هل نظرية المؤامرة تعفينا من النقد الذاتي؟

هل نظرية المؤامرة تعفينا من النقد الذاتي؟
الرابط المختصر

كلما مرّ حدث كبير يتم إتهام العرب أو المسلمين أنهم يقفون وراءه نرى العديد من المعلقين يلصقون تهمة المؤامرة وراءه وكأن لسان حالهم يقول أن من قام بتلك العملية لا يمكن أن يكون منا. الادعاء بوجود العديد من المؤمرات حول من يقف وراء أحداث الحادي عشر من أيلول مثلا لم تنته إلى أن تبين في شريط فيديو للقاعدة تحمّلهم مسؤوليته. ولم يمرّ وقت على أحداث القتل في باريس إلا وسمعنا العديد من الأقوال- أحياناً على لسان أشخاص مثقفين - تحميل مسؤولية العملية إلى كل جهة سوى من قام بها. ومرة أخرى تلاشت التصورات عند خروج شيخ من القاعدة في اليمن ليتحمل مسؤولية ما حدث على أساس أنه انتقام للرسول وهو أصلاً ما كان قد قاله الإخوان كوشي عند قيامهم بعملية القتل في مكاتب الصحيفة الهزلية الفرنسية. ولكن أكبر وأكثر روايات المؤامرة هذه الأيام تتمحور حول تنظيم الدولة الإسلامية المسمى "داعش" تعددت التصورات والأقوال حول من يقف وراء تنظيم داعش المتطرف بحيث لم يبقَ أي طرف أو دولة إلا وقد تم ضمه لقائمة الدول والمجموعات المتهمة بأنها وراء داعش. الغريب أن أية محاولة لحصر تلك الدول ينتج عنها معلومات متناقضة تشمل الكثير من الدول المشتركة الآن في الحرب على داعش. لا شك ان أجهزة المخابرات للعديد من الدول العظمى والصغرى مهتمة بموضوع مثل "داعش" لأسباب مختلفة وقد تكون قد سهلت عن قصد أو غير قصد عمل أشخاص أو مجموعات مرتبطة أو أصبحت مرتبطة بداعش. فالمعروف أن أجهزة المخابرات تعمل في الكثير من المواقع والدول بما فيها الدول الصديقة والدول المستقرة أمنياً فكم بالحري إمكانية أن تلعب تلك الأجهزة دوراً في مناطق غير مستقرة مثل العراق. ولكنني من غير المؤمنين أو المتحمسين لفكرة المؤامرة والتي يدّعي المقتنعون بها أن هناك قوة كبرى تحرك كل ما يجري ضمن سيناريو محكم ومخطط له مسبقاً. يقوم العديد من المعلقين ومنهم أشخاص ذوو الفكر المتطور والعلمي بالإنزلاق لتكرار أفكار عن مؤامرات مفترضة دون توفير الإثباث أو عناصر الإقناع. وكان صحفي مرموق قد وقع في هذا الفخ الفكري عندما قال في مقاله وبدون توفير الحد الأدني من الإثبات- إن "أحمد داود أوغلو متورط هو ومخابراته في دعم وتقديم التسهيلات لمنفذي العملية الباريسية وتنظيماتهم". الغريب أن العديد من الأشخاص الذين يتبنون نظريات المؤامرة ينطلقون من منطلق عنصري ضد العرب والمسلمين. فتسمعهم يقولون "هل ممكن أن يقوم عربي أو مسلم بعملية معقدة وفي غاية الدقة كعملية الحادي عشر من أيلول؟" في حين تسمع آخرين يقولون هل ممكن أن يقوم شخص مثل البغدادي ومجموعته باحتلال ثلث العراق خلال أيام؟ ولسان حال هؤلاء أن العرب والمسلمين لا يملكون القوى والقدرة على القيام بتلك الأعمال. الأمر الآخر الذي ينطلق منه المدافعون عن تلك المؤامرات هو قناعتهم المتناقضة أن تلك الأعمال خاطئة ولكنهم وفي نفس الوقت يقومون بتبرير الأعمال بسبب كونها إساءة للرسول أو دعم الدولة المستهدفة لإسرائيل أو المحاولة للسيطرة على النفط العربي. فإما تلك الأعمال خاطئة ويجب استنكارها بغض النظر عن أفكار المؤامرة أو أنها صحيحة وفي ذلك الوقت ما هو سبب محاولة إقناعنا أن من يقف وراءها أميركا أو إسرائيل أو الماسونية أو.. أو.. أو. ما هو مشترك في كل اتهامات المؤامرة الخارجية هو الهروب من الاعتراف أننا كعرب ومسلمين غير قادرين على التصرف كدولة حضارية تحترم القانون وتلتزم بالمعايير الدولية. وفي كل الأقوال تشعر بهروب غير مبرر من الاعتراف بما وصلنا إليه من تفكك دولنا وبلادنا بسبب غياب الرؤية والاستراتيجية الوطنية والانزلاق وراء أمور عاطفية (دينية أو وطنية) تدغدغ مشاعرنا ولكنها لا تخدم بلادنا ومستقبلها ومستقبل أبنائنا. لا شك أن إسرائيل وبعض دول الغرب وآخرون لا يرغبون ما هو الأفضل لنا ولكن هذا لا يعني أن علينا أن نضيع وقتنا في البحث غير المفيد في تحليل مشاكلنا من خلال التهرب من مواجهة الحقائق التي نعرفها كلنا. المطلوب وببساطة شديدة وبعيداً عن الاتهامات بالجملة لهذا الطرف أو ذاك أنه خلف داعش أو القاعدة أو غيرهم أن نعترف بأخطائنا بجرأة وصدق ثم نضع خططاً منطقية لمعالجتها.