نحو فضيلة العدل بالقوة لا بالرجاء

نحو فضيلة العدل بالقوة لا بالرجاء
الرابط المختصر

"لا يوجد  هناك فكرة صغيرة .. وليس هناك  قرار يمكن أن نصفه بأنه جرئء جدا" تصلح هذه الجملة لأن تكون كتيب للارشاد لكل مجالات عملنا وأملنا وحياتنا، وتمنحنا القوة لأن نفكر بصوت عال في البداية ولا نخاف من أفكارنا وطموحنا.

 

في إحدى الجلسات التي تنادي بعدم التمييز ضد المرأة في العمل ..معلومات مهمة سردت، وثقتها دراسات مهنية وأرقام دقيقة، وكلها تؤكد أن تفكير المجتمع التقليدي تجاه المرأة هو سبب التمييز الواقع ضدها؛ وأن الإشكالية الحقيقية في ما تعانيه  النساء في هذا المجال سواء في المنزل أو مكان العمل أو حتى في المجتمع أن التمييز ضدها هو سلوك عميق تم توارثه عبر أجيال.

 

المكون التقليدي في المجتمع ينفي طوال عقود هذه التهمة ويعتبرها تجني على المجتمع الذي يحترم المرأة ويقدرها، فالمتحدث الذي يمثل رجال الدين يؤكد أن الإسلام ميز المرأة إيجابيا، وأعطاها القوة بالحديث والقرآن أن تحتفظ بقوة قراراها واستقلاليتها الشخصية والمالية، وممثلي الحكومة يؤكدون أن الجهود الرسمية مدعومة بالتشريعات تدعم المرأة وتساندها، وممثلي قطاعات شعبية ومؤسسات مجتمع مدني يكدون أنهم ضد التمييز.

 

أثناء النقاش لم يستطع رجل الدين إقناع الحضور بأن الرجال لا يتعسفون على حقوق نساءهم باسم الدين الذي فسرت نصوصة من قبل عقول معادية للمرأة، وكذلك الحال بممثل الحكومة والتي صدف أن كانت إمرأة ، دافعت باستماته عن نصوص تشريعية تمييزية ضد المرأة، أقرها برلمانيون من خلفيات اجتماعية ودينية وأمنية  تقليدية محافظة.

 

وحتى ممثلات لمؤسسات مجتمع مدني اللواتي يكافحن عبر سنوات ضد التمييز، لم يجدن عيبا في إستخدام عبارات تقليدية، أو نصوص تشريعية، أو موروثات إجتماعية  في خطابهن وحملاتهن وطرحهن لقضايا المرأة لمحاولة إيصال رفضهن  للتمييز.

 

يرى البعض أنه في هذا المجال "الغاية تبرر الوسيلة"، ولكن التجربة أثبتت أن الإنصاف لا يأتي ممن يروج للظلم ويمارسه، وإن رجلاّ يمارس التعنيف ضد النساء في عائلته لن يستوعب أن ما يقوم به خطأ حتى لو واجهته بنص شرعي، لأنه ببساطة هناك نص شرعي آخر يقول له أنه ليس هناك مشكلة بالضرب إن كان للتأديب، وأنه ليس هناك عيبا أو مثلبة لرجولته إن استولى على راتب زوجته، أو منع شقيقته من الميراث.

 

لا يمكن أن أعتمد على أفكار تقليدية لتغيير سلوك تقليدي إقصائي ضد المرأة، وما يصلح في حملة الصحة الإنجابية أو الكشف المبكر للسرطان، لن يصلح برأيي في محاربة التمييز ضد النساء، يجب مواجهة من يمارسون التمييز بأفكار تنويرية جريئة ومباشرة  تناقض تفكيرهم وتفندها وتعري ظلمها.

 

لأن عدم إمتلاك الجرأة للتعبير بحرية عن وجهة نظر مختلفة عن السياق، تضيع على من يملك الفكرة فرصة إقناع الغير بها، وتضيع على الجمهور فرصة التعرف على عزف منفرد أو مختلف عما يسمعه الجميع بفس المحتوى ونفس السوية.

 

هناك ملايين الأفكار تدور حولنا في رؤوسنا ورؤوس من يحيطون بنا، البعض يكتفي بالتفكير ويرى حلم  التعبير والتغيير والتطبيق بعيد المنال، والبعض الآخر لا يجروء حتى على التفكير بما لدية بصمت، ويتمنى من شخص بجانبه يبادر ويعبر عن مخاوفه ويتحدث بأسمه أن يدافع عن  فكرته بدلاّ عنه.

 

وإن كنا لا نقبل أن نصمت، ونملك الأدوات ولا يعترينا الخوف؛ فلنأخذ بزمام التغيير ونكون نحن من نعبر عن أفكار الآخرين الخائفين أو الذين ليس لديهم الفرصة للتعبير أو الحديث بصوت مرتفع، ونعبر بقوة وبحوار صريح نرفض  التمييز ونفتح حفرة في جدار الظلام والتخلف لنعبر نحن وغيرنا نحو النور ونكرس فضيلة العدلا ولا أقول المساواة