المحكمة الدستورية ترد ثلثي الطعون المقدمة لها
- الحكم بعدم دستورية خمسة نصوص تشريعية
- عبد الله النسور تأخر بالرد على ربع الطعون الدستورية
- تجاهل رئاستي الأعيان والنواب لقرارات الإحالة الواردة من المحكمة
- غياب الإجماع عن 81% من أحكام المحكمة
- الرد شكلاً تجاوز 56% من الطعون
بعد 16 عاماً تسرب بصيص أمل إلى مؤيد المجالي، بتشكيل المحكمة الدستورية عام 2012، تُنهي بوجودها "مخالفة" نصوص قانون الانتخاب لأحكام الدستور، الذي طالما أقلقه "تعديها على حقوق الأردنيين".
المجالي "44 عاماً"، دأب على الطعن في صحة نيابة النواب منذ 1997عندما كان طالباً في السنة الثانية في كلية الحقوق، إذ طعن آنذاك بصحة نيابة جميع النواب، لوجود شبهة عدم دستورية في قانون الانتخاب، إلا أن جميع مساعيه باءت بالفشل.
ومع التعديلات الدستورية عام 2011، واختصاصها بالرقابة على دستورية القوانين والأنظمة، ذهب المجالي، الذي يعمل باحثاً قانونياً، في تشرين الأول 2013 إلى محكمة استئناف عمان طاعناً بصحة نيابة النائب عن دائرته الانتخابية هيثم أبو خديجة.
يُرجع المجالي طعنه إلى أن قانون الانتخاب الذي أفرز عن فوز أبو خديجة والنواب تضمن نصوصاً جوهرية يشتبه بعدم دستوريتها، ما يجعل نتائج الانتخابات التي جرت بموجبه باطلة.
وصل طعن المجالي إلى المحكمة الدستورية قادماً من محكمة التمييز، بعد الإجراءات القانونية، المتمثلة بإحالته من محكمة استئناف عمان ناظرة القضية، إلى محكمة التمييز.
بدورها رأت محكمة التمييز أن الطعن جدي، لوجود شبهة عدم دستورية في المواد وواجبة التطبيق على الدعوى، ومستوفياً لشروط الإحالة للمحكمة الدستورية.
الطعن بعدم دستورية قانون الانتخاب، انصب على تمييزه بين الأردنيين على أساس الدين، والعرق، والعشائر، والجنس خلافاً لمبدأ المساواة المنصوص عليه في المادة (6/1) من الدستور. إضافة لعدم تضمين القانون دوائر انتخابية في محافظات القدس ونابلس والخليل، وتخصيص مقاعد لكل منها، سنداً لقرار فك الارتباط بين ضفتي نهر الأردن، المشوب بشبهة عدم الدستورية.
المحكمة الدستورية: تأسست المحكمة الدستورية، بموجب التعديلات الدستورية لعام 2011، وهي هيئة قضائية مستقلة، تختص بالرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة، وتفسير نصوص الدستور، ويعين الملك منفرداً رئيس وأعضاء المحكمة لمدة ست سنوات غير قابلة للتجديد، وتُصدر المحكمة أحكامها باسم الملك، وتكون نهائية وملزمة لجميع السلطات والكافة. ومنح قانون المحكمة الصادر عام 2012 مجالس الأعيان والنواب والوزراء، حق الطعن المباشر لدى المحكمة الدستورية، فيما منح أي من أطراف دعوى منظورة أمام المحاكم الدفع بعدم دستورية أي قانون أو نظام؛ بشرط أن ترى المحكمة الناظرة للدعوى أن الدفع بعدم الدستورية جدي، وتحيل الدفع إلى محكمة التمييز، للبت في أمر إحالته، وإذا وافقت على الإحالة ترسله إلى المحكمة الدستورية.
كما تضمن الطعن شبهة التمييز بين الأردنيين على أساس العمل، إذ أوقف القانون استعمال حق الانتخاب لمنتسبي الدرك، والمخابرات العامة، والقوات المسلحة، والدفاع المدني.
وبعد قرابة أربعة أشهر، ردت المحكمة الدستورية بأكثرية ستة أعضاء من أصل تسعة طعن المجالي شكلاً، معللة ذلك بأن النصوص المطعون فيها غير واجبة التطبيق على الدعوى الأصلية ولا ترتبط بها، "ولم يتحقق شرط الإحالة للمحكمة الدستورية، فإن الطعن بتلك النصوص غير مقبول قانونياً" وفق قرار المحكمة.
في المقابل، خالف القاضيان الدستوريان فهد أبو العثم، ومحمد الغزوي، قرار الأكثرية، وأصدرا قراريهما بعدم دستورية الانتخابات الفرعية التي جرت في 9/10/2013، وعدم دستورية جدول تقسيم الدوائر الانتخابية، وتوزيع المقاعد فيها الملحق بقانون الانتخاب رقم 25 لسنة 2012.
ونص قرار المخالفة "جدول تقسيم الدوائر الانتخابية، وتوزيع المقاعد فيها غير دستوري، الأمر الذي يشكل إخلالاً واضحاً بحقوق المواطنين، ومساساً بأحكام الدستور".
يرى المحامي إسلام الحرحشي الوكيل في الدعوى، أن رد المحكمة الشكلي في العطن بعدم دستورية قانون الانتخاب، "قرار أقرب إلى السياسي منه إلى القانوني".
يقول مؤيد المجالي " محكمة استئناف عمان ناظرة القضية هي صاحبة القول الفصل في أن النص واجب التطبيق على الدعوى من عدمه، وليس المحكمة الدستورية".
ويشير المحامي الحرحشي إلى أن: "المحكمة الدستورية تجاوزت على القضاء، وعلى عمل محكمتي الاستئناف والتمييز، وهذا أمر عجيب، فعلى أي أساس تناقش المحكمة الدستورية موضوع تطبيق النصوص في الدعوى وهو ليس من اختصاصها الذي يشمل النظر في دستورية القوانين والأنظمة".
يرد الناطق الرسمي باسم المحكمة الدستورية القاضي أحمد طبيشات، قرار المحكمة الدستورية سليم 100%، والمحكمة لا تتدخل في عمل السلطة القضائية، ومن حقها أن تتأكد من صحة أو عدم صحة قرار الإحالة، وهذه هي المرحلة الثانية من الرقابة على قرار الإحالة بعد نظره من محكمة التمييز.
يتابع قائلاً " إذا كان قرار الإحالة خطأ، تقرر المحكمة الدستورية من تلقاء نفسها عدم جواز النظر في القضية".
يكشف هذا التقرير عن رد المحكمة الدستورية لما يزد عن ثلثي الطعون المقدمة لها منذ تأسيسها عام 2012، بواقع 11 قضية من 16 وصلت إليها. فيما ردت شكلاً تسعة طعون منها، وبنسبة بلغت 56.3%.
خمسة عشرة طعنا من أصل 16 وصلت المحكمة عبر الطعن غير المباشر من خلال محاكم الموضوع، فيما لم يمارس مجلسا الأعيان والوزراء حقهما في الطعن المباشر، على خلاف النواب الذي طعن مرة واحدة.
ويبين التقرير إبطال المحكمة لخمسة نصوص تشريعية لمخالفتها الدستور، منذ نشأتها حتى نشر هذا التقرير.
وأصدرت المحكمة ثلاثة أحكام بالإجماع من أصل 16 حكماً يتعلق بالرقابة على دستورية القوانين والأنظمة، بما يعني أن نسبة الإجماع لم تتجاوز الـ19% من أحكامها.
ويكشف التقرير عدم رد رؤساء مجلس الأعيان المتعاقبين طاهر المصري، وعبد الرؤوف الروابدة، وفيصل الفايز على أي من قرارات الإحالة الواردة إليهم من رئيس المحكمة، في حين رد رئيس مجلس النواب الأسبق سعد السرور على قرار إحالة واحد فقط.
في المقابل، أظهر التقرير، أن رئيس الوزراء السابق عبد الله النسور تجاوز المدة القانونية المحددة للرد على ربع قرارات الإحالة الواردة إليه من المحكمة.
الانتخاب وعقدة الرد شكلاً
لم تكن هذه التجربة الأولى للمجالي مع المحكمة الدستورية، فقد سبق أن أقنع قريبه حمزة المفتي بالطعن بصحة نيابة النائب علي عبد المحسيري في أيار 2013، لعدم إتاحة قانون الانتخاب للمجالي الطعن بصحة نيابة المحسيري، كونه ليس من نفس دائرته الانتخابية.
وبعد مارثون طويل من الإجراءات، وصل للمحكمة الدستورية طعن المفتي بدستورية قانون الانتخاب. إلا أن الرياح أتت بما لا تشتهي سفن المجالي والمفتي، فقد ردت المحكمة بالإجماع الطعن بعدم دستورية قانون الانتخاب شكلاً، لعدم دفع الرسوم، وفق حكم المحكمة رقم 5 لسنة 2013.
ورغم أن قانون الانتخاب رقم 25 لسنة 2012، أعفى في المادة 20 الاستدعاءات والاعتراضات والطعون الانتخابية، والقرارات الصادرة عن المحاكم واللجان من الرسوم، إلا أن المحكمة عللت قرارها بـ"أن نص الإعفاء من الرسوم يتعلق بقانون الانتخاب وليست النصوص أو الدعاوى المقامة بموجب قانون آخر، بما يجعل رسوم المحكمة الدستورية غير مشمولة بالإعفاء".
يعلق وزير العدل الأسبق والخبير الدستوري محمد الحموري على الحكم، بقوله إن "القرار ملزم لكافة الجهات، لكنه غير سليم وفيه خلل قانوني ودستوري".
نصوص باطلة
أبطلت المحكمة الدستورية خمسة نصوص تشريعية أربعة منها نصوص قانونية، فيما كان الأخير نصاً في نظام موظفي وكالة الأنباء الأردنية.
وكان نصيب العام الثاني من عمر المحكمة 2013 إبطال ثلاثة نصوص قانونية، في حين كان نصيب عامي 2014 و2015، الحكم بعدم دستورية نص واحد لكل منهما. وافتتحت المحكمة الدستورية باكورة أحكامها بقرارها الشهير القاضي بعدم دستورية النص المتعلق بعدم جواز الطعن بتقدير أجر المثل، وإبطال المادة (5) من قانون المالكين والمستأجرين رقم (22) لسنة 2011.
وعللت المحكمة قرارها بأن الحكم القطعي بأجر المثل، وعدم جواز الطعن به، يعتبر مساساً جوهرياً بحقوق المواطنين، وإهدارا للحماية التي فرضها الدستور للحقوق على اختلافها، ومنع اللجوء إلى درجة أعلى من التقاضي في قضايا لها تأثير مباشر في حياة الموطنين، يمس جوهر العدالة.
وطالت قرارات المحكمة المادتين (51) و(54/ب) من قانون التحكيم الأردني رقم (31) لسنة 2001 وأبطلتهما، نظراً لحرمان المحكوم عليه من الطعن في قرار محكمة الاستئناف الصادر بتأييد حكم المحكمين.
وقالت المحكمة إن "الناس لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في النفاذ إلى قاضيهم"، وأن تنفيذ حكم التحكيم الصادر عن محكمة الاستئناف يخل بمبدأ المساواة بين المحكوم له والمحكوم عليه، كما يهدر حقه بالتقاضي.
وأضافت "لا يجوز التمييز بين المواطنين المتماثلين في مراكزهم القانونية في مجال الطعن في الأحكام أو التظلم منها".
وأبطلت المحكمة المادة (11/ج) من قانون الأسماء التجارية رقم (9) لسنة 2006، لعدم دستوريتها، نظراً لتمييزها بين طرفي النزاع "طالب شطب الاسم التجاري، والمسجل باسمه الاسم التجاري المطلوب شطبه"، فلم تساو المادة بينهما بحق اللجوء إلى القاضي الإداري على وجه الخصوص، إذ منحت الطرف الثاني "المسجل باسمه الاسم التجاري، حق الطعن لدى محكمة العدل العليا في حال شطبه، وحرمت طالب الشطب من من ذلك.
وأوضحت المحكمة في قرارها، أن المادة مخلة بمبدأ المساواة المنصوص عليه في المادة (1/6) من الدستور.
أما المادة (14/ب) من نظام موظفي وكالة الأنباء الأردنية رقم (17) لـسنة2010 كان لها نصيب من الحكم بعدم دستوريتها، لإخلالها بالحق في المساواة المنصوص عليه بالمادة السادسة من الدستور بين المشمولين بأحكام المادة (14/ب) من النظام، وبين المشمولين بأحكام قانون التقاعد المدني، رغم احتلالهم مركزاً قانونياً واحداً.
شبهات مازالت قائمة
ردت المحكمة الدستورية شكلاً تسعة طعون بعدم دستورية نصوص قانونية، ما حال دون بحثها موضوعاً، من أصل 16 طعناً وصل المحكمة، أي ما نسبته قرابة 56% من مجمل القضايا.
الطعنان في عدم دستورية قانون الانتخابات رقم 25 لسنة 2012، رُدا شكلاً من المحكمة، ما حال دون بحثهما موضوعاً.
ويعني الرد الشكلي، أن شبهة عدم الدستورية ما زالت تلاحق النصوص القانونية التي لم تنظرها المحكمة موضوعاً، وهذا ينطبق على النصوص التسعة.
المحامي إسلام الحرحشي الوكيل في قضيتي الطعن في دستورية قانون الانتخاب لدى المحكمة، يعلق بأن المحكمة الدستورية تعد الأهم في الأردن، ويجب ألا تنزل إلى مستوى التدقيق وتمحيص في الأمور الشكلية، كمن يبحث عن سبب للرد، والمفروض أن تصب جهدها في صلب المواضيع، والتطبيق السليم للقانون، لتحقيق العدالة.
يستدرك الحرحشي قائلاً، "لا نستطيع القول إن لدى المحكمة توجها بعدم النظر في مواضيع القضايا وردها شكلاً"، فالسبب الأقوى يتمثل بعدم وجود استقرار قضائي فيها وحداثة تشكيلها، ما أدى إلى وجود خلافات حتى في الأمور الشكلية، وجهل فئة من المتقاضين ووكلائهم أمامها، وبالنتيجة إلى صدور أغلب قرارات الرد شكلاً".
ومن أبرز الطعون التي ردت شكلاً، الطعن بعدم دستورية أربعة مواد في قانون البلديات المقدم من مجلس النواب السابع عشر، والطعن بالمادة (5/ب) ببنديها 1 و 2 من قانون المالكين والمستأجرين رقم 22 لسنة 2011، والطعن بثلاثة مواد من قانون رسوم طوابع الواردات رقم 20 لسنة 2001.
نصوص دستورية
أصدرت المحكمة الدستورية حكمين يقضيان بدستورية مواد قانونية، من أصل 16 حكماً أصدرتها المحكمة منذ نشأتها وحتى نشر هذا التقرير.
الحكم الأول، القاضي بدستورية التمييز في مقدار الراتب بين الموظف الموفد المتزوج بصرف (80%) من راتبه، ونظيره الأعزب بصرف (60%) من راتبه.
وقالت المحكمة في قرارها إنه " مجرد تمييز في مقدار الراتب لمواجهة التمايز بينهما في الأعباء المالية، ولغايات تحقيق المساواة الحقيقية، وتكافؤ الفرص لها"، وعليه نص المادة (131/أ/1) من نظام الخدمة المدنية (30) لسنة 2007 وتعديلاته "موافق لأحكام الدستور".
أما القرار الثاني التي رأت المحكمة أنه موافق للدستور، فهو إصدار نظام أصول المحاكمات في القضايا الضريبية الحقوقية رقم 3 لسنة 2010، حيث بينت المحكمة في قرارها أن إصدار أصول المحاكمات الضريبية بنظام لم يخالف الدستور، حيث لا يوجد ما يستوجب أن تكون أصول المحاكمات بقانون، ولا يوجد ما يمنع أن تكون بنظام صادر بموجب قانون.
تعديل في ضوء الحكم
ردت المحكمة الطعن في عدم دستورية قانون الانتخاب شكلاً لعدم دفع الرسوم، ساهم لاحقاً في وضع نص يعفي صراحة ً الطعون الانتخابية من رسوم الطعن بعدم الدستورية، وفق المادة 19 من القانون الانتخاب الجديد رقم 6 لسنة 2016.
يُعلق مؤيد المجالي الطاعن في عدم دستورية قانون الانتخاب، "أن من فوائد التقاضي الاستراتيجي التعديل على التشريعات نحو الأفضل، ولولا القضية لما وصلنا إلى نص صريح يُلغي الرسوم".
النسور مُتأخر، ويخالف القانون
حينما كان عبد الله النسور رئيساً للوزراء، تجاوز المدة القانونية المحددة للرد على ربع قرارات الإحالة الواردة إليه من المحكمة، مخالفاً بذلك نص المادة 12 من قانون المحكمة الدستورية، التي تُلزم رئيس الوزراء بتقديم رده على الطعن إلى المحكمة خلال 15 يوما من تاريخ تبليغه.
يصف المحامي إسلام الحرحشي تجاوز رئيس الوزراء للمدة القانونية بـ"المخالفة القانونية الصريحة"، مشيرا إلى أن "الأثر المترتب على عدم التزامه بالمدة يعود تقديره للمحكمة صاحبة الولاية، لكن الأصل ألا يؤخذ بجوابه إذا قُدمَ خارج المدة القانونية".
ويطالب الحرحشي المحكمة الدستورية، "بأن تصرح في قراراتها بأن رئيس الوزراء قَدم رده خارج المدة، وبالتالي عدم قبوله شكلاً".
يقول أستاذ القانون الدستوري في جامعة الإسراء حمدي القبيلات إن "مجلس الوزراء ملزم بالرد خلال 15يوماً من تسلمه قرار الإحالة، وسلطته في ذلك مقيدة إلا أن القانون لم يرتب أي جزاء على عدم رده خلال المدة المحددة".
حاولنا الاتصال بالنسور لأخذ رده على ذلك، لكن كافة محاولاتنا باءت بالفشل.
الأعيان لم يرد
لم يرد أي من رؤساء مجلس الأعيان المتعاقبين طاهر المصري، وعبد الرؤوف الروابدة، وفيصل الفايز على أي من قرارات الإحالة الواردة إليهم من رئيس المحكمة الدستورية خلال تسلمهم رئاسة المجلس.
ونصت الفقرة (ب) من المادة (12) من قانون المحكمة الدستورية، على أن لكل من رئيسي الأعيان والنواب، أن يقدم رده على الطعن إلى المحكمة خلال عشرة أيام من تاريخ تسليمه.
المصري الذي شُكلت المحكمة حينما كان رئيساً لمجلس الأعيان الخامس والعشرين، لم يقدم رده على كافة الطعون الستة الواردة إليه من المحكمة الدستورية.
وحذا الروابدة رئيس مجلس الأعيان السادس والعشرين، حذو المصري، إذ لم يرد على الطعون التسعة الواردة إليه كذلك.
وهذا ما فعله الرئيس الحالي فيصل الفايز بعدم رده على قرار الطعن الوحيد الواصل إليه من المحكمة الدستورية. وفي رد مكتوب من الفايز على معد التقرير، قال "إن المشرع لم يلزم رئيسي مجلسي الأعيان والنواب بالرد على الطعون، وترك أمر الرد لتقدير كل منها، بخلاف رئيس الوزراء الذي ألزمه المشرع بالرد".
ويرى أستاذ القانون الدستوري حمدي القبيلات أن "سلطة رئيسي "الأعيان" و"النواب" في ذلك تقديرية، أي أنهما غير ملزمين بالرد".
فيما يرى المحامي إسلام الحرحشي بعدم رد رئاستي الأعيان والنواب "تقصيرا واضحا"، ويضيف "صحيح أن النص جوازي، لكن ذلك لا يعني أن يترك دائماً ولا يستعمل نهائياً".
يوضح الحرحشي، أن "عدم جوابهما على طعون عدم الدستورية، هو عدم احترام منهما لتشريع صادر عنهما".
طاهر المصري: النص لغو؟
رئيس مجلس الأعيان السابق طاهر المصري الذي صدر قانون المحكمة الدستورية في عهد رئاسته للأعيان، يؤكد أن الرد ليس إجباريا، والجواب في أي حالة سواء كان الرأي بالموافقة أو المخالفة لا قيمة له لدى المحكمة، ولا يُغير شيئاً في قناعتها، واصفاً المادة القانونية التي تَطلب رد رئاسة الأعيان على قرارات الإحالة بأنها "مادة لغو وزائدة، وليست ضرورية".
وعند سؤاله عن سبب إقرار المجلس في عهده لهذه المادة "اللغو"، قال "في بعض الحالات يوافق المجلس على هكذا مواد حتى لا يتأخر صدور القانون، ويصمت المجلس عن الأمور الصغيرة التي لا يترتب عليها ضرر".
يقول الحرحشي إن الهدف من النص هو توضيح معالم القضية بما يساعد المحكمة الدستورية بالفصل فيها، فالمفروض أن يجيب المجلس.
أستاذ القانون الدستوري حمدي القبيلات، يقول إن مجالس الأعيان والنواب والوزراء، هي المعنية بالتشريع وربما يكون لأي منها وجهة نظر في القانون محل الطعن ومدى توافقه مع الدستور، لذا يجدر بالمحكمة الدستورية معرفتها قبل البت بالطعن.
السرور رد والطراونة تجاهل
رد النائب السابق سعد هايل السرور أثناء جلوسه على كرسي رئاسة مجلس النواب السابع عشر في الدورة غير العادية، على قرار إحالة وحيد وصله من المحكمة الدستورية.
في حين وصل مجلس النواب السابع عشر أثناء رئاسة عاطف الطروانة له، 15 قرار إحالة من المحكمة، لم يرد الطراونة على أي منها.
بعث معد التقرير برسالة إلى رئاسة مجلس النواب، وفق قانون ضمان حق الحصول على المعلومات، يطلب فيها بيان أسباب عدم ردها على قرارات إحالة طعون عدم الدستورية، لكن الرئاسة لم ترد.
القاضي الغزوي الأكثر مخالفة لقرارات المحكمة
غاب إجماع قضاة المحكمة الدستورية عن 13 حكماً من أصل 16 حكماً، بنسبة وصلت نحو 81% من مجموع الأحكام.
القاضي محمد الغزوي أكثر قضاة المحكمة مخالفة لأحكامها، إذ أصدر 10 قرارات مخالفة في كل من تلك الأحكام الـ16، بنسبة وصلت 62%.
تلاه القاضي كامل السعيد، الذي أصدر ثمانية قرارات مخالفة، وحل القاضي يوسف الحمود ثالثاً بإصداره أربعة قرارات مخالفة، ثم القاضيان فهد أبو العثم وعبد القادر الطورة بثلاثة قرارات مخالفة لكل منهما.
وخالف رئيس المحكمة طاهر حكمت حكم الأكثرية مرتين، فيما خالف كل من القاضيين فؤاد سويدان، ونعمان الخطيب الأكثرية مرة واحد لكل منهما.
12 قراراً لتفسير الدستور
أصدرت المحكمة 12 قراراً تفسيرياً، تسعة منها في عام المحكمة الثاني 2013، وبنسبة 75%، فيما كان نصيب العام التالي قرارين، وقراراً وحيداً عام 2015.
ومن أبرز قرارات تفسير المحكمة، جواز إنشاء الموظفين التابعين لنظام الخدمة المدنية نقابات خاصة لهم، علاوة على قرار آخر ينص على عدم إخضاع أعضاء مجلس الأمة للتقاعد، إذ نص القرار على أن أعضاء مجلس الأمة ليسوا موظفين، وبالتالي لا يستحقون رواتب تقاعدية، ويعتبر ما يتقاضونه مخصصات لا رواتب، وأن مدة عضويتهم غير خاضعة للتقاعد المدني مع عدم المساس بالحقوق المكتسبة.
ووفقا لما ورد في القرار، فقد تنحى عن المشاركة في النظر به كل من رئيس المحكمة طاهر حكمت والقاضي مروان دودين، لأنهما كانا عضوين في مجلس الأمة السادس عشر.
كما تنحى القاضي خلف الرقاد عن المشاركة في طلب التفسير "لاستشعاره الحرج"، بحسب نص القرار.
وللمحافظة على استقلالية المحكمة، نصت مدونة سلوك قضاة المحكمة الدستورية، على القاضي ممارسة مهامه القضائية بصورة مستقلة، وألا يكون له صلات غير مقبولة، أو خاضعاً لتأثير السلطتين التشريعية والتنفيذية، وأن يكون ذلك واضحاً للشخص العادي.
قانون غير ناضج
في الوقت الذي حصر قانون المحكمة الدستورية الجهات التي يحق لها الطعن المباشر في دستورية القوانين والأنظمة بكل من مجالس الأعيان والنواب والوزراء، حرم عامة المواطنين من ذلك.
وأجاز القانون لأي من أطراف الدعوى المنظورة أمام المحاكم الدفع بعدم الدستورية، بطلب يقدم إلى المحكمة ناظرة القضية، وإذا رأت أن الدفع جدي، وواجب التطبيق على الدعوى، تحيله إلى محكمة التمييز للنظر فيه، وإذا وافقت على قرار الإحالة ترسل الطعن للمحكمة الدستورية.
الخبير الدستوري محمد الحموري يرى أن نصوص القانون "غير ناضحة" في كثير من جوانبها، وفيها نوع من الشذوذ، وبحاجة إلى إعادة ضبط من جديد.
يتساءل الحموري، "كيف لمجلس الأمة أن يطعن في قانون أصدره؟ أو أن تطعن الحكومة بنظام أقرته؟" في حين يحرم القانون المواطن المعتدى على حقوقه الدستورية من الذهاب إلى المحكمة للطعن المباشر في دستورية القوانين والأنظمة!
يطالب أستاذ القانون الدستوري في جامعة الإسراء حمدي القبيلات بتوسيع قاعدة الجهات التي يسمح لها بالطعن بعدم الدستورية بدعوى مباشرة، فإن لم تصل حد كافة المواطنين، فعلى الأقل ضم بعض مؤسسات المجتمع المدني لها.
يوضح القبيلات "من النادر أن يطعن الأعيان أو النواب أو الحكومة بعدم دستورية قانون أو نظام، فكان من الأجدر السماح للقاضي بالإحالة من تلقاء نفسه باعتباره معنيا بتطبيق القانون الموافق للدستور فقط".
بعد قرابة أربعة أعوام على إنشاء المحكمة الدستورية، وإصدارها لـ16 حكماً، و12 قراراً تفسيرياً، يبقى السؤال قائماً: هل قوانين الدولة الأردنية وأنظمتها متناغمة مع دستورها، بما يحفظ، ويصون حقوق الأردنيين الدستورية؟!
التسلسل الزمني لأبرز محطات المحكمة الدستورية:
*الصورة في الأعلى لرئيس وأعضاء المحكمة بعد تأديتهم القسم الدستوري أمام الملك، من الموقع الإلكتروني للمحكمة الدستورية.