بشكل ضار ومضر بالغير..

لان القاعدة في تصرف المالك ان يتصرف في ملكة كيف يشاء ما لم يكن تصرفه ضارا بالغير ضررا فاحشا او مخالفا للقوانين المتعلقة بالمصلحة العامة والمصلحة الخاصة عملا بالمادة 1021 من القانون المدني..

مما ينبني عليه ان تصرف المالك في ملكه بشكل ضار بالغير يعتبر تعديا موجبا للضمان، ذلك ان الضرر المطلوب التعويض عنه ليس ناشئا عن بناء المصنع بل هو ناشئ عن سوء استعماله وسوء تشغيله..

وفي ضوء ذلك تم تقرير معادلة محددة للتعويض عن الاضرار التي يلحقها مصنع الاسمنت بالغير وهو ان يقدر التعويض على اساس الفرق بين قيمة الارض وما عليها قبل وقوع الضرر وقيمتها بعد وقوعه وبتاريخ اقامة الدعوى".

أضف تعليقك