صور الملك ... مادة إعلانية جاذبة رغم الحظر
رغم أن السلطات الأردنية حددت مواصفات معنية لصورة الملك عبد الله الثاني، إلا أنك تجدها في محلات تجارية بأشكال مختلفة، منها ما يروج للصنف نفسه الذي يباع في المحل التجاري. يعرض أحد محلات القهوة السائلة في العاصمة عمان، على واجهته، صورة كبيرة للملك وهو يحتسي القهوة، بينما يعلق محل للوازم التدخين صورة للملك وهو يدخن "الأرجيلة". ومحل آخر متخصص في أمور الحاسوب يضع صورة كبيرة على باب محله للملك وهو جالس خلف حاسوبه الشخصي. وفي مكان آخر تجد صورة للملك وهو يتناول الطعام في أحد المطاعم. الحكومة الأردنية أخضعت العام الماضي صور الملك لمواصفات ومقاييس خاصة، أقرها مجلس الوزراء الأردني، حددت فيها شكل الصورة والمكان الذي يتوجب رفعها فيه. واشترطت التعليمات موافقة الديوان الملكي على طباعة أي صورة للملك. وحظرت التعليمات تحت طائلة المسؤولية القانونية استخدام الصور الملكية بغير المواصفات والقياسات الفنية المقررة، أو استخدامها في غير الأماكن المحددة، أو استخدامها بما يخالف القانون أو الأعراف والعادات المتبعة. يقول صاحب محل تجاري، إنه يعلق صورة الملك خارج محله من باب "التحبب" و"الوفاء للقائد".. وينشر صاحب هذا المحل اسم محله التجاري على شكل لوحة إعلانية كبيرة فيها إهداء للملك في خطوة دعائية مجانية، دون الحاجة للحصول على تراخيص لوحة إعلانية من الجهات الأردنية المختصة. ويقوم آخرون بتعليق صور الملك وهو يستخدم سلاحا ناريا في محلات بيع الذخيرة، بينما يقوم أصحاب مركبات خاصة بإلصاق صورة الملك على مركباتهم تجنبا لمخالفات السير. خبير علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي، وصف استخدام الصورة من قبل أصحاب المحلات التجارية بـ"الذكاء في الترويج للسلعة"، حيث إن نشر الصورة يحمل دلالات ومعاني وإيحاءات تتولد لدى المُشتري، وكأن صاحب المحل يقول للزبائن: "أنتم لستم وحدكم، فهذا الرمز الذي له مكانة يدخن، أو يتبرع بالدم، أو يقود سيارة، أو يشرب قهوة، وعليكم مواصلة هذا الفعل والتمسك به". وتكثر هذه الصور الملكية "الإعلانية" رغم "منع الإشارة إلى أي اسم أو مؤسسة أو شركة أو عنوان أو رقم هاتف أو علامة تجارية على الصور الملكية، لأغراض إعلانات تجارية أو دعايات انتخابية أو سياسية، واستخدامها كملصق إعلاني أو للدعاية أو إضافة العبارات والأسماء بشكل مرافق للصور الملكية، واستخدام الكتابات والشعارات والإهداءات من أي نوع". رئيس قسم رخص المهن والإعلانات في "أمانة عمان" المهندس طارق القهيوي، أكد في حديث لـ"عربي21" أن الأمانة تقوم بإزالة أي صور ملكية تستخدم لأغراض الدعاية التجارية بالتنسيق مع وزارة الداخلية، تنفيذا لتعليمات الصورة التي أقرها مجلس الوزراء، كما أن الأمانة تقوم بتحرير إنذار خطي لناشر الصورة. وأحاطت التعليمات صورة الملك بنوع من القدسية والحرمة، إذ إنها حظرت استخدام الصور الملكية على المركبات الخاصة والعامة بأنواعها وأشكالها كافة، مثلما حظرت استخدامها في الملاهي والنوادي الليلية بأي شكل من الأشكال، بالإضافة إلى حظر استخدام الصور الملكية المرسومة يدويا بأي تقنية كانت قبل اعتمادها رسميا من رئاسة التشريفات الملكية في الديوان الملكي الأردني، وعلى الشاشات أو لوحات العرض الإلكترونية في الميادين والساحات العامة دون موافقة وزارة الشؤون البلدية أو أمانة عمان حسب مقتضى الحال، مثلما يحظر الإبقاء على الصور الملكية في مواقعها إذا أصابها تلف بأي شكل دون تبديل. ويعاقب القانون الأردني من يقوم "بمس كرامة الملك" من خلال رسم صورة هزلية له بالسجن؛ وتنص المادة (195) من قانون العقوبات على "السجن من سنة إلى ثلاث سنوات لكل من ثبتت جرأته بإطالة اللسان على الملك، أو أرسل رسالة خطية أو شفوية أو إلكترونية أو أي صورة أو رسم هزلي إلى الملك، أو قام بوضع تلك الرسالة أو الصورة أو الرسم بشكل يؤدي إلى المس بكرامة الملك، أو يفيد بذلك.. وتطبق العقوبة ذاتها إذا حمل غيره على القيام بأي من تلك الأفعال". المحلل السياسي الدكتور لبيب قمحاوي، رأى أن رفع صور الملك في المحلات التجارية "يعكس عقلية المجتمع الأردني الأبوي، الذي يتعامل مع الملك كونه شيخ العشيرة ورب العائلة؛ فالجميع يحاول أن يجعل صورة الملك جزءا مما يمثله، فالأمن العام يضع صورته وهو يرتدي زي الأمن، وكذلك الجيش، حتى أصحاب المهن يضعون صورته بطريقة تناسبهم. وهذا متعارف عليه في المجتمعات غير المتطورة". البعد الآخر لرفع صورة الملك على المركبات والمحلات الخاصة، كما يرى القمحاوي، هو أنه "تطور لثقافة الخوف التي تحولت إلى صك غفران؛ فمن يعلق صورة الملك هو منتمٍ وموالٍ. هذا يعكس تأصل ثقافة الخوف والميل نحو الاسترضاء". وارتبط مفهوم الولاء والانتماء في الأردن لدى البعض بصورة الملك وحب الملك، ابتداء من الملك الأب الحسين بن طلال وصولا إلى الملك عبد الله الثاني. وكرست تيارات "الموالاة" المحسوبة على الأجهزة الأمنية الأردنية هذه الصورة في أحداث الربيع الأردني، عندما كانت تخرج حاملة صور الملك في وجه مسيرات تطالب بالإصلاح وتقليص صلاحيات الملك. وذهب الأمر أحيانا إلى أبعد من ذلك عندما سجد موالون لصورة الملك في وسط البلد بعمّان. وتوجب الحكومة الأردنية على المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية رفع ثلاث صور؛ واحدة للملك عبد الله الثاني، وأخرى للملك الحسين بن طلال، والثالثة لولي العهد.